عبر التاريخ.. أبرز محطات رفض اللقاحات المختلفة
ليس الميل إلى رفض اللقاحات ومناهضتها وليد انتشار وباء “كوفيد-19″، بل يعود إلى القرن 18، حين أعطيت أولى الجرعات اللقاحية.
ومن مخاوف جدّية نجمت عن تأثيراتٍ جانبيةٍ، إلى دراساتٍ زائفةٍ ونظرياتِ مؤامرةٍ، نُلقي فيما يلي نظرةً على منحى مناهضة اللقاحات على مر الأجيال:
1796: اللقاح الأول وبداية المخاوف
على مدى عصورٍ، تسبَّب مرض الجدري بوفاة الملايين أو تشوّههم، إلى أن تمَّ القضاء عليه في العام 1980 من خلال التلقيح.
في العام 1796، خطرت للطبيب الإنكليزي إدوارد جينر فكرة استخدام فيروس جدري البقر، الأقلَّ شدَّةً، على طفل، بهدف تحفيز استجابته المناعية، بعدما لاحظ أن من يعملون في حلب البقر نادراً ما يصابون بمرض الجدري.
وتكلّلت العملية التي أطلق عليها جينر تسمية “فاكسينوس” (مشتقة من كلمة “بقرة” بالغة اللاتينية) بالنجاح، لكنَّها أثارت تشكيكاً ومخاوف.
وفي العام 1802، نُشِرَت رسومٌ كرتونيةٌ تُظهِر تحوّل الملقَّحين إلى وحوشٍ بهيئات أنصافِ بشرٍ وأنصافِ بقرٍ.
وقبل جينر، كانت تُعتَمد ضدَّ الجدري وسيلةُ تلقيحٍ تنطوي على مخاطرَ أكبرَ، نقلتها الكاتبة الإنكليزية ماري وورتلي مونتاغيو من الدولة العثمانية إلى أوروبا، تقوم على تحفيز المناعة بشكلٍ مصطَنعٍ ضد الأمراض المعدية.
وكان يُصَار إلى حقن الأفراد بالسوائل التي تحتويها بثور الجدري، أو فرك الجلد بقشور الجدري المجففة. وغالباً ما كانت الإصابات الناجمة عن هذه الآلية طفيفةً، وقد منحت بالمقابل الأفراد مناعةً.
1853: جرعاتٌ إلزاميةٌ
في العام 1853، أصبحت بريطانيا أوَّل دولةٍ كبرى تفرض إلزامية تلقيح الأطفال ضد الجدري، وقد حذت في ذلك حذو بافاريا والدنمارك، اللتين جعلتا التلقيح إلزامياً قبل أكثر من 3 عقود. وقد قوبل ذلك بمقاومةٍ قويةٍ على غرار ما يحصل اليوم.
واستندت الاعتراضات إلى أسسٍ دينيةٍ، بالإضافة إلى التخوّف من مخاطر حقن البشر بمنتجاتٍ حيوانيةٍ، والتحجّج بانتهاكِ الحريات الفردية.
وساهم ذلك في التوصل في العام 1898 إلى ما اصطُلح على تسميته “بند الضمير”، الذي يُتيح إعفاء المشككين من إلزامية التلقيح.
1885: باستور وداء الكَلَب
في نهاية القرن 19، طوّر عالم الأحياء الفرنسي لوي باستور لقاحاً مضادّاً لداء الكَلَب، عبر حقن الأرانب بفيروسٍ جرى إضعافه.
لكنَّ العملية أثارت التشكيك مجدداً، وقد اتُّهم باستور بالسعي لتحقيق أرباحٍ من لقاحه، كما اتُّهم بإعداد “الداء في المختبر”.
عشرينيات القرن 20: ذروة اللقاحات
ازدهرت اللقاحات في عشرينيات القرن الماضي، حيث أعطيت جرعاتُ لقاحٍ ضدَّ داء السل (1921)، كما تمَّ تطوير اللقاحات المضادة لأمراض الخناق (1923) والكزاز (1924) والسعال الديكي (1926).
وفي هذه الفترة بدأ استخدام أملاح الألمنيوم لزيادة فاعلية اللقاحات.
لكن بعد أكثر من نصف قرن أصبحت هذه الأملاح مصدر تشكيك، وساد اعتقادٌ بأنَّها تؤدّي إلى التهاب اللفافة البلعمية، الذي يتسبب بإصاباتٍ عضليةٍ وإرهاقٍ.
1998: دارسةٌ زائفةٌ حول التوحّد
أشارت دراسةٌ نشرتها صحيفة “ذا لانست” الطبية الرائدة في العام 1998، إلى وجود صلةٍ بين التوحّد والجرعة الثلاثية المضادّة للحصبة والنُّكاف والحصبة الألمانية.
وبعد سنواتٍ تبيّن أنَّ الدراسة التي أعدّها آندرو ويكفيلد وزملاؤه زائفةٌ، وقد حُذِفَت من الصحيفة، كما شُطِبَ ويكفيلد من السجل الطبي.
وعلى الرغم من خلوص دراساتٍ لاحقةٍ إلى عدم وجود صلةٍ كتلك، لا يزال المناهضون للقاحات يعتمدون دراسة ويكفيلد مرجعاً لهم.
وعاودت دراسة ويكفيلد الظهور في الولايات المتحدة في العام 2016، في فيلم “فاكسد” المثير للجدل، والذي يتحدث عن نظرياتِ مؤامرةٍ بشأن اللقاحات.
في العام 2019، قضى 207500 شخصٍ من جراء الحصبة، في حصيلة أعلى بنسبة 50% مقارنةً بالعام 2016، وقد حذّرت منظمة الصحة العالمية من أنَّ “التغطية اللقاحية تتداعى عالمياً”.
2009: مخاوف على صلة بأنفلونزا الخنازير
في العام 2009، تسببت “أنفلونزا الخنازير”، الناجمة عن فيروسٍ من سلاسة الأنفلونزا الإسبانية الفتاكة، بقلقٍ بالغٍ.
لكن فيروس “H1N1” المسبب لها لم يكن فتّاكاً بقدر ما كان يُعتقد، وتمَّ إتلاف الملايين من جرعات اللقاح التي أنتجت لمكافحته، مما أشاع أجواء انعدام الثقة إزاء حملات التلقيح.
وقد تفاقمت الأوضاع سوءاً بعدما تبين أن “بانديمريكس”، وهو أحد اللقاحات المضادة، يزيد من مخاطر الإصابة بالتغفيق أو النوم القهري.
ومن أصل 5,5 ملايين شخص تلقّوا اللقاح في السويد، اقتضى التعويض على 440 شخصاً بعدما أصيبوا بهذا المرض.
2020: نظريات مؤامرة حول شلل الأطفال
بعد القضاء عليه في إفريقيا في آب/أغسطس من العام 2020 بفضل اللقاحات، لا يزال شلل الأطفال ينشط في باكستان وأفغانستان حيث لا يزال المرض متوطّناً.
وتسهم نظريات المؤامرة المناهِضة للقاحات في فقدانِ مزيدٍ من الأرواح من جراء هذا المرض.
وكالات