كان التاريخ الإنساني حافلًا منذ بدايته بقصص نساء في الظل، حكمن من خلال أزواجهن ممالك وبلدانًا كاملة، بل وخضن حروبًا من أجل مزيدٍ من السلطة والنفوذ، وكانت دائمًا قصص سُلطة النساء هذه مُقترنة بالحب إلى جانب السلطة؛ فيحكي الطبري في تاريخه عن الخيزران، عن تلك الجارية البربرية التي أوقعت الخليفة المهدي في عشقها؛ فتزوجها وأعتقها وكانت لها إبان حكمه سطوة ونفوذ على أمور الدولة العباسية، إذ أمرت ونهت ومنحت العطايا، وأمالت عقل الخليفة لجعل الخلافة محصورة بين ولديها – موسى الهادي ومن بعده هارون الرشيد – وحُرم أبناء المهدي من نسائه الأخريات من وعد الخلافة، وكان كبار رجال الدولة يتجمّعون في منزلها حتى بعد وفاة المهدي، طمعًا في عطفها.
وفي التاريخ الحديث، وعلى الرغم من أن دور المرأة سيدةً أولى ظل محصورًا إعلاميًا بين الجمعيات الخيرية، وحقوق المرأة، إلا أن هناك نساءً سطع نجمهن زوجات رؤساء، وتخطّت سلطتهن سلطة الرئيس ذاته، لدرجة جعلت الصحف تلقب بعضهن بـ«حاكمات القصر».
وسيلة بورقيبة.. زواج الحب والنفوذ
في ثلاثينيات القرن الماضي، وفي بيت أحمد شقيق الحبيب بورقيبة، قابل الحبيب السيدة «وسيلة» لأول مرة، فتاة جميلة متزوجة من الطبيب علي الشاذلي، لتبدأ قصة حب لم تكلل بالزواج إلا بعد مرور 20 عامًا.
لم تكن وسيلة هي الزوجة الأولى للحبيب بورقيبة، بل كانت في البدء الحبيبة التي سعى جاهدًا لتطليق زوجته العجوز «مفيدة»، والزواج منها؛ فيؤرخ الصافي سعيد في كتابه «بورقيبة: سيرة شبه محرمة» تلك القصة، التي تجددت مرة أخرى بعد عودة بورقيبة من المنفى لتصبح معروفة للجميع. تعددت لقاءات الحبيبين إلا أن وسيلة لم تكن مستعدة للطلاق ما لم يطلق بورقيبة زوجته الفرنسية ماتيلد أو مفيدة، كما أطلقت على نفسها بعد إشهار إسلامها.
(حفل زفاف وسيلة وبورقيبة).
وفي يوليو (تموز) من عام 1961، وافقت مفيدة أخيرًا على الطلاق، وتحقق لوسيلة ما تمنت؛ إذ وفي أبريل (نيسان) من عام 1962 كان قصر السعادة بالمرسى قد تم إعداده جيدًا لاستقبال حفل زفاف القرن التونسي، للحبيب بورقيبة ابن الواحدة والستين ووسيلة ذات الخمسين عامًا؛ فيقول الصافي سعيد: «لقد ناضلا معًا من أجل أن يتزوّجا، والآن ها هما يتزوجان ليحكما معًا».
وعن نفوذ وسيلة داخل قصر قرطاج، يروي سعيد عن حسّها العالي في حبك المؤامرات، مُضيفًا أنها كانت تتمتع بأنوثة طاغية رغم تجاوزها الخمسين عامًا، وقدرة على نسج العلاقات، فكانت تجمع ذلك كله وتمزجه لتحقيق مصالحها، فيقول: «فكرت وسيلة في كسب الطيب المهيري، ليشكلا معًا نواة الجناح المُسيطر على قرارات بورقيبة»؛ إذ كان المهيري وزيرًا للداخلية ونواة صلبة داخل حزب الدستور التونسي والدولة البورقيبية، ومن جانبه فكر المهيري أيضًا في الاستفادة من وسيلة بحجم استفادته من بورقيبة.
كانت وسيلة تتمتع بشخصية قوية، ولكنها كانت تمارس قوتها هذه بذكاء حاد للتحكم في قرارات بورقيبة؛ إذ حرصت على أن تشعره دائمًا بأن القرارات وفكرة الزواج نفسها نابعة منه، فكان يكفيها أن تنطق بكلمة طيبة في حق فلان أمام بورقيبة حتى يقوم برفعه إلى أعلى مناطق النفوذ والسلطة، أما إذا أرادت أن تطيح بشخصٍ ما، فإنها تعرف كيف تقول فكرة غامضة عن هذا الرجل، أو التساؤل عن جدوى ما يفعل لتقليب بورقيبة عليه، بحسب سعيد؛ فيروي عن احتمالية أن تكون وسيلة وراء الإطاحة بمحمد الأمين باي تونس، إذ أرادت الانتقام منه، بعد أن نصح بورقيبة بقطع علاقته بها حين كان رئيسًا للوزراء، معللًا ذلك بأنها من قامت بزرع الفكرة في رأسه، بعد حوار مطول معه عن الإطاحة بالملكية وتأسيس دولة جمهورية، ففاجأ بورقيبة الجميع بقرار خلع الملكية.
لم يكن هذا الاتهام هو الوحيد الذي تم توجيهه إلى وسيلة، إذ يشير إلى احتمالية أن تكون هي مَن وراء قرار بورقيبة باغتيال صالح بن يوسف، وهو أحد أبرز قادة «الحركة الوطنية التونسية». كانت وسيلة تكن كراهية مفرطة لهذا الرجل، خاصةً بعدما حضرت آخر لقاء جمع بينه وبين بورقيبة في جنيف؛ إذ أهان بورقيبة في حضورها، فيقول الصافي سعيد إنها أرادت الانتقام من هذا الرجل الذي أهانها وأهان رئيس الجمهورية.
(سياسة وسيلة بنت عمار في تونس).
«جعلت من نفسها وعلى مدى سنوات عديدة، وكأنها امرأة مصنوعة من كروموزوم الرجال، أو هي الرجل الوحيد في تونس بعد بورقيبة، في عصر بورقيبة».
بهذه الكلمات وصف الصافي سعيد وسيلة، مُضيفًا أنها كانت في بلاط بورقيبة الرجل الوحيد في هيئة امرأة، ومدير أعمال هذا الرجل الأول، بورقيبة، قائلًا إنها يوم دخلت قصر قرطاج، جلبت معها جزءًا من عائلتها منذ اليوم الأول، وهو شقيقها منذر بن عمار الذي أصبح في وقتٍ قياسي أحد مستشاري الرئيس، وهو الشيء الذي جعل من وسيلة الحاكم الفعلي في القصر؛ إذ تمكنت من أن تمسك زمام بورقيبة من ناحية، وتُشرك عائلتها معه من ناحيةٍ أخرى.
نجحت وسيلة بوصفها زوجة قادرة على شد أزر زوجها في أحلك الظروف، فكانت الشخص الوحيد القادر على إخراجه من حالة الإحباط الشديد التي ألمت به حين تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة، وتمكنت من زرع القوة بداخله للضرب على رؤوس أعدائه واحدًا واحدًا، ليظهر بمظهر الرجل الوحيد في تونس، بحسب سعيد، كما نجحت من ناحية أخرى في أن تستحوذ على كل رجال بورقيبة، بدايةً من الحزب الدستوري، وصولًا إلى رجال الحكومة والقصر، فيصفها بأنها لعبت دورين هامين معًا؛ إذ كانت الشخص المفجر للصراعات داخل القصر، كما كانت الشخص القادر على تهدئتها، أطاحت بحكومة الباهي الأدغم في نهاية الستينيات، وشاركت في تشكيل حكومة «الهادي نويرة»، والذي جاء بدعمٍ شخصي من بورقيبة، لتبدو كامرأة خارقة بنفوذ غير محدود.
كانت وسيلة تدرك منذ اليوم الأول أن مبنى وزارة الداخلية هو الحاكم الفعلي للبلاد، ولذلك سعت بكل جهودها للسيطرة عليه، بدءًا من الطيب المُهيري الذي نجحت في كسب صداقته، ولكن كان هناك من ينافسها في طموحها وهو الهادي نويرة رئيس الحكومة، والذي سعى من ناحية أخرى لتنصيب أحد رجاله في هذا المنصب، إلا أن عاصفة وسيلة لم تهدأ سوى بالإطاحة بالهادي نويرة نفسه، وكان أول ما فعلته حينها هو «احتلال» وزارة الداخلية وتعيين أحد رجالها وهو إدريس قيقة، إلا أن انتفاضة الخبز في يناير (كانون الثاني) 1982، قد حطمت كل أحلام وسيلة، فيقول عن ذلك الصافي سعيد: «أصبح بورقيبة مريضًا ومتهالكًا في سنواته الأخيرة، إلا أن تلك المرأة الحديدية استمرت في نهجها السابق، كانت باختصار تريد كل السلطة، فإذا بها تتورط في معارك كثيرة هامشية أفقدتها كل السلطة».
