الأحد , نوفمبر 24 2024

بعد الجدل الكبير.. هذه هي القصة الكاملة لـ”المومياء الحامل”

بعد الجدل الكبير.. هذه هي القصة الكاملة لـ”المومياء الحامل”

في أبريل من العام الماضي، ضجّت وسائل الإعلام بخبر اكتشاف أول مومياء مصرية حامل ضمن “مشروع مومياوات وارسو”، وهي محفوظة في المتحف الوطني البولندي بالعاصمة وارسو.

وقد عادت قصة المومياء الحامل للواجهة مجددا، بعدما نشرت مجلة العلوم الأثرية في مطلع الشهر الجاري مقالة علمية لأستاذة الأشعة التشخيصية بجامعة القاهرة، الدكتورة سحر سليم، خبيرة أشعة الآثار، عضو مشروع المومياوات المصرية التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية، تدحض فيها فرضية الباحثين البولنديين.

وافترض الفريق البولندي في الدراسة الأولى التي نشرت بمجلة العلوم الأثرية في أبريل الماضي، أنّ المسح الضوئي كشف أنّ المومياء التي كان يُعتقد أنها لكاهن في بادئ الأمر هي مومياء أنثى وضعت في “التابوت الخطأ”، وبداخلها جنين عمره ما بين 26 إلى 30 أسبوعاً، وأنّ الأم توفيت لأسباب غير معلومة.

رأي جديد

في ردّها على الباحثين البولنديين، فنّدت اختصاصية الأشعة بجامعة القاهرة سحر سليم، الأسباب التي دفعتها إلى الاعتقاد بعدم وجود جنين داخل المومياء.

وتقول سليم لموقع “سكاي نيوز عربية” إنها عندما قرأت الدراسة العلمية المنشورة في العام الماضي عن المومياء الحامل، لم ترد مطلقاً على وسائل الإعلام حينها، وفضلت الرد من خلال نشر مقال علمي يفنّد الأخطاء التي وقع فيها علماء الآثار البولنديين، بحسب رأيها؛ مؤكدةً “أنّ ما اعتبروه جنيناً هو في الحقيقة عبارة عن لفائف تستخدم في التحنيط”.

وتضيف الطبيبة المصرية، خبيرة المومياوات، أنّها عادة ما ترى لفائف مماثلة لما عثر عليه الفريق البولندي داخل حوض المومياوات المصرية القديمة في الأشعة المقطعية، والتي يمكن تصورها بأشكال مختلفة.

وتوضح سليم أن الفريق البولندي استند في التشخيص إلى المظهر الخارجي لكتلة الحوض التي تشبه الجنين الملفوف، ولكن دون الكشف عن أي تكوين تشريحي أو عظام.

وتردف: “من غير المحتمل أن يكون الهيكل المضغوط شبه المستدير الكثيف هو (رأس جنين) كما قال الباحثون البولنديون، لأن عظام الجمجمة لدى الجنين لم تكن قد التحمت بعد، وهو الأمر الذي يجعلها تنهار وتتفكك بعد الموت، لكن الفريق البولندي لم يرد على هذه النقطة المهمة”.

وتضيف أن “ما أشار إليه البحث على أنه يد الجنين هو في الغالب تهيؤات لا ترقى إلى مستوى اليقين”.

وعن احتمالية وجود رحم بداخله جنين في المومياء من الأساس، تقول سليم إنّ فلسفة التحنيط لدى المصريين القدماء كانت تعتمد على إزالة كل الأحشاء حتى لا تسبب تحلل الجسم، فكيف لم يتم إزالة الرحم، وهو عبارة عن بيئة غنية بالبكتيريا تتسبب في تلف المومياء.. هذا هو السبب وراء عدم العثور على أيّ رحم به جنين داخل المومياوات المصرية القديمة”.

نظرية التخليل

في المقابل، يدافع الفريق البولندي عن فرضيته، إذ يبرر قائد الفريق، فويتشخ إجسموند، عدم وجود عظام داخل الجنين بأنها ذابت في “مياه الجنين”، موضحاً أن “البيئة في جسم الإنسان قلوية، بعد الموت، تصبح حامضية بسبب العمليات الكيميائية التي تنتج حمض الفورميك والأمونيا في الجسم، وهكذا، فإن البيئة الحمضية لمياه الجنين أذابت العظام”.

ويضيف إجسموند لموقع “سكاي نيوز عربية”: :يجب أن نتذكر أيضاً أنه حتى الشهر السابع من الحمل تكون عظام الجنين ضعيفة التمعدن، بحيث يمكن أن تذوب بسهولة أكبر من عظام الأطفال الأكبر سنًا والبالغين”.

ويستدل الباحث البولندي على صحة فرضيته بظاهرة مماثلة إلى حد ما، مشيراً إلى الأجسام المحنطة بشكل طبيعي والتي تم ترسيبها في مستنقعات في شمال أوروبا، “لذلك نحن نعرف المومياوات التي لا تحتوي على عظام بسبب عمليات كيميائية مماثلة”.

ويستطرد: “لتبسيط الأمر، يمكن إجراء تجربة بسيطة مع بيضة تحتوي قشرتها على الكثير من الكالسيوم، مثل عظام الإنسان. تخيل وضع البيضة في إناء مليء بالحمض؛ النتيجة: يذوب قشر البيض، ويتبقى فقط ما بداخل البيضة (الزلال والصفار) والمعادن من قشر البيض المذابة في الحمض”.

ويتابع: “يحدث انحلال مماثل للعظام في البيئة الحمضية للمستنقعات وفي مياه الجنين، هذا هو السبب في عدم وجود عظام في الجنين، ولكن الأنسجة الرخوة بقيت على قيد الحياة”.

جدل علمي

لا تتفق سليم مع هذه النظرية، وتلفت إلى أن الفريق البولندي أقرّ بتعفن الرحم من خلال الاعتراف بوجود الأحماض، وفي حالة صحة هذه الفرضية، لا تؤثر الأحماض على الجنين الحملي فحسب، بل كان سيصل الضرر إلى المومياء بأكملها، الأمر الذي يؤدي إلى تحللها، وهو ما لم يحدث؛ لأن المومياء محفوظة جيدًا.

كما تلفت إلى أن ملح النطرون الذي يقول الفريق البولندي إنه يحيط بالرحم الحملي لم يكن ليمنع تعفن المومياء، إلى جانب أنه لا توجد أدلة على وجود ملح النطرون من الأساس حول الرحم، لأن الأشعة المقطعية لا تكشف وجود الأملاح.

وتؤكد سليم وجود عديد من الهياكل العظمية لأجنة تعود لمصر القديمة فتقول: “تم العثور على أكثر من 100 هيكل عظمي لأجنة قبل الولادة، أصغرهم عمره 20 أسبوعًا فقط (أصغر من الجنين المزعوم)، عثر عليها في مقبرة قديمة بواحة الداخلة (كاليس 2) بالصحراء الغربية، والتي تعود إلى نفس زمن تحنيط المومياء الحامل المزعومة”.

في المقابل، يرى الفريق البولندي أن طريقة تحنيط أجنة المومياوات خارج الرحم تختلف عن ما تم في المومياء الحامل، وهو ما يفسر وجود مومياوات لأجنة أخرى يوجد بها عظام؛ حيث أن تحنيط الأجنة خارج الرحم لا يتسبب في فقدان العظام، كما يحدث فيما أسموه بـ”نظرية التخليل” داخل الرحم.

ويقول قائد الفريق البولندي لموقع “سكاي نيوز عربية” إنّ صور التصوير المقطعي المحوسب تُظهر أن هناك أيديا وأرجلا ورأسا مرئية بشكل جيد، وهو ما يدعم فرضيتهم.

