لماذا تريد روسيا امتلاك أسلحة فرط صوتية أكثر فتكاً؟ تثير “رعباً” واشنطن؟
تعرف الأسلحة الفرط صوتية بأنها صواريخ أو مركبات انزلاقية، سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ أو المركبات يمكنها حمل رؤوس نووية، وتعمل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية على تطوير نماذج أولية لصواريخ فرط صوتية، كما تبحث فرنسا أيضاً في تطوير قدرات تفوق سرعة الصوت؛ بهدف صنع جيل جديد من أنظمة الردع النووي.
لكن لا يمتلك حالياً أسلحة تشغيلية فرط صوتية سوى دولتين فقط في العالم، هما روسيا والصين. ومع ذلك من المهم أن نتذكر أنَّ مصطلح “تشغيلية” هو مصطلح لا موضوعياً كما تصف ذلك مجلة National Interest الأمريكية. إذ تمتلك روسيا، ربما أكثر من أية دولة أخرى، “تاريخاً طويلاً من ادعاء قدرات عسكرية” قبل إتقانها حقاً.
لكن تقول المجلة الأمريكية إنَّ نشر هذه الأسلحة المتقدمة يظل يمثل مصدراً مهماً للمكانة الدولية والنفوذ الدبلوماسي. على المسرح العالمي تُترك معظم الدول مضطرة إلى افتراض أنَّ هذه الأنظمة يمكن أن تعمل كما هو معلن عنها، من أجل التخطيط وفقاً لذلك في حالة تشغيلها حسبما قيل.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في خطاب بتاريخ 12 ديسمبر/كانون الأول 2021 متباهياً: “لقد قلت دائماً، ويمكنني أن أكرر ذلك الآن، أنَّ الدول العسكرية الرائدة في العالم ستمتلك بالطبع نفس الأسلحة التي تمتلكها روسيا اليوم. أعني الأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، لكن منذ عام 2018 [عندما كشفت روسيا النقاب عن أسلحتها الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت]، ولم تطور أية دولة أخرى هذا السلاح حتى الآن. وستفعل ذلك في النهاية، لكنني أعتقد أننا سنكون قادرين على إقناع شركائنا بحقيقة أنه عندما يحصلون على هذا السلاح، سيكون لدينا على الأرجح وسائل لمواجهته”.
ما أبرز الأسلحة الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا؟
1- المركبة الانزلاقية “أفانغارد”
أحد أبرز الأسلحة الفرط صوتية التي تمتلكها روسيا في الخدمة هي مركبة انزلاق فرط صوتية، تزعم أنَّ أقصى سرعة لها تصل ما بين 20 و27 ماخ (24500-33000 كيلومتر في الساعة)، وتستطيع حمل رأس نووية تزن 2 ميغاطن، ويصل مداها إلى ما يزيد عن (6000 كيلومتر تقريباً).
ودخلت “أفانغارد” المركبة الانزلاقية التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، الخدمة التشغيلية في ديسمبر/كانون الأول من عام 2019. ويمكن حملها إلى ذروة مسار رحلتها على متن سلسلة من الصواريخ الروسية العابرة للقارات، بما في ذلك أحدث صاروخ باليستي عابر للقارات وأكثره تقدماً، “آر إس-28 سارمات”. ولا تحتوي مركبة “أفانغارد” الانزلاقية على طريقة دفع على متنها، وتعتمد على إعادة الدخول للوصول إلى سرعاتها العالية، لكن يُزعَم أنَّ لديها قدرات مناورة دينامية أثناء الطيران لتجنب الاعتراض.
2- صاروخ “كينزال”
وتمتلك روسيا أيضاً الصاروخ الباليستي “كينزال”، الذي يُطلَق من الجو بمدى يتراوح بين 900 إلى 1250 ميلاً (1500 كيلومتر- 2000 كيلومتر)، وبإمكانه حمل رأس حربي نووي أو تقليدي بوزن 500 كيلوطن.
