سوريا مسرحاً للردّ الأميركي: نحو إعفاء «قسد» من عقوبات «قيصر»
علاء حلبي
في خطوة لا تبدو منفصلةً عمّا يجري على الجبهة الروسية – الأوكرانية، تعتزم الولايات المتحدة إمضاء استثناء يعفي المناطق التي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية» (قسد)، وتلك الخاضعة لسيطرة الحكومة التركية في شمال غربي سوريا، من عقوبات قانون «قيصر» الأميركي، في ما من شأنه فتْح الباب على تداعيات غير سهلة، ليس أقلّها إزكاء النزعات الانفصالية في تلك المناطق. والظاهر أن واشنطن تريد، من وراء خطوتها هذه، تسليط عامل ضغط على الروس في مقابل حملتهم المتواصلة على أوكرانيا، فضلاً عن عرقلة خطّتهم الهادفة إلى إجلاس الأكراد على طاولة الحوار مع دمشق، ومن ثمّ إشراكهم في المسار السياسي
منذ اللحظة الأولى للحرب الدائرة في أوكرانيا، وحتى قبلها، لم تَغِب سوريا التي تَبعد أكثر من 2500 كلم عن ساحاتها، عن المشهد. سريعاً، بدأت واشنطن إرسال المزيد من الآليات والأسلحة إلى مناطق تمركز قواتها في هذا البلد، فيما حصّنت روسيا مواقعها وتوسّعت في مناطق جديدة شمال شرقيّه، سعياً لتحقيق توازن ميداني يأخذ في الاعتبار تركيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى. وعلى الرغم من تأكيد مصادر ميدانية عدّة أن ما يجري عبارة عن عمليات تحصين للتموضع القائم أصلاً، لن تتدحرج إلى مواجهات مسلّحة مباشرة، إلّا أن اللافت أن تلك التحرّكات الميدانية تترافق مع أخرى سياسية، قد تترك أثراً كبيراً في المشهد السوري، لعلّ أبرزها الانفتاح الأميركي على فكرة استثناء بعض المناطق في سوريا من قانون العقوبات، «قيصر».
مصادر كردية في حزب «الاتحاد الديموقراطي»، الذي يقود «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) و«الإدارة الذاتية» الكردية، أكدت، لـ«الأخبار»، صحّة ما يتمّ تداوله حول استعداد واشنطن لاستثناء مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة السورية من العقوبات المفروضة، بهدف تقديم دفعة اقتصادية كبيرة لتلك المناطق، وحصْر العقوبات في مساحة سيطرة دمشق. وأشارت المصادر إلى أن الخطوة الأميركية الجديدة بدت مفاجