أيّ شرق أوسط بعد أوكرانيا؟
صدمة في الدول، تحديداً الدول العربية، الحليفة للولايات المتحدة. هل تتصرف هكذا، بطريقة الحمام الزاجل، اذا ما تعرضنا للغزو؟!
الأميركيون الذين فروا تحت جنح الظلام من فيتنام، وقد تركوا فان نغوين ثيو يحاول النجاة بلباس كاهن بوذي، فعلوا كذلك مع الأفغاني أشرف غني الذي صرخت زوجته في وجه ديبلوماسي أميركي «هل هكذا ينتهي أصدقاؤكم كما أكياس القمامة»؟ وهكذا فعلوا بالكوبي فولجنسيو باتيستا الذي رفض اللجوء الى الولايات المتحدة «كي لا أموت مثل كلب عجوز يلعق بقايا الأطباق»…
تذكرون كيف وصل فولوديمير زيلنسكي الى السلطة ليفتح بلاده أمام أبواب الأطلسي. في اللحظات القاتلة، والدبابات الروسية على تخوم كييف، مشروع قرار الى مجلس الأمن لادانة الغزو، ما لبث أن سقط باصبع فاسيلي نيبينزيا. ثمة من ذكّر زيلنسكي بعنوان قصيدة الأوكرانية آنا أخماتوفا «الرقصة الأخيرة للقلاق»!
تحرير الكويت مسألة أخرى. حلقة من سيناريو تبلورت تفاصيله مع جورج دبليو بوش عام 2003 بغزو العراق، وبالتالي غزو سوريا لاعادة تشكيل الخرائط في الشرق الأوسط وفقاً لرؤية ديك تشيني، ومعه تلك الثلّة من الأدمغة اليهودية (بول وولفوويتز، ريتشارد بيرل، دوغلاس فايث واليوت أبرامز).
فرنسيس فورد كوبولا، مخرج الفيلم الشهير «الرؤيا الآن»، وحيث قدم بالصورة السوداوية المروعة عن الحرب في الهند الصينية، هاله أن أحد الجنرالات اقترح، ليلة الانسحاب، القاء قنبلة ذرية على هانوي. هكذا فعل الجنرال دوغلاس ماك آرثر، بطل الباسيفيك الذي استسلم الأمبراطور هيروهيتو بين يديه. بعث ببرقية الى هاري ترومان يطلب فيها وقف الزحف الصيني في كوريا بالضربات النووية .
كوبولا لاحظ أنه في مكان ما من الاستبلشمانت من يريد أن ينتزع ادارة جهنم من الشيطان، ويعهد بها الى الرئيس الأميركي. أي كرة أرضية منذ أن أعلن جورج بوش الاب قيام النظام العالمي الأحادي القطب؟ً!
مقابل البروباغندا الأميركية (ودائماً على طريقة الروك اند رول)، ها أن فلاديمير بوتين يلوّح بالليلة النووية. أيها الأميركيون، أيها الأوروبيون، لن ندعكم تخنقون روسيا. المسرح الأوكراني كرة اللهب تتدحرج في أكثر من اتجاه، أما المدخل الى مدخل لنظام عالمي متعدد الأقطاب، أو البداية الدرامية لسلسلة من الحرائق (وحتى الزلازل) في أكثر من مكان من العالم.
أثناء مفاوضات فيينا، كان هناك أكثر من دولة خليجية تتوجس من « صفقة الدانوب» يعقدها الأميركيون مع آيات الله، بعدما أوحى جو بايدن، وفي أكثر من مناسبة، بأنه ضاق ذرعاً بالأوضاع العبثية في الشرق الأوسط، كما لو أن بلاده بعيدة عن صناعة كل تلك الكوارث.
ما يتردد ديبلوماسياً أن مشاورات حساسة جرت بين عدد من الدول العربية لاستباق أي تحول في المسار الأميركي. مفاجآت ديبلوماسية هامة قد تكون في الطريق الينا، بعدما باتت حكومات عربية على قناعة بأن الرهان على أميركا أشبه ما يكون بمراقصة طواحين الهواء ..
ربما كان الايرانيون أكثر وعياً بالأخلاقيات التي تحكم لعبة الأمم. تبدل في لهجة طهران توحي بانفراجات تفضي الى تفكيك الصراعات السيزيفية التي عصفت بالمنطقة منذ بدايات العقد الثاني من القرن. رجب طيب اردوغان الذي حاول أن يلعب أيضاً على الساحة الأوكرانية (وضد روسيا بطبيعة الحال)، يدرك أي فلاديمير بوتين بعد الان القيصر على أبواب اسطنبول. الرئيس التركي يعلم أن الكرملين لن يقبل باستمرار سياسة الثعبان في سوريا .
نتوقف عند كلام فريد زكريا لبلومبرغ «كثيرون لن يكترثوا بنا (كأميركيين) حين نقرع الطبول بأحذيتنا، التراجيديا الأوكرانية، بعد التراجيديا الأفغانية، جعلتنا نقرع الطبول باقدامنا العارية»!!
الديار-نبيه البرجي
اقرأ ايضاً:صديق لبوتين في ورطة! “أعظم” مايسترو روسي مؤيد للرئيس أمام خيارين