دخل صاروخ كينزال -التي تعني خنجر بالروسية- من طراز “كيه إتش-47 إم2” إلى الخدمة التشغيلية في عام 2017، رغم أنه سلاح غريب على هذه القائمة، بدلاً من استخدام محرك نفاث فرطي (سكرامجت) للدفع مثل صواريخ كروز، التي تفوق سرعة الصوت، أو استخدام مركبة انزلاقية لإدارة إعادة الدخول، يحقق كينزال سرعات تفوق سرعة الصوت من خلال القوة الغاشمة المطلقة.
في الواقع، كينزال هو أكثر بقليل من نسخة معدلة من صاروخ “إسكندر 9 كيه 720” المطلق من الأرض، وهو صاروخ باليستي قصير المدى، ذو نظام توجيه جديد مصمم خصيصاً للعمليات جو-أرض.
ويمكن لصاروخ “كينزال” المناورة عند جميع مراحل مسار طيرانه، مع الادعاء بأن سرعته تتجاوز 12 ماخ (14 ألفاً و700 كيلومتر في الساعة)؛ ما يجعله سلاحاً صعب الاعتراض.
3- صاروخ “تسيركون”
في مطلع ديسمبر/كانون الأول 2021 الماضي، أعلن بوتين عن إجراء اختبار ناجح لمنظومة “تسيركون” الصاروخية فرط الصوتية المضادة للسفن. وقال بوتين إن الاختبار جرى بشكل “ناجح ومثالي”، وشدد على أن “هذا الاختبار يشكل خطوة ملموسة في سبيل تعزيز القدرات الدفاعية للبلاد”.
وتسيركون هو صاروخ روسي، مجنح وفرط صوتي، قادر على القيام برحلة طويلة المدى، وتصل سرعته القصوى 9 “ماخ”، نحو 2.65 كم/ ثانية على ارتفاع 20 كم.
وقد أُطلِقَ عدة مرات منذ يناير/كانون الثاني 2020 من فرقاطة “أدميرال غورشكوف” التابعة لأسطول الشمال الروسي. وتقول موسكو إنَّ بإمكانه إصابة أهداف على مدى يصل إلى 1000 كم.
هل هزمت روسيا أمريكا في سباق الصواريخ الفرط صوتية؟
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذكرت مجلة Politico الأمريكية أنَّ الجنرال ديفيد طومسون، نائب رئيس عمليات الفضاء الأمريكية، دقَّ ناقوس الخطر حول الأسلحة الفرط صوتية الروسية قائلاً، إنَّ الولايات المتحدة “ليست متقدمة بقدر الروس، أو الصينيين، من حيث البرامج الفرط صوتية”.
ويقول خبراء عسكريون لمجلة Newsweek الأمريكية إن صاروخ تسيركون الروسي الأخير يقلب الميزان النووي مع الولايات المتحدة. وباعتباره صاروخاً مضاداً للسفن، فإنَّه قد يسحق نظام الدرع القتالي (أيغيس) الأمريكي.
ويقول برنت إيستوود، محرر الشؤون الدفاعية بالمجلة، إن “نظام أيغيس يحتاج من 8 إلى 10 ثوان لرد الفعل من أجل اعتراض الصواريخ القادمة. لكن خلال ذلك الوقت سيكون صاروخ تسيركون قد قطع بالفعل مسافة 12 ميلاً (حوالي 19 كم) على الأقل، ولا بد أن نشعر بالقلق حيال إمكانية إطلاق تسيركون عن غير قصد بما قد يشعل تبادل إطلاق نار نووي”.
وعلى مدار الأشهر القليلة الماضية، أولت وسائل الإعلام التي تديرها الدولة الروسية أهمية كبيرة لعمليات الإطلاق الناجحة لتسيركون، ولو أنَّ هناك شكوكاً بين الخبراء الأمريكيين حول ما إن كان الصاروخ قد بلغ مدى الألف كم الذي ادَّعته موسكو.
تطلَّب صاروخ تسيركون، على عكس الصواريخ الفرط صوتية البحتة التي تعتمد على المحركات النفاثة الفرطية (سكرامجت)، أيضاً درجة من البراعة لأنَّه يجمع بين مجموعة من التقنيات المتوفرة.
فيُعتَقَد أنَّه يتألف من مُعزِّز يعمل بالوقود الصلب لينقل الصاروخ من مرحلة الإطلاق إلى الارتفاع العالي، الذي يتبع الصاروخ عنده مساراً شبه باليستي نحو هدفه، ويُستخدَم رأس حربي قابل للانفصال لتدمير الهدف حين يكون في نطاقه.
