أنماط وسلوكيات جديدة اعتادها السوريون في ظل الغلاء
لتجارب الشعوب التي تعرّضت للحروب والأزمات المتعددة نتائج موحدة على حياتهم، بتحويلها من النمط التقليدي إلى نمط معيشي مختلف اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. الا أنه لم تقف التغييرات فقط عند هذا الحدّ، بل امتدت لتؤثر بشكل كبير في مفاهيم وأخلاقيات وسلوك الأفراد في المجتمع.
تقشف غذائي
بيّن الخبير الاقتصادي “فادي عياش” أن السلوك التقشفي بات واضحاً بدءاً من موسم المؤونة. التي تعتبر من أهم العادات المتوارثة لدى مجتمعنا السوري. وبالمقارنة مع الظروف الحالية، نجد أن معظم هذه المواد دخلت نظام “الترشيد”. أي الاستخدام الآني لها، وشرائها للضرورة فقط. كما لم يعد لدى المواطن القوة الشرائية للتخزين، نظراً لضعف قدرته الشرائية بالدرجة الأولى، ولعدم توفر الكهرباء. التي تضمن حفظ المونة كورق العنب والفول والبازلاء وغيرها، ما دفع الكثيرين للتخلي عن فكرة المؤونة.
ويضيف “عياش”: “حتى العزايم والسهرات العائلية، لم تنجُ من هذا الترشيد”، والتي كانت سابقاً سائدة كثيراً في المناسبات وغير المناسبات. لتقتصر اليوم على زيارات قصيرة، يتخللها كأس زهورات بدلاً من القهوة التي باتت أسعارها عالية جداً.
سلوكيات جديدة
وفي السياق نفسه، رأى الخبير الاجتماعي “محمد سعيد الحلبي” أن المواد الغذائية لم تعد تعتمد على الثلاجات، وإنما على التجفيف. حتى اللحوم بات الاحتفاظ بها يتطلب قليلاً من الطهي، في حين برزت فئة الجيل الجديد، الذي أصبح معتاداً على الوجبات السريعة لكونها أسرع وأوفر.
وبالرغم من اختلاف الآراء حول نوع التغيير الحاصل في سلوكياتنا الاستهلاكية بسبب الأزمة الاقتصادية التي نعيشها، فهو وإن لم يكن إيجابياً فهو بالتأكيد ليس سلبياً. هذا ما فسّره أستاذ علم الاجتماع الدكتور “أحمد الأصفر” بأن جميع هذه العادات موجودة وبأشكال مختلفة.
وهنا يجب أن نلفت الانتباه إلى أن فكرة المؤونة تترافق مع توفر المادة بشكل كبير في الأسواق، ولم ترتبط بفقدان السلعة. بمعنى آخر، إن فقدان السلعة لا يؤدي إلى تلك الظاهرة، وإنما العكس تماماً. لذلك يكون واقع الاسترشاد الحالي ليس نتيجة لوعي وقناعة لدى الفرد. وإنما نتيجة تراجع المستوى المعيشي للفرد ومحاولته التكيّف مع الواقع الجديد.
ويضيف “الأصفر”: “لم يقتصر التغيير في السلوك الاستهلاكي فقط وإنما في نوع المادة المستهلكة، فنحن لم نعرف مسبقاً ماهي “الانفرتر والليدات” وغيرها من المواد الاستهلاكية الجديدة. حتى مادة الفروج لم تعد تباع إلا قطعاً بطريقة تأخذ منه الجانب الذي تحتاجه لغدائك فقط وليوم واحد”.
وفي ختام حديثه أكد “الأصفر” أنه مهما كان نوع التغيير الحاصل هو بالتأكيد ليس سلبياً، لكنه مرهون بوعي المجتمع واحترامه. وهو حالة طبيعية لنظام استرشادي يضمن عدم الهدر والتبذير إذا صح القول. فنحن لم نعد نرى من يرمي الخبز في القمامة أو حتى استعماله كعلف للحيوان، وحتى رمي الأطعمة الفائضة من مائدة اليوم السابق. ويجب ألا ننكر أن هذا كان موجوداً سابقاً بكثرة، ولعلها فرصة أمامنا لاستبدال تلك العادات بعادات تتناسب مع العصر، الذي يشير دائماً لأزمة غذائية عالمية قادمة.
البعث
اقرأ أيضا: وزير الزراعة: السوق يتحكم بالهوامش الربحية… ومتاجرة بين أسواق الجملة والمستهلك