وضعت كريستالينا غورغييفا المديرة العامة لـ”صندوق النقد الدولي” ثلاث أولويات أساسية يجب العمل عليها في الفترة الراهنة، لضمان قوة تعافي الاقتصاد العالمي من التداعيات السلبية لجائحة كورونا، خاصة في ظل مستويات الديون الراهنة، وارتفاع مستويات التضخم.
يذكر أن الاقتصادي العالمي يواصل الانتعاش على مدار العام الحالي، لكن بوتيرته المعتدلة وسط ارتفاع عدم اليقين، وتزايد المخاطر.
كما خفّض صندوق النقد الدولي توقُّعاته لنمو الاقتصاد العالمي قبل ثلاثة أسابيع إلى 4.4% لعام 2022، وأرجعت غورغييفا ذلك جزئياً إلى إعادة تقييم آفاق النمو في الولايات المتحدة والصين”.
منذ ذلك الحين، ألمحت غورغييفا إلى أنَّ المؤشرات الاقتصادية أكدت ضعف زخم النمو، بسبب متغير “أوميكرون”، والاضطرابات المستمرة في سلسلة التوريد.
كما سجلت العديد من الاقتصادات قراءات تضخم أعلى من المتوقَّع، و مازالت الأسواق المالية متقلبة وزادت التوترات الجيوسياسية بشكل حاد.
وترى غورغييفا أنَّ هذا يؤكد الحاجة إلى تعاون دولي قوي، وخفة حركة غير عادية.
وبالنسبة لمعظم البلدان يعنى هذا الاستمرار في دعم النمو والتوظيف، مع إبقاء التضخم تحت السيطرة والحفاظ على الاستقرار المالي، و كل ذلك في سياق مستويات الديون المرتفعة.
جهود أوسع لمحاربة أثر كوفيد الاقتصادي الطويل
قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: “نتوقَّع خسائر عالمية تراكمية من الوباء تصل إلى ما يقرب من 13.8 تريليون دولار حتى عام 2024. فـ (أوميكرون) هو آخر تذكير بأنَّ التعافي الدائم والشامل مستحيل، في حين يستمر الوباء”.
في هذه البيئة، ترى غورغييفا أنَّ أفضل دفاع يتمثل في الانتقال من التركيز الفردي على اللقاحات إلى ضمان حصول كل دولة على وصول عادل إلى مجموعة أدوات شاملة لمكافحة فيروس كورونا من اللقاحات، والاختبارات، والعلاجات. وأوضحت غورغييفا أنَّ التمويل المسبق الذي تبلغ قيمته 23.4 مليار دولار لسد فجوة تمويل “مسرع الإتاحة”؛ سيكون بمثابة دفعة أولى مهمة لتوزيع مجموعة الأدوات الديناميكية.
على الدول اجتياز دورة التشديد النقدي
على الرغم من التباين الكبير بين الاقتصادات، وعدم اليقين الكبير في المستقبل تتراكم ضغوط التضخم في العديد من البلاد، مما يستدعي سحب التسهيلات النقدية عند الضرورة.
للمضي قدماً، نادت غورغييفا بضرورة معايرة السياسات، وفقاً لظروف كل بلد.
وهذا يعني سحب التسهيلات النقدية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث أسواق العمل ضيقة، مع ارتفاع توقُّعات التضخم.
ويمكن للآخرين، بما في ذلك منطقة اليورو، التصرف بشكل أبطأ، خاصة إذا ارتبط ارتفاع التضخم إلى حد كبير بأسعار الطاقة ولكن عليهم أيضاً الاستعداد للتصرف إذا استدعت البيانات الاقتصادية محوراً أسرع للسياسة.
على الناحية الأخرى، أكدت غورغييفا أنَّ الدول المقترضة عليها تمديد آجال استحقاق الديون، عندما يكون ذلك ممكناً، مع احتواء تراكم المزيد من الديون بالعملات الأجنبية.
وأوضحت أنَّه عندما تأتي الصدمات تكون أسعار الصرف المرنة مهمة لامتصاصها، في معظم الحالات، لكنَّها ليست الأداة الوحيدة المتاحة.
وفي حالة التقلب الشديد ترى غورغييفا أنَّ تدخلات الصرف الأجنبي قد تكون مناسبة ، كما فعلت إندونيسيا بنجاح في عام 2020″ وقد تكون تدابير إدارة تدفق رأس المال معقولة أيضاً في أوقات الأزمات الاقتصادية أو المالية “مثل أيسلندا في عام 2008 وقبرص في عام 2013”.
تحويل التركيز إلى الاستدامة المالية
مع خروج الاقتصاد العالمي من قبضة الوباء تحتاج الدول إلى معايرة سياساتها المالية بعناية.
وأوضحت غورغييفا أنَّ السبب في أنَّ الإجراءات المالية غير العادية تساعد في منع حدوث كساد كبير آخر، لكنَّها أدت أيضاً إلى ارتفاع مستويات الديون، ففي عام 2020، لاحظنا أكبر زيادة في الديون لمدة عام واحد منذ الحرب العالمية الثانية، فقد ارتفع الدين العالمي العام والخاص إلى 226 تريليون دولار.
وبالنسبة للعديد من البلاد، يعني هذا ضمان استمرار الدعم للنظم الصحية، والأكثر ضعفاً، مع تقليل العجز ومستويات الديون لتلبية احتياجاتهم الخاصة.
وهذا بدوره سيسهل تحولها في السياسة النقدية عن طريق تقليل الطلب، وبالتالي المساعدة في احتواء الضغوط التضخمية.
أما باقي الدول خاصة في العالم النامي التي تواجه مقايضات أكثر صعوبة بينت غورغييفا، أنَّ قوتهم المالية كانت شحيحة طوال الأزمة، الأمر الذي تركهم يعانون من حالات التعافي الأضعف، مع ندوب أعمق من جراء فيروس كوفيد والمشكلات الاقتصادية على الأجل الطويل، ولديهم مجال ضئيل للاستعداد لاقتصاد ما بعد الجائحة الذي يكون أكثر اخضراراً ورقمية.
اقرأ أيضا: حماية المستهلك: الأسعار ارتفعت 10 بالمئة ومن خسر الدعم يحاول تعويضه من جيوب الناس