ويقول ريتشارد كونولي، مدير شركة Eastern Advisory Group الاستشارية لمجلة نيوزويك: “يبدو أنَّه مزيج من صاروخ كروز وصاروخ باليستي، إنَّه نهج أبسط تقنياً لكنَّه ابتكاري ولا يزال بإمكانه بلوغ نفس المدى، لقد أجرت الولايات المتحدة الكثير من الاختبارات للمحركات النفاثة الفرط صوتية الأفضل، وقابلت عقبات جمة”.
وأضاف: “لا أستطيع أن أرى أي شيء يوحي بأنَّ تسيركون يفعل ما لا يمكن للولايات المتحدة فعله، لقد اختاروا فقط طريقاً آخر”، لكنَّه مع ذلك يعتقد أنَّ روسيا “تقدمت قليلاً” في تطويرها الصاروخي، “لكن ليس بقدر ما قد تظنون”.
البرامج الصاروخية الروسية واجهت مشاكل كثيرة
في غضون ذلك، أشارت وزارة الدفاع الروسية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إلى أنَّه لا يزال هناك المزيد مما يتعين القيام به. وقالت إنَّه سيجري استئناف المزيد من اختبارات تسيركون من غواصة Perm التي تعمل بالطاقة النووية في عام 2024، “وسيختلف عن أسلافه بتصميم متغير قليلاً”، حسبما أفادت وكالة تاس للأنباء.
وشهدت اختبارات الصواريخ الباليستية العابرة للقارات Sarmat ونظام Avangard الصاروخي وKinzhal تقدماً أيضاً، لكنَّ البرامج الصاروخية المتطورة التي ذكرها بوتين في 2018 واجهت عقبات أخرى، إذ يُعتَقَد أنَّ صاروخ Burevestnik قد تحطم خلال الاختبارات السرية للمحرك في منطقة القطب الشمالي الروسي، في أغسطس/آب 2019.
إلى جانب ذلك، تتضمَّن القدرة الصاروخية أيضاً القدرة على تحديد الهدف وتتبُّعه، وبالنسبة لروسيا لا تزال الشبكة القتالية هذه التي تربط بين أجهزة الاستشعار غير مُطوَّرة.
هل تستطيع أمريكا اللحاق بركب سباق الأسلحة فرط الصوتية؟
يقول توم كاراكو، الباحث بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية لمجلة Politico الأمريكية، إنه “قبل عدة سنوات، كان الناس يتحدثون عن مدى تأخر الولايات المتحدة من حيث اختبار الصواريخ المتطورة وربما في تطويرها أيضاً. ومع ذلك تتحرك الولايات المتحدة الآن بأسرع ما يمكن في عدد من البرامج”.
وأشار كاراكو إلى تطوير “صاروخ كروز الهجومي الفرط صوتي”، لدى سلاح الجو الأمريكي، و”السلاح الفرط صوتي طويل المدى” الذي تُطوِّره القوات البرية للجيش الأمريكي بالاشتراك مع البحرية الأمريكية، لكنَّ كاراكو قال إنَّه في خضم ادعاءات روسيا والصين فإنَّ الولايات المتحدة “تطور دفاعاتها الجوية من أجل التصدي لهذه الهجمات الجوية الخطيرة”.
وبغض النظر عن مرحلة التطوير التي تمر بها الآن، ستمثل برامج الصواريخ الفرط صوتية الروسية ورقة ضغط في المباحثات حول المعاهدة الجديدة التي تخلف معاهدة “نيو ستارت” النووية، التي مُدِّدَت حتى عام 2026.
وحتى لو كان الخبراء يعتقدون أنَّ ادعاءات بوتين بشأن قدرات بلاده العسكرية مجرد تبجُّح، فإنَّ السياسيين يأخذون تهديداته على محمل الجد، على الأقل علانيةً، في الوقت الذي يكافح فيه القادة من أجل التوصل إلى ما ينبغي عمله حيال الحشد الروسي بجوار أوكرانيا.
عربي بوست
اقرأ ايضاً:“غلوبال فير بور” يكشف عن أقوى جيوش العالم.. سوريا في المركز.. ؟