لماذا يتجنب الغرب فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي؟
بعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بدأت دول الغرب في إصدار بعض العقوبات ضد روسيا ورجال الأعمال الروس العاملين فيها، لكن من الملاحظ أن هذه العقوبات بعيدة عن قطاع الطاقة، ما يطرح سؤالا عن الأسباب التي تجعل استهداف العقوبات الغربية لقطاع الطاقة الروسي أمرا مستبعدا.
ونشرت صحيفة تايم الأمريكية تقريرًا، ترجمته “عربي21″، أشارت فيه إلى أنه مع اقتحام القوات الروسية لأوكرانيا يوم الخميس؛ فقد أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفاؤهما عن مجموعة من العقوبات تهدف إلى الإضرار بالاقتصاد الروسي والنظام المالي، بينما لم يتم البت في عقوبات مماثلة تستهدف صادرات النفط والغاز، والتي شكّلت 36 بالمئة من الميزانية الوطنية لروسيا السنة الماضية.
وبحسب الصحيفة؛ فقد قال النائب الأوكراني أوليكسي جونشارنكو في مقطع فيديو نُشر على تويتر يوم الخميس: “نحتاج إلى عقوبات حقيقية، وليس فقط الإضرار ببعض بمصالح أصدقاء بوتين”، مضيفًا: “نحن بحاجة إلى فرض حظر على الغاز والنفط الروسي لأن كل برميل نفط روسي وكل متر مكعب من الغاز الروسي مليء الآن بدماء الأوكرانيين”.
ونقلت الصحيفة عن رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي، أورسولا فون دير لاين، قولها إنّ الاتحاد سيستهدف قطاع الطاقة الروسي من خلال حظر تصدير يمنع الشركات الأوروبية من إرسال التكنولوجيا إلى روسيا التي تحتاجها لتحديث مصافيها، فيما أوردت وزارة الخزانة الأمريكية أنها ستُقيّد بشدة قدرة شركة غازبروم على جمع الأموال من الأسواق الأمريكية. لكن حتى الآن، فإن عملية فرض قيود أو حظر على النفط والغاز الروسي تبدو أمرًا مستبعدًا، كما تقول الصحيفة.
وتوضح الصحيفة أنه ليس من الصعب فهم السبب؛ ففي حين أن الحظر الغربي على الطاقة سيكون مؤلمًا لبوتين في السنوات القادمة، فإنه سيُكبّد أوروبا وبقية العالم الكثير من الخسائر على المدى القصير، حيث يستورد الاتحاد الأوروبي من روسيا ما نسبته 35 بالمئة من الغاز الطبيعي، كما أن التوترات بشأن أوكرانيا أدت إلى تفاقم أزمة أسعار الوقود الأوروبية التي بدأت السنة الماضية مع عودة العالم إلى الحياة الطبيعية بعد جائحة كوفيد-19، ففي أوروبا حاليًا؛ تكلف ميغاواط ساعة من الغاز الطبيعي ما يقرب من عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل سنة.
وأشار تقرير الـ”تايم” إلى أنّ العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة الروسية ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار عالميًا، وقد كان للمخاوف من إمكانية فرضها تأثير بالفعل؛ فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي يوم الخميس بنسبة 51 بالمئة في أوروبا، ووصل سعر النفط الخام – الذي تعد روسيا ثاني أكبر مصدر له في العالم – إلى 105 دولارات للبرميل الواحد، وهو أعلى مستوى له منذ سبع سنوات، وعلى الرغم من أن تراجع الأسعار قليلًا وازدياد تدفق الغاز الروسي عبر أوكرانيا إلى أوروبا في ظل عدم وجود تطبيق فعلي لهذه العقوبات؛ إلا أن الخبراء لا يستبعدون استراتيجية أكثر عدوانية بشأن الطاقة الروسية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مع اندلاع الحرب في أوكرانيا.
وترى الصحيفة أن غزو أوكرانيا يشكّل نقطة تحول لصادرات روسيا من النفط والغاز، لا سيما مع إعلان مسؤولي الاتحاد الأوروبي أنهم سيكشفون عن استراتيجية لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية في أسرع وقت ممكن في 2 مارس/ آذار، بما في ذلك تقليل استخدام الوقود الأحفوري بنسبة 40 في المئة بحلول سنة 2030.
وتلفت الصحيفة إلى أن أوروبا تمتلك نفوذًا في قطاع الطاقة الروسي؛ حيث تشتري أكثر من 70 في المئة من الغاز الطبيعي للبلاد، وسيكون للحظر الذي تفرضه الكتلة تأثير نظامي “خطير للغاية” على شركات الطاقة الحكومية الروسية في غضون عدة سنوات، وذلك وفقًا للخبيرة في الجغرافيا السياسية للطاقة في برلين ماريا باستوخوفا، التي أضافت، في تصريحاتها لـ”التايم” أن منع روسيا من بيع نفطها وغازها لأوروبا “لن يُترجم على الفور إلى ضرر ملموس للكرملين”.
وأرجعت الصحيفة – في تقريرها – ذلك إلى قيام روسيا بتكوين احتياطيات عملات أجنبية عالية بقيمة 630 مليار دولار، وذلك أثناء ارتفاع أسعار السلع الأساسية خلال السنة الماضية حين كان العالم يخرج من عمليات الإغلاق جرّاء كوفيد-19، هذا إلى جانب الديون السيادية المنخفضة للغاية لروسيا، التي ستحمي الدولة من الكثير من الآلام الاقتصادية التي يحاول الغرب إلحاقها بها في الأشهر القليلة المقبلة.
وفي ما يتعلّق بمدى قدرة أوروبا على الاستغناء عن الغاز الروسي، قالت الصحيفة إنها قد تصمد لبعض الوقت؛ مشيرة إلى أنه منذ أن بدأت التوترات تتصاعد مع روسيا في أواخر السنة الماضية، فقد عمل القادة الأوروبيون على زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من دول مثل الولايات المتحدة وقطر، غير أنها أكدت أن الانقطاع المؤقت في تجارة الغاز بين أوروبا وروسيا قد يتحول إلى صراع مشحون بين البلدين، لا سيما أن خيارات أوروبا لتقليل احتياجها من الغاز الروسي محدودة للغاية على المدى القصير.
واعتبرت الصحيفة أن الأزمة الأوكرانية أجبرت أوروبا على إعادة النظر في علاقاتها المستقبلية مع روسيا في ما يتعلّق بمجال الطاقة، معطية المثال في ما حدث عندما اعترفت موسكو يوم الثلاثاء رسميًّا باستقلال منطقتين أوكرانيتين انفصاليتين، فجمّد المستشار الألماني أولاف شولتس عملية المصادقة على خط أنابيب نورد ستريم 2، والذي كان من المقرر أن يُضاعِف كمية الغاز الطبيعي المرسلة مباشرة من روسيا إلى ألمانيا؛ حيث توضح الـ”تايم”، أنه على الرغم من أن خط الأنابيب قد يستمر في نهاية المطاف، إلا أن قرار شولز كان بمثابة نقطة تحول في بلد سعى منذ فترة طويلة إلى تأطير احتياجاته من الطاقة على أنها منفصلة عن مصالحه السياسية.
واعتبرت الـ”تايم”، في تقريرها، أن الغزو سيؤدي إلى زيادة أسعار الطاقة في جميع أنحاء العالم لعدة أشهر؛ حيث ستهتز الأسواق بسبب حالة عدم اليقين بشأن إمدادات النفط والغاز، كما أن هناك مخاوف من أن الصراع في أوكرانيا يمكن أن يدمر أو يعطّل البنية التحتية للغاز الطبيعي في البلاد، والتي تنقل ما يقرب من ثلث الصادرات الروسية إلى أوروبا، أو أنّ روسيا قد تقلص إمدادات النفط والغاز إلى الغرب ردًّا على العقوبات، على الرغم من أن المحللين يستبعدون ذلك – بحسب الصحيفة – بالنظر إلى الضرر الذي قد يلحق بالسمعة الدولية لقطاع الطاقة الحكومي في روسيا.
وحذرت الصحيفة من أن تؤدي العقوبات المالية الحالية على روسيا – بما في ذلك خطط الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تقييد وصول البنوك الروسية إلى أسواقهم – إلى آثار غير مباشرة على العالم كله، خاصة أن الخبراء يتوقعون أن ترتفع أسعار النفط إلى 130 دولارا للبرميل الواحد، حتى إن لم يتم اتخاذ تدابير وعقوبات تستهدف قطاع الطقة بشكل مباشر؛ حيث يقول ماسيمو ديودواردو، نائب رئيس أبحاث الغاز العالمية في شركة استشارات الطاقة (وود ماكنزي Wood Mackenzie): “إذا لم تكن هناك عقوبات تتعلق بالطاقة أو اضطرابات في تدفقات النفط والغاز، فقد تنخفض الأسعار في الأسابيع القليلة المقبلة قليلاً عن مستوياتها المرتفعة الحالية، لكنها ستظل مرتفعة للغاية طالما لم يكن هناك أي نوع من التقارب أو الهدنة بين أوكرانيا وروسيا”.
عربي21- منى أبو مغصيب
اقرأ ايضاً:أوكرانيا تراهن على صواريخ ستينغر.. فهل تُسقط السوخوي؟