وحول عدم نزع المحنطين لرحم المومياء، يوضح إجسموند: “لا ندري لماذا ترك المحنطون الجنين داخل الرحم”، ويشير إلى عدد من الاحتمالات: “إما أن يكون الرحم شديد الصلابة في هذه المرحلة من الحمل، لذا فإن استئصال الجنين يؤدي إلى تدميره وإتلاف جسم الأم. أو ربما اعتقدوا أن الطفل لا يزال جزءاً لا يتجزأ من جسد الأم ويحتاج إلى الذهاب إلى الحياة الآخرة معها.. ما زلنا نحاول شرح هذا الغموض”.

فرضية غير منطقية

كما شككت أستاذة ورئيسة قسم الطب الشرعي في كلية طب جامعة القاهرة، دكتورة عبلة عطية، في فرضية التخليل في ذوبان عظام الجنين في أحماض التحلل، فتقول إنّ “تعرض الجنين داخل الرحم لوسط حمضي من جراء التحلل كان لا بد أن يتسبب في تحلل الأنسجة الرخوة، وتبقى عظام الجنين لأن العظام تقاوم عملية التحلل”.

وتوضح في حديثها لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “الأحماض الناتجة عن عملية التحلل هي أحماض ضعيفة (معامل 5)، بينما تحتاج العظام إلى أحماض قوية ذات معامل حموضة يصل إلى أقل من 1 لتتسبب في تحللها”، مؤكدة أنّ “فرضية -التخليل- غير منطقية ولا تنطبق على عملية التحلل في هذه الظروف”.

من جهته، يعلق خبير الأنثروبولوجيا والمومياوات في جامعة غرب أونتاريو بكندا، البروفيسور أندرو نيلسون على هذا الجدل، إذ يقول إنه لا يعتقد أن الكتلة التي يمكن ملاحظتها في المومياء من المتحف الوطني في بولندا بها جنين في الرحم.

ويضيف في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أوافق على أن الشكل العام موحي للغاية، لكنني أعتقد أن عدم وجود العظام وتيجان الأسنان يستبعد احتمال أن يكون جنينًا، هناك بالفعل شيء يشبه إلى حد كبير اليد الصغيرة، لكن النصف السفلي من الكتلة (الساقين أو القدمين) لا يظهر على الإطلاق”.

ويشرح نيلسون: “يبدو أن ذوبان العظام في أحماض الرحم أمر بعيد الاحتمال، وإذا ذابت العظام فكيف لم تتضرر الأنسجة الرخوة التي أصبحت كثيفة وغير متبلورة؟ لم يتم شرح ذلك”.

وتابع: “كما أن تشبيههم ما حدث للجنين بما يحدث في أجسام مومياوات المستنقعات أمر غير مكتمل أيضاً؛ لأن العظام بالفعل تكون منزوعة المعادن جزئياً في أجسام المستنقعات، لكنها لا تختفي تماماً، ولا تتحلل أسنانها، وفي حالة المومياء الحامل سيكون للجنين في هذا العمر تيجان الأسنان إلى جانب العظام”.

وذكر العالم الكندي أن “الأنسجة الرخوة في أجسام المستنقعات لا تصبح كثيفة وغير متبلورة، بل إنها في الواقع تحتفظ بالهيكل الأصلي بتفاصيل رائعة، حتى لو أصبح الشكل مشوهاً”.

ونوّه نيلسون إلى صعوبة التكهن بآراء المحنطين المصريين حول تركهم للرحم، “فإزالتهم لجميع الأحشاء وترك الرحم فقط يبدوا أمراً غريباً، خاصة أن المحنطين كانوا بارعين في إخراج الأعضاء الكبيرة من شقوق البطن الصغيرة”.

وفي الأخير، يعتقد خبير الأنثروبولوجيا والمومياوات بجامعة غرب أونتاريو، أن الجسم الموجود في المومياء هو نوع من أنواع الحشوات البطنية فقط، مرجعاً سبب اختلاف شكل الحشوات إلى وجود كميات من الراتنغ الذي كان يستخدم في عمليات التحنيط.

عبد الحليم حفينة – القاهرة – سكاي نيوز عربية