السبت , نوفمبر 23 2024

هل سيقدم القيصر الروسي على غزو أوكرانيا عسكريا؟

هل سيقدم القيصر الروسي على غزو أوكرانيا عسكريا؟

عميرة أيسر
التوتر الحالي الحاصل بين موسكو وكييف، والذي يعكس تضارباً في المصالح والرؤى والاستراتيجيات بين موسكو وواشنطن، التي لن تتخلى عن استراتيجيتها التي انتهجتها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، والتي تحاول من خلالها عزل روسيا عن محيطها الجغرافي، واضعافها اقتصادياً عن طريق العقوبات المالية الاقتصادية القاسية، في محاولة منها لتحجيم دورها الاقليمي والدولي المتعاظم، خاصة في فترة حكم الرئيس فلاديمير بوتين الذي يعتقد بأن أمريكا هي السبب في تفكك الاتحاد السوفياتي، الذي كان يشمل كل منطقة أوراسيا من سنة 1922م لغاية 1991م، وكان يضم حوالي 15 جمهورية سوفياتية ذاتية الحكم، حيث قال: في أحد خطاباته بأن انهيار الاتحاد السوفياتي كان أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، وكان بمثابة نهاية روسيا التاريخية، مضيفاً بأن الأزمة الاقتصادية التي أعقبت ذلك اضطرته للعمل كسائق أجرة. كما ذكر موقع INDÉPENDANT عربي، بتاريخ 12ديسمبر/ كانون الأول 2021م في مقال بعنوان
( بوتين يعتبر انهيار الاتحاد السوفياتي ” نهاية روسيا التاريخية”).
فبوتين الذي يعتبر بأن أمريكا ومنظومة الدول الغربية كانت ولا تزال العدو الأول لروسيا الأرثودوكسية تاريخياً، ذات التوجهات الاشتراكية، والتي تعتبر الوريث الشرعي لروسيا القيصرية، التي سيطرت على معظم الدول في منطقة أسيا الوسطى والبلقان، بما فيها أوكرانيا التي كانت تسمى روسيا الصغرى، وتشترك مع كل من روسيا وبيلاروسيا ” روسيا البيضاء”، في أنها تنتمي لما بات يعرف بالشعوب السلافية التي استوطنت وسط وشرق أوروبا والبلقان و أسيا الوسطى، و يقدر عددها بحوالي 400 مليون شخص حالياً، يتحدثون اللغات الهندو_أوروبية، فتلك الشعوب الذي عاشت في أوروبا منذ أكثر من 5000سنة، استطاعت بناء ما يعرف بالإمبراطورية المورافية، بحلول القرن التاسع الميلادي، وأصبحت كل شعوب شرق ووسط أوروبا تابعة لها، ولكن سرعان ما قامت الشعوب المجرية بتدمير الإمبراطورية المورافية، وبقيت هذه الشعوب مقسمة بين حكم كل من الإمبراطورتين الرومانية و البيزنطية المقدسة، حتى استطاع الاتحاد السوفياتي أحكام سيطرته على كل الشعوب والدول السلافية. كما ذكر موقع أطلس المعرفة، بتاريخ 1أكتوبر/تشرين الأول 2021م، في مقال بعنوان ( من هم السلافيين، تعرف على الشعوب السلافية ولغاتهم وأماكن تواجدهم).
ويدرك قيصر روسيا الجديد كذلك الأهمية الجيو استراتيجية لأوكرانيا التي تعتبر الحدّ الفاصل بين روسيا وحلف الناتو، الذي توسع ليشمل الكثير من دول أوروبا الشرقية، وتريد واشنطن جعل أوكرانيا جزءً من الناتو، وهذا ما يعتبره الكرملين تهديداً للأمن القومي لروسيا، وخطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، واعتبر قادة الكرملين بأن المحاولات الأمريكية لضم أوكرانيا لمنظومتها العسكرية والأمنية، بمثابة إعلان حرب صريح، حيث قال: الناطق الرسمي باسم الكريملن ديمتري بيسكوف، بعد يوم واحد من انعقاد القمة التي جمعت كلاً من جوزيف بايدن و فلاديمير بوتين في العاصمة السويسرية جنيف، والتي اتفق فيها الطرفان على عودة السفراء وإطلاق حوار شامل رغم الخلافات، حيث حذر الكرملين من المساعي الرامية لضم أوكرانيا لحلف الناتو، واعتبر ذلك عملاً غير مقبول، وخطاً أحمر. كما ذكر موقع الجزيرة، بتاريخ 17جوان/ يونيو 2021م، في مقال بعنوان ( روسيا تحذر من ضمّ أوكرانيا للناتو وتعتبره خط أحمر).
فموسكو تريد من أوكرانيا أن تبقى تحت نفوذها وسيطرتها المباشرة، وأن يكون رئيسها متوافقاً سياسياً مع المخاوف الروسية، من تحول أوكرانيا لبوابة يمكن للغرب من خلالها غزو منطقة أسيا الوسطى ككل، باعتبار أن الكثير من دول أوروبا الشرقية قد سقطت بيد واشنطن، والتي استطاعت عن طريق استعمال القوة الناعمة اقناعها بالانضمام لحلف الناتو والاتحاد الاوروبي، وأصبح الكثير من هاته الدول بمثابة نقاط ارتكاز، للقوات الأمريكية التي بات الكثير من مسؤوليها وخاصة في البنتاغون يرون في الدب الروسي التحدي الاستراتيجي والعسكري الأول الذي يشكل تهديداً لمصالح أمريكا الحيوية ليس في أوروبا فحسب، بل حتى في الشرق الأوسط وأفريقيا و المحيطين الهندي والهادي، ومن هؤلاء نائب وزير الدفاع الأمريكي لشئون السياسة كولين كال، الذي قال: خلال مشاركته بواسطة تقنية الفيديو في مؤتمر البلطيق العسكري، الذي انعقد في ليتوانيا، بأن الصين ربما تشكل خطراً أساسياً على الولايات المتحدة، غير أن روسيا قد تشكل مشكلة أكبر على المدى القصير، وأضاف بأن روسيا قد تشكل بالفعل أكبر تحدي أمني تواجهه الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتأكيد أوروبا في المجال العسكري، لأن روسيا حسب اعتقاده تؤدي دور مزعزع للاستقرار على الصعيد الدولي، وتعمل على تقسيم بلدان الغرب. كما ذكر موقع RT الروسي، بتاريخ 18سبتمبر/أيلول 2021م، في مقال بعنوان ( البنتاغون، روسيا أخطر من الصين على المدى القصير ).
فخبراء الأمن والاستراتيجية في أمريكا، يحاولون منع روسيا من استعادة نفوذها وهيمنتها، على جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقّ، لأنهم يعتقدون بأن ذلك سيعيد روسيا كإمبراطورية كبرى قادرة على إسقاط الإمبراطورية الأمريكية، التي تنتهج نفس الأساليب التي استعملتها إبان فترة الحرب الباردة، لتفكيك الدولة الروسية، ذات النظام الفيدرالي المركزي، وتحاول من خلال حلفاءها الأوروبيين كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الضغط على روسيا سياسياً، و التي يتمركز أكثر من 100ألف جندي من جيشها بكامل عدتهم وعتادهم على حدودها الشرقية مع أوكرانيا، في انتظار أوامر بوتين لهم بغزو كييف، التي على الأغلب لن تصمد طويلاً وستسقط كما سقطت جزيرة القرم سنة 2014م، خصوصاً بعد التصريحات التي صدرت عن كبار المسؤولين في البيت الأبيض بأن واشنطن لن تجازف بالدخول في حرب عسكرية مباشرة مع موسكو، لأن ذلك سيؤدي لنشوب حروب نووية شاملة ستؤدي لحدوث دمار كبير سيطال كل بلدان أوروبا الغربية وحتى المدن الأمريكية، بل ستكتفي واشنطن بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية على موسكو، وستعمل على منعها من استكمال بناء ” خط نور ستريم2″، الذي ينقل الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى ألمانيا مروراً بدول البلطيق، والبالغ طوله حوالي 1230كلم، ويعود سبب تأخر استكمال بناءه للعقوبات الأمريكية والأوروبية، المتكررة خوفاً من استعماله من قبل روسيا كورقة ابتزاز جديدة، تهدد أمن الطاقة الألمانية والأوروبية. كما ذكر موقع TRTعربي، بتاريخ 17نوفمبر/ تشرين الثاني 2021م، في مقال بعنوان ( تعرف خط أنابيب ” نور ستريم 2″ الروسي إلى ألمانيا، ولماذا يثير غضب أمريكا).
وذلك بالرغم من إدراك أمريكا بأن روسيا هي المورد الأساسي لأوروبا بالغاز الطبيعي، وبأنه في حال قررت روسيا قطع امداداتها عن دوله، وخاصة المتطورة منها، فإن ذلك سيؤدي لارتفاع كبير في أسعاره في الأسواق العالمية، ولحدوث أزمة تدفئة مما سينعكس سلباً على الاقتصاد الأوروبي، الذي يعرف ركوداً غير مسبوق جراء تداعيات جائحة كورونا منذ أكثر من عامين، فأمريكا ستتخلى عن أوكرانيا في النهاية، وهي الدولة التي يتحدث الكثير من سكانها اللغة الروسية، وخاصة في الجزء الشرقي الذي يريد الانفصال عن كييف بدعم روسي كامل، حيث يحمل أكثر من 600ألف من سكانه جواز السفر الروسي، وخاصة في منطقتي دونيتسك و لوغاسك، التي وقعت معها روسيا مرسوماً اطلق عليه مرسوم “الانسجام الاقتصادي”، والقاضي بعدم فرض روسيا لقيود متعلقة بالاستيراد والتصدير في المنطقتين المذكورتين، كما ينص المرسوم كذلك على السماح بدخول السلع والبضائع من دونيتسك ولوغاسك لروسيا بشروط متساوية مع السلع الروسية، بل وتعزير كمياتها في المتاجر الروسية. ويمكن أيضاً شراء الفحم والمنتجات المعدنية منها. كما ذكر موقع وكالة الأناضول، بتاريخ 21نوفمبر/ تشرين الثاني 2021م، في مقال بعنوان (“مرسوم” الانسجام الاقتصادي الروسي خطوة نحو ضم ” دونباس” الأوكرانية).
فأمريكا تعلم بأن روسيا قد بدأت في اتخاذ خطوات جريئة ومنذ 7سنوات، ستؤدي في النهاية لاجتياح أوكرانيا، ولن تتمكن واشنطن من منع ذلك، فواشنطن تدرك بأن روسيا جزء من المحور الصيني الإيراني، الذي بدأ يطالب بلعب دور أكبر في السياسة الدولية، ويعمل على الحدّ من النفوذ الغربي في قارة أسيا وأوروبا الشرقية، وسيدعم الجهود الروسية لضم أوكرانيا للاتحاد الفيدرالي الروسي، أو على الأقل تحييدها في صراعه مع المحور الغربي الأنجلوسكسوني في أية مواجهة عسكرية محتملة بين الطرفين.
رأي اليوم