كانت رغبات وسيلة للانتقام هي التي قادتها في النهاية إلى حتفها، ففقدت جزءًا كبيرًا من دعم «الأسد العجوز» بورقيبة، وانشغلت بمعاركها حتى دمرت بنفسها شبكة علاقاتها، فبدأت سلطاتها في الانحدار منذ عام 1982، لقد فقدت وسيلة ثقة زوجها، وفي النهاية غادرت البلاد للولايات المتحدة الأمريكية لمواصلة علاجها، وفي أبريل من عام 1986، هاتفها بورقيبة في منفاها بجملة واحدة: «أنتِ طالق»، ولم تدم رئاسته بعدها لتونس.
لطيفة هانم.. المرأة التي استأثرت بقلب أتاتورك وشاركته تأسيس تركيا الحديثة
تُعد سيرة لطيفة هانم هي الإثبات الوحيد على أن المرأة ذات الشخصية القوية، ليست بالضرورة امرأة شريرة، فقد تزوجت لطيفة هانم من الرئيس التركي العلماني مصطفى كمال أتاتورك، بعد أن ولع بها حبًا، إلا أنّها لم تكن في ذلك الوقت النموذج المعروف من النساء، إذ جرى العُرف في تلك الفترة على أن النساء «حريم»، وأن المرأة يجب أن تحتجب في المنزل، ولا تخرج منه بوجهٍ مكشوف، لتأتي لطيفة هانم تلك الفتاة التي تلقت تعليمها في الخارج وأتقنت اللغات والموسيقى وتشاركه في كل جولاته السياسية داخل تركيا وخارجها بوجهٍ مكشوف وملابس عصرية تشبه ملابس الرجال.
كانت لطيفة هانم نموذجًا للمرأة «النسويّة»، كرهَهَا المجتمع التركي مدعيًا أنها امرأة سليطة اللسان، ومتحكمة، وتنادي زوجها باسمه أمام قادة العالم دون ألقاب، وهو شيء لم يكن سائدًا حينذاك، إلا أن سيرتها الذاتية والتي قد نُشرت في السنوات الأخيرة، قد أزالت النقاب عن المرأة التي وقفت خلف «تحرُّر» مصطفى كمال أتاتورك وعلمانيته، وساعدته في تشكيل رؤيته لتركيا الحديثة في عشرينيات القرن الماضي.
قابل مصطفى كمال أتاتورك لطيفة هانم لأول مرة في قصر عائلتها بإزمير، وتزوجها، إذ أخبر أصدقاءه المقربين ذات مرة أن الزواج ليس فنجانًا من الشاي تتناوله، ولكن لا يمكن مقاومة شخصية في مثل ذكاء لطيفة هانم، وهو الأمر الذي دفعه ليتزوجها لأنها أثرت به على الرغم من كونه يكبرها بحوالي 17 عامًا، فأعادت تصميم قصر كانكايا وأعدته لتستقبل فيه فيما بعد حفلات زوجها المرموقة والتي جمعت رجال النفوذ في تركيا.
كان زفاف أتاتورك ولطيفة هانم بالنسبة إلى المجتمع التركي خرقًا لكل المحرمات، بحسب كاليسلار، إذ كانت العروس هي وكيل نفسها، دون ولي، كما رفضت أن تحصل على مهرٍ كبير؛ فدفع أتاتورك حوالي 10 دراهم، رمزًا للمساواة ما بين الرجل والمرأة. تصف الكاتبة لطيفة بأنها كانت كامرأة قادمة من المستقبل، فلا تخضع لمعايير عصرها، قائلة: «كانت كل مرة تخرج فيها إلى جانب الرئيس، بمثابة فضيحة، في عصر كانت فيه المرأة بالنسبة إلى زوجها ليست أكثر من خادمة».
وعلى الرغم من أن أتاتورك قد عُرف بشخصيته المرموقة وخطبه الرنانة والمؤثرة في الشعب التركي كبطل الاستقلال، إلا أن لطيفة هانم طبقًا لسيرتها الذاتية كانت هي الشخص الذي كتب له هذه الخطب طوال فترة زواجهما، فتحكي إيبك كاليسلار الصحافية في كتابها «مدام أتاتورك: السيدة الأولى في تركيا الحديثة»، عن اليوم الذي دخلت فيه لطيفة أوشاكي المؤسسة الدبلوماسية للبرلمان في فبراير (شباط) من عام 1923، إذ ساد الصمت القاعة، وقام السفراء السوفييت والفرنسيون عن مقاعدهم، وتحولت كل الرؤوس تجاه لطيفة، زوجة مصطفى كمال أتاتورك والتي كانت المرأة الأولى التي تدخل المبنى البرلماني في أنقرة، لتستمع إلى خطبة زوجها التي كتباها سويًا في الليلة الماضية.
ولم يتوقف طموح لطيفة عند هذا الحد؛ إذ تحكي كاليسلار في كتابها عن أن مصطفى كمال أوكل للطيفة بعض المهام السياسية مثل كتابة الرسائل الدبلوماسية باللغات الأجنبية، هذا إلى جانب مرافقته في جولاته السياسية، ولم تمضِ سوى شهور قليلة على الزواج إلا وطلبت منه أن تصبح نائبة في البرلمان.
سعت لطيفة جاهدة للدخول إلى البرلمان، على الرغم من أن القوانين التركية في ذلك الوقت كانت تمنع المرأة من المشاركة ولو حتى بالتصويت، وعلى الرغم من أنها فشلت في دخوله إلا أنها نجحت في التأثير على زوجها لتغيير قانون الانتخابات البرلمانية، كما أنها كانت أول من اقترح عليه تعديل القوانين الخاصة بحقوق المرأة، وتعدد الزوجات والطلاق من طرف واحد، وإذا كانت المرأة في عهد أتاتورك قد شهدت تحررًا فكثيرون يعيدون ذلك إلى شخصية لطيفة هانم.
ولكن على الرغم من ذلك لم يستمر هذا الزواج أكثر من عامين ونصف، إذ قام أتاتورك بتطليق لطيفة إثر مشاجرة كبيرة بينهما؛ أرجعها البعض إلى أن أتاتورك لم يكن في نهاية المطاف قادرًا على التعامل مع امرأة تُصر على أن تساويه، فطلقها طبقًا للشريعة الإسلامية، من طرفٍ واحد، وذلك قبل أن تسري قوانين الطلاق الحديثة والتي ساعدت لطيفة، بحسب الكاتبة، على تشريعها.
بعد الطلاق سعت لطيفة لأن يكون لها تواجد في الحياة العامة من خلال الأحزاب، إلا أن هناك حملة تشويه شنَّت ضدها، وكان المجتمع التركي حينذاك ينبذها، مما جعلها تنغلق على نفسها بعيدًا عن الإعلام والدعاية، ويرجع البعض أسباب حملة التشويه إلى الصراع الذي كان بين لطيفة هانم والقادة السياسيين المحيطين بأتاتورك في أنقرة؛ إذ كانت لطيفة قريبة من أتاتورك، وشريكته السياسية في بناء تركيا الحديثة، وأتاحت لها مهاراتها اللغوية الوصول إلى بقية العالم، فأجرت اتصالات مع صحافيين أجانب، فكانت بمثابة المتحدث الرسمي باسمه في الصحافة الأجنبية والتي تصدّر فيها أتاتورك عناوين الأخبار كل يوم، فتشير كاليسلار في نهاية الكتاب إلى أنه بدون وجود لطيفة هانم إلى جانب أتاتورك في السنوات الأولى من عُمر تركيا الحديثة، كانت الدولة ستتخذ مسارًا آخر.
ليلى طرابلسي.. «حاكمة القصر»
تمتلك ليلى بن علي سلطات فعليّة أكثر من سلطات الوزير الأول، فبإمكانها تشكيل الحكومة أو حلها، وبإمكانها تعيين وزراء وسفراء ورؤساء مديرين عوام أو عزلهم من مناصبهم، وبإمكانها أيضًا ومتى عنَّ لها ذلك، أن تُغني من تشاء أو أن تُفقره، وأن تأمر بسجنه أو بإخلاء سبيله. * من كتاب حاكمة قرطاج.
من الوهلة الأولى ولمن لا يعرف ليلى طرابلسي، سيظن أنها نسخة طبق الأصل من وسيلة بورقيبة، ومستكملة لسيرتها في قصر قرطاج وحكم تونس، إلا أن الفرق كبير بين السيدتين، فقد كانت وسيلة بورقيبة لا تدخل إلى صراعات زوجها، فهي تقف في وجه من يعاديه وتشد من أزره للانتقام من خصومه، أما ليلى طرابلسي فكان لها شأن آخر يخبرنا به الكاتبان نيكولا بو وكاترين غراسياي في كتابهما «حاكمة قرطاج: الاستيلاء على تونس»، إذ تمت الإشارة إلى أن ليلى كانت أكثر استقلالية، وساعية لخلافة ابن علي في الحكم، وتخوض فقط معاركها الخاصة، حتى وإن أرادت أن تظهر بمظهر المؤازرة لزوجها.
(تقرير الجزيرة عن كتاب حاكمة قرطاج).
كانت عائلة ليلى الطرابلسي متواضعة الحال، حصلت ليلى على المؤهل المهني، ثم التحقت بمدرسة الحلاقة بشارع مدريد، وعملت كوافيرة لفترة قبل أن تقابل زوجها الأول، والذي تطلقت منه بعد ثلاث سنوات فقط لتبدأ من هنا رحلتها في دخول عالم المال والأعمال من خلال العمل في وكالة الأسفار؛ إذ اشتغلت بعدها في التجارة بين باريس وروما، في صفقاتٍ غير معروفة، كانت كثيرة السفر، وكانت علاقتها مع فريد مختار رئيس النادي الأفريقي لكرة القدم هي التي فتحت لها الأبواب لتحضر حفلات الأغنياء، وتوطد علاقتها بالطبقة الراقية التونسية.
وفي عام 1984 عاد ابن علي من منفاه وتوطّدت علاقته مع ليلى التي جنَّ بها ووقع في غرامها، وما هي إلا فترة بسيطة حتى شاركته المعيشة في فيلا ضخمة بحي السُكرة، بحسب الكاتب، وبدآ يخططان معًا للوصول إلى قصر قرطاج؛ إذ تزوجا عام 1992 رغم أنف المعارضين.
يروي الكاتبان في «حاكمة قرطاج» عن ليلى التي ما أن وضعت قدمها في قصر قرطاج حتى تعدت الشأن السياسي إلى الشأن الاقتصادي؛ إذ سيطرت هي وعائلتها كالمافيا، بحسب الكتاب، على اقتصاد تونس، إذ حرصوا على إرساء قاعدة اقتصادية ومالية، استحوذوا بها على الأملاك العامة، وسخروا القضاء لمصالحهم الشخصية، كما كونت ليلى زُمرة من العسكريين ورجال السياسة ورجال الأعمال يدينون بالولاء للسيدة الأولى، في تزاوجٍ بين المال والسلطة بدأ منذ تولي ابن علي الحكم.
كانت ليلى بن علي ذات شخصيتين مخادعتين؛ إذ كانت إعلاميًا هي المرأة المتفتحة راعية حقوق المرأة والأسرة، ويدلل على ذلك الكاتب نيكولا بمجموعة الحوارات التي تم تسجيلها معها على مدار تاريخها كسيدة أولى؛ إذ كانت عبارات مثل: المرأة العربية، المرأة التونسية، حقوق المرأة، حاضرة على لسانها طوال الوقت، في حين على صعيدٍ آخر تميزت في الخفاء بألاعيب النساء، واستغلت نفوذ زوجها لدرجة وصفَهَا الكاتب بأنها كانت تنتظر وَهَنه، ومضاعفات مرضه حتى تتزايد سلطاتها، وتعد نفسها لخلافته إن مات فجأة أثناء فترته الرئاسية؛ إذ كان اسم ليلى يذكر بقوة كلما تمت مناقشة أمر خلفاء ابن علي في الحكم.
وهو الأمر الذي قضت عليه ثورة تونس، وتم وصفه بأنه لولا الثورة لتحولت تونس من بلد يحكمه «نظام ديكتاتوري منبوذ، إلى بلدٍ تستبد به مافيا مقيتة، لا تحسدها في ذلك حتى جمهوريات الفساد».
سوزان مبارك.. «الهانم»
كان اسم سوزان مبارك يذكر على استحياء كلما ذكرت أسماء النساء اللواتي استأثرن بالحكم، إلا أنه ليس بنفس قوة سابقاتها في هذا التقرير؛ إذ لم يستفحل نفوذ سوزان مبارك سوى مع بداية خفوت نجم زوجها الرئيس المصري المعزول محمد حسني مبارك في السنوات الأخيرة من حكمه.
«لم تكن مرتبطة بالنظام، بل كانت هي النظام»، هكذا وصفتها إحدى النسويات في حوارها مع نيوزويك، مضيفة إلى أن الرئيس مبارك كان فرعونًا وهميًا؛ إذ لجأ في آخر خمس سنوات من حكمه إلى الإقامة في فيلا شرم الشيخ، تاركًا كل شيء في يد زوجته وأولاده، بعد أن تراجعت صحته، وأصبح يعاني من ضعفٍ في السمع.
ويدلل على ذلك مسؤول أمريكي أسبق، مُشيرًا إلى أن مبارك كان كلما تقدم في العمر، ازداد تأثير سوزان ونفوذها، وهو الأمر الذي أدى بالإدارة الأمريكية إلى التحدث مع الرئيس السابق مبارك بشأن الانتقال إلى شكل ديمقراطي من الحُكم، إلا أن سوزان كانت هي الشخص الأكثر معارضة لذلك وليس مبارك نفسه.
مع تقديم مبارك إلى المحاكمة، اختفت سيدة مصر الأولى تمامًا، ولم تظهر إلا حين تقديمها للاستجواب بشأن إهدار المال العام، وهي التهمة التي نجحت في إسقاطها عنها مقابل إعادة 3.4 مليون دولار وفيلا بالقاهرة.
كانت سوزان ثابت فتاة صغيرة في السابعة عشرة من عمرها، تقطن بحي مصر الجديدة، ترقص الباليه وتمارس السباحة، وتحلم بأن تصبح مضيفة طيران، قبل أن يراها الضابط البالغ من العُمر 30 عامًا، ويتزوجها، لتعيش معه في البداية حياة بسيطة في منزلٍ متواضع، كان ذلك كله قبل أن تقطن في القصر الرئاسي وتُلقب «الهانم».
بدأت سوزان مبارك حياتها في القصر الرئاسي بالتركيز على استكمال تعليمها في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ورعاية أطفالها، مع دورٍ خافت في الحياة الاجتماعية، تبع ذلك بفترة مؤازرتها المنظمات الخيرية والحقوقية، والاهتمام بحقوق المرأة على وجه الخصوص، وعلى الرغم من كونها سيدة تقليدية محافظة كما وصفتها نوال السعداوي داخل التقرير، إلا أنها سعت للاهتمام بحقوق المرأة من أجل صنع مجدها الخاص، في كل هذه السنوات كانت سوزان تمارس دورها سيدة أولى فقط، ولا شيء آخر.
وبداية من مطلع القرن الحادي والعشرين، تغيرت السياسة المصرية؛ إذ تشير كاتبة تقرير النيوزويك سوزي هانسن إلى أن الدولة التي كان يحكمها رجل عسكري تحولت فجأة إلى دولة تحكمها عائلة، إذ وبداية من عام 2000 بدأت سوزان مبارك في إعداد نجلها جمال ليكون الرئيس القادم للجمهورية، وهو أمر بحسب التقرير قد يكون مبارك رفضه في البداية، إلا أن سنوات مرضه لاحقًا ربما أثرت على قراراته.
كل هذه الادعاءات عن سلطة سوزان في السنوات الأخيرة من الحكم، إضافةً إلى اتهامها بالسيطرة على حساب بمبلغ 145 مليون دولار مرتبط بمكتبة الإسكندرية، هذا إلى جانب بعض الحسابات المشبوهة الخاصة بالمشروعات الثقافية غير الربحية، كانت تشير إلى ازدياد نفوذ الهانم، إلا أن إسماعيل سراج الدين والذي تم اتهامه إلى جانبها بإهدار المال العام الخاص بمكتبة الإسكندرية قد تم إطلاق سراحه وتبرئته من التهم المنسوبة إليه، وهو الأمر الذي حمله على الدفاع عن سوزان قائلًا: «التاريخ سينصف سوزان مبارك».
(سوزان مبارك تروي يوم لقائها الأول بالرئيس السابق).
ساسة بوست
اقرأ أيضا: سامي كليب.. سفير فرنسي سابق : الاسد اصلاحي وسورية ضحية مؤامرة