الروليت الروسيّة أم الروليت الأميركيّة ؟
حين قدّم الصحافي والسياسي الفرنسي جان ـ جاك سيرفان ـ شرايبر كتابه “التحدي الأميركي” (1967 ) قال “لسبب ما قد لا تعثر على الله في بعض الأمكنة من الكرة الأرضية، لكنك حتماً تعثر على … أميركا”.
سأل ما اذا كانت حقبة ما بعد التاريخ بدأت بجامعة هارفارد (1640 ) تحت شعار Life for more life، أم بمطاعم ماكدونادز (1940 ) تحت شعار I’m love it، أم برقصة الروك اند رول (1942) تحت شعار Joy marketing ؟
هذا قبل أن تحط المركبة الفضائية أبولو 11 على سطح القمر، لتبدأ حقبة ما بعد الزمن بظهور الشبكة العنكبوتية التي أحدثت زلزالاً فلسفياً في العلاقات بين البشر.
حين تكون أمبراطورية بذلك الوهج (والتوهج) الكوني، ما الغرابة في أن تكون لها امتداداتها العسكرية في أرجاء الدنيا كي “لا نسقط ثانية في هيستيريا التاريخ”، كما قال آلان دالاس، ليرد عليه فرانز فانون بوصف أميركا بـ “مطحنة التاريخ كونها مطحنة البشرية”!
عقب سقوط الاتحاد السوفياتي، وكما كتبت هيلين كارير دانكوس، اتصل اليهودي الأميركي جورج سوروس (نجم وول ستريت)، باليهودي الروسي ميخائيل خودوركوفسكي (رئيس الكونسورتيوم النفطي يوكوس)، سائلاً ما اذا كان باستطاعة شركة ماكدونالدز شراء الكرملين. كان رده أنه حائر بين تحويل هذا المجمع التاريخي الى كازينو …
هذا قبل أن يظهر القيصر ويضع خودوركوفسكي وشركاءه وراء القضبان، بعدما كاد هؤلاء يعرضون الصواريخ النووية العابرة للقارات في سوق الخضار.
صحافيون وباحثون أميركيون اقترحوا آنذاك أن يشتري جورج بوش الأب سيبيريا من بوريس يلتسين، مثلما اشترى أندرو جونسون آلاسكا عام 1867 من القيصر ألكسندر الثاني.
لا أحد توقع أن يكون فلاديمير بوتين، الآتي من الغرف الباردة(KGB ) أكثر من أوغيستو بينوشيه التشيلي أو حميد كرزاي الأفغاني، كصنيعة لـلسي . آي . اي .
ثمة قيصر في الكرملين. يعلم أن الفارق هائل بين الاقتصاد الأميركي والاقتصاد الروسي، كما يعلم أن أميركا التي غزت البطون في العالم بأطباق الهمبرغر، غزت عقول العالم بوادي السيليكون. من هنا فكّر بطريقة أخرى لبناء معادلة القوة بالتركيز على تطوير القاذفات والمقاتلات والصواريخ خلال عقدين من الزمن، وبما يشبه المعجزة التكنولوجية.
قطعاً لم يتوقع المخططون الأميركيون حدوث التقارب (بل التلاحم) الاستراتيجي بين روسيا والصين. آرون ميلر وصف ذلك بـ”المعجزة الثانية”. اذاً، ليكن سيناريو خنق روسيا بأحزمة من القواعد العسكرية الأميركية، ومن الخاصرة الأوكرانية بالذات.
هؤلاء المخططون لم يتوقعوا أبداً أن يمضي بوتين بالروليت الروسية الى أبواب الحرب العالمية الثالثة. هكذا اختراق أوكرانيا في القلب. الاعتراف باستقلال اقليمي دونيتسك ولوغانسك، دون الاكتراث بالعقوبات الأميركية ما دام شين جينبينغ قد تعهّد بمساعدة روسيا على تجاوز مفاعيل تلك العقوبات.
المفكر الروسي ألكسندر دوغين رأى “ان الأميركيين يحاولون اقناعنا بأن الفيل يستطيع أن يرقص الفالس بساق واحدة”. في آخر المطاف لا أحد يرغب في صياغة تلك النهاية الدرامية للعالم . لا بد من مؤتمر ثلاثي، أو موسع لاعادة ترتيب المعادلات والعلاقات الدولية بين القوى الكبرى، وهذا ما كانت تسعى اليه القاطرة الألمانية قبل قرار تعليق المصادقة على مشروع نورد ستريم، والتهديد بعقوبات اضافية، لتزيد من الايقاع الجنوني للأزمة…
التصعيد (والصعود) نحو الهاوية في أوروبا، والتهدئة في آسيا. الدور الروسي محوري في شق طريق العودة الى اتفاق فيينا بين واشنطن وطهران. هكذا تفتح أسواق العالم أمام آيات الله (كحلفاء للقيصر)، ويكون الشرق الأوسط أمام حقبة من اعادة ترتيب الكراسي.
اذا كنتم قد تابعتم تفاصيل زيارة ابراهيم رئيسي للدوحة. أبواب كثيرة تفتح وأبواب كثيرة تغلق …
الديار-نبيه البرجي
اقرأ ايضاً:روسيا للغرب: هنا تبدأ الحرب