جهود أميركيّة مُتجدّدة لتوحيد الأكراد: «قسد» تشتري الوقت
علاء حلبي
استأنفت واشنطن، في الأيام الماضية، تحرّكاتها لتنشيط المفاوضات الكردية – الكردية، أملاً في توحيد هذه الفصائل بالتوافق مع تركيا، وتحصين الكيان القائم في منطقة شمال شرقيّ سوريا. وبينما تأتي هذه التحرّكات في وقت لا تزال فيه «قسد» عاجزة عن تثبيت سيطرة أُحادية في مناطقها، تجد «الإدارة الذاتية» نفسها أمام خيارات صعبة، يبدو أنها ستُحاول الهروب منها، حتى تكسب مزيداً من الوقت في عملية ترسيخ «العقد الاجتماعي» الذي تريده هناك
دمشق | مرّة أخرى، أعادت الولايات المتحدة الأميركية تنشيط تحرّكاتها لإحياء المفاوضات الكردية – الكردية، بين «حزب الاتحاد الديموقراطي» الذي يُنظر إليه على أنه امتداد لـ«حزب العمّال الكردستاني» من جهة، وأحزاب «المجلس الوطني الكردي» المدعومة من تركيا و«كردستان العراق» من جهة أخرى، بعد أن دخلت هذه المفاوضات مرحلة جمود أرادتها «قسد»، سعياً لترسيخ سيطرتها الأُحادية على مناطقها، وهو ما لم تتمكّن منه حتى الآن. وخلال اللقاء الذي أجراه قائد «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، مع «مجموعة الأزمات الدولية»، أشار باقتضاب إلى ارتفاع منسوب الخلافات بين «قسد» و«كردستان العراق»، وهو خلاف موجود تاريخياً بين الأحزاب الكردية في العراق وسوريا، والتي لم تستطع، على الرغم من وجود اعتقاد بوحدة القضية، الوصول إلى صيغة توافقية في ما بينها، في ظلّ الاختراق التركي الكبير لبعضها من ناحية، واختلاف آليات العمل المُتّبعة على الأرض، في ما بينها من ناحية ثانية. وأبدى عبدي، في رسالة مباشرة إلى أنقرة، رغبة «قسد» في الجلوس إلى طاولة المفاوضات لحلّ الخلافات، مُستبِقاً بذلك التحرّكات الأميركية الأخيرة الساعية إلى توحيد الصف الكردي، والتي قد تؤدّي إلى إضعاف قبضة «الاتحاد الديموقراطي»، في ظلّ الدعم التركي الكبير الذي يتلقّاه خصومه من تركيا ومن «كردستان».
وتأتي هذه التحرّكات، التي يقودها المبعوث الأميركي الخاص إلى منطقة شمال شرقي سوريا، ماثيو بيرل، في وقت وصلت فيه العلاقات بين «قسد» و«كردستان» إلى طريق مسدودة، ما أدّى إلى قيام الأخيرة بإغلاق معابرها مع مناطق سيطرة الأولى، الأمر الذي فاقم من الصعوبات الاقتصادية التي تعانيها «الإدارة الذاتية». وتسعى واشنطن، عملياً، إلى تحصين الكيان الكردي بالتوافق مع تركيا، عبر إنهاء حالة الاقتتال الجارية بين الفصائل التي تدعمها أنقرة من جهة، و«قسد» من جهة أخرى، وضمان استمرار هذا الكيان المرتبط بالولايات المتحدة على الطريق الذي يصل طهران بدمشق، وضمّه إلى المعارضة السورية في المجالس الدولية، وهو ما أكده المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جيمس جيفري، الذي قال صراحة في تصريحات صحافية نُشرت يوم الأحد الماضي، إن «الوجود الأميركي في سوريا يهدف في الدرجة الأولى إلى تعزيز المصالح الأميركية في المنطقة، وقطْع الطريق على إيران».
تسعى واشنطن عبر تحرّكاتها الأخيرة إلى تحصين الكيان الكردي في منطقة شمال شرقيّ سوريا
وأجرى بيرل، الأسبوع الماضي، سلسلة لقاءات مع ممثّلين عن الأحزاب الكردية التابعة لـ«المجلس الوطني الكردي»، ومع «الإدارة الذاتية»، بهدف تذليل العقبات أمام إعادة إحياء المفاوضات. وجاءت هذه اللقاءات بعد ضغوط أميركية على «قسد» للانسحاب من الخطّة التي قدمتها روسيا لإجلاس الأكراد على طاولة الحوار مع دمشق، الأمر الذي أثار غضب موسكو، وفق ما تجلّى في مواقف عديدة، آخرها تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي دعا «قسد» إلى «النظر بعيداً»، معتبراً أن «الأميركيين ليسوا من سيقرّر مصير المنطقة». وأشار لافروف أيضاً إلى التجربة العراقية، حاضّاً «قسد» على الاستفادة منها، والتوصّل إلى صيغة تفاهمية مع الحكومة المركزية في دمشق. بدورها، نشّطت الحكومة السورية عمليات المصالحة في مناطق شمال شرقي سوريا، وصولاً إلى الرقة، وهو ما استفزّ واشنطن ومعها «قسد»، لكون هذه المصالحات، وعلى الرغم من النطاق الجغرافي الضيّق لها حتى الآن، تشكّل بوّابة لاختراق المشروع الأميركي.
في ظلّ هذه الأوضاع، يبدو أن «قسد» ستكون أمام مجموعة سيناريوات صعبة خلال الفترة المقبلة، لعلّ أبرزها اثنان. أوّلهما المُضيّ قُدُماً في المشروع الأميركي الذي سيؤدّي إلى إعادة هيكلة منطقة «الإدارة الذاتية»، والحدّ من تأثير «حزب الاتحاد الديموقراطي» لمصلحة الأحزاب المدعومة من تركيا و«كردستان»، والتي على الرغم من محدودية حضورها على الأرض، ستجد بالدعم الاقتصادي الكبير الذي ستتلقّاه طريقاً لصعودها. أمّا الخيار الثاني، فالعودة إلى الطاولة الروسية، والبحث عن مخرج بالتوافق مع دمشق، الأمر الذي يَشعر قادة «قسد» أنه سينهي مشروع «الإدارة الذاتية» بشكلها الحالي، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن مخرج ثالث عن طريق المماطلة ومحاولة كسب المزيد من الوقت لتثبيت حضور «الإدارة الذاتية»، عبر عملية الإحصاء التي تقوم بها في الوقت الحالي في مناطق سيطرتها، والاستمرار في إعداد «العقد الاجتماعي» الذي تسعى إلى تكريسه في تلك المناطق، قبل الخوض في أيّ مفاوضات سياسية.
وبينما يشكّل عامل الوقت إحدى وسائل «قسد» الدفاعية، فهو يمثّل أيضاً عنصر ضغط كبير عليها، بسبب زيادة الضغوط الاقتصادية التي تتعرّض لها مناطق سيطرتها مع مرور الوقت، في ظلّ محدودية الدعم الأميركي لها، وإغلاق إقليم «كردستان» معابره معها، بالإضافة إلى استمرار المعارك مع الفصائل المدعومة تركياً، وما نتج عن تلك العوامل مجتمعةً من حالة غضب شعبي في تلك المناطق. وبذلك، يبدو رهان «قسد»، التي تريد «العنب والسلّة» على السواء، أمام تحدّيات قد تؤدي في النهاية إلى خسائر كبيرة لا يمكنها تحمّلها.
الأخبار