اعتدنا الحديث بشكل يومي عن تبعات الارتفاعات المتتالية في معيشة المواطن التي طالت كافة مناحي حياته، ما أدى لازدياد الهوة في الدخل بين فئتي الأقل والأكثر أجراً في مختلف مجالات العمل.
إلا أن الغريب في الأمر عدم الاكتراث من قبل أرباب العمل بوضع العامل، سواء كان من المياومين أم في مجال الحرف الأخرى، ممن يشكلون عصب الحياة والمحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد والبناء، واللجوء لمعاملتهم وفق قواعد شخصية تتفق مع مصلحة صاحب العمل، إلا أنها في الوقت نفسه تخلق نوعاً من التذمر وعدم الاستقرار للعاملين، مما ينعكس سلباً على واقع الانتاج.
هذا ما أكدته العديد من شكاوى قطاع العمال ممن لم يتم الأخذ بعين الاعتبار بوضعهم، بالرغم من المراسيم والقوانين الصادرة والتي شملت كافة القطاعات سواء في المِنح أو الزيادات.
الأوفر حظاً
بات الحصول على عمل بأجر مناسب ضرباً من الحظ أو الصدفة من وجهة نظر ريم علي 30 عاماً وهي موظفة في أحد متاجر بيع الألبسة، بعد محاولاتها المتكررة في العثور على دخل يناسب ساعات العمل الطويلة ضمن المحل، ويتماشى مع ضغط العمل في مواسم الأعياد والمناسبات، التي تشكل إرهاقاً كبيراً لدى العامل، واصفة الأمر بقولها: “من السهل العثور على عمل ضمن محل تجاري خلال فترة مواسم. الا أنه من الصعب العثور على دخل يناسب كمية الجهد المبذول التي تصل لما يقارب 10 ساعات عمل متواصلة”.
لم تكن تجربة ريم الوحيدة في هذا المجال، إنما لصديقاتها ضمن المحل روايات مختلفة، تخبرنا إسراء علي خريجة محاسبة أن قدومها للعمل ضمن المحل كان بصفة “كاشير” فقط. الا أن الأمر اختلف تماماً لاعتماد صاحب المحل على وجودها الدائم لتغطية النقص الحاصل في الموظفين. والقيام بأعمال أخرى بنفس الأجر دون زيادة أو مراعاة لهذا الأمر.
أما مروة رمضان وهي أم لطفلين تعمل ضمن المحل نفسه تروي لنا معاناتها اليومية التي تجاوزت التعب الى عدم مراعاة ظروف المعيشة المرتفعة بشكل جنوني، مع ثبات الأجر اليومي لها والذي لا يتعدى ال 5000 ليرة.
في حين أكد مصطفى ابراهيم صاحب أحد المحال التجارية بأن معيار تحديد الأجور بالنسبة له هو عدد ساعات العمل والعاملين. إضافة لنسبة المبيعات ضمن اليوم. مشيراً الى أن الأمر لا يرتبط بالمزاجية بقدر حساب تكاليف العمل من كهرباء وبضاعة، عدا عن حركة الأسواق التي تعتبر السبب الرئيسي في ارتفاع أو انخفاض الأجور للعاملين.
تقارب الأجور
لم يعد البحث عن فرصة عمل في القطاع الخاص أمراً مرغوباً بالنسبة للخريجين الجدد. نظراً لاقتراب الأجور من الرواتب التي يتقاضاها زملاؤهم في القطاع العام.
تحدثنا المعلمة مها سلوم عن تجربتها في العمل ضمن مدرسة خاصة، لاعتقادها أن ظروف العمل أفضل من حيث المُرتب. معتبرةً أن الأعذار المقدمة لعدم رفع الأجور واهية، وبأن السبب الحقيقي هو احتكار أصحاب المدارس الخاصة للأرباح الكبيرة، لاسيما بعد رفع أقساطها.
إلا أن مسألة ارتفاع الأقساط مبررة برأي مديرة في إحدى المدارس الخاصة هنادي المصري باعتبار أن متطلبات التعليم مكلفة جداً. متجاهلةً وضع المعلمين وسط هذا الارتفاع.
لم يقتصر أمر الشكاوى ضمن قطاع التربية فحسب. لكون هذه الظاهرة عامة برأي ممدوح الحلبي خريج ادارة أعمال الذي التحق للعمل ضمن أحد المشاريع الخاصة كمدخل بيانات، دون معرفة بشروط العمل مسبقاً. الذي اعتبره ممدوح خطأً فادحاً بحق أي عامل، وباباً لاستغلال حاجته بغض النظر عن مستواه المادي أو الدراسي.
حرف يدوية
من المؤسف جداً وصول الكثير من الشباب لفكرة أن “الشهادة ما بتطعمي خبز”. الا أن الواقع أثبت هذه النظرية وبجدارة حسب رأي الحلاق نجم محمود الذي امتهن هذه الحرفة ضمن إحدى صالونات الحلاقة الرجالية، ومن ثم خرج للعمل ضمن محل خاص به. معتبراً أن متوسط دخل أي حرفي يتجاوز دخل أي موظف فئة أولى في القطاعين الخاص والعام بأضعاف. رغم صعوبات العمل وغلاء المواد التجميلية ضمن محله.
كما كان لصاحب محل الموبيليا عصام حيدر الرأي نفسه. مبيناً قدرة هذه الحرفة على تأمين كافة احتياجات ومستلزمات عائلته، والعيش ضمن مستوى مقبول.
وانطلاقاً من أهمية قطاع الحرفيين، الذي أكده رئيس الاتحاد العام للحرفيين الدكتور وسام نصرالله ضمن اجتماع إتحاد الجمعيات الحرفية في دمشق. باعتبارهم بناة الأجيال والحضارة، تم تشكيل لجان من جمعية الإتحاد لإعادة النظر ودراسة أي قرار قبل اتخاذه. بما في ذلك فرض ضرائب خيالية من قبل المالية .
حقوق وواجبات
لطالما كان تثبيت العامل وضمان حقوقه من الأولويات بالنسبة للإتحاد العام لنقابات العمال هذا ما أشار اليه رئيس الاتحاد العام جمال القادري. مؤكداً على ضرورة الاطلاع بشكل دائم على مشاكل العمال وإيجاد الحلول لها. وبأنه من الواجب على الاتحاد بوصفه منظمة عريقة عمرها أكثر من 80 عام المبادرة لإقامة مشاريع خاصة، تدعم اقتصاديات الأسرة العاملة والذي يشمل كل العاملين.
منوهاً إلى البدء بهذه المشاريع ضمن 6 محافظات منها دمشق، تتضمن إقامة دورات تدريبية مهنية على نفقة الإتحاد. مطالباً النقابات بالتعامل بشفافية مطلقة مع العمال. خاصة أن هناك تقييم دائم لعمل هذه النقابات.
وبيَّن القادري بأن العمل جارٍ لتحقيق مطالب العمال، لكون العمل النقابي نضالي ومطلبي. كاشفاً أنه وبالتعاون مع الحكومة، تم رصد ضمن موازنة العام الفائت اعتمادات تكفي لزيادة متممات الرواتب. إضافة للحوافز وتعويضات طبيعة العمل والمكافآت التشجيعية وكافة التعويضات الأخرى.
إلا أنه بالرغم من نشاط نقابات الإتحاد في ضمان حقوق العامل المسجل لديها. لاتزال هناك فئات لا تدخل ضمن تنظيمها وتفتقر لأدنى الحقوق، ليبقى السؤال هنا هل من الصعب وضع قانون لتحديد أجور فئات العمل كل حسب طبيعته؟؟. وإلى متى سيبقى ميدان العمل المتحكم الأول بالعامل ووفق شروط خاصة؟؟
سنسيريا- بارعة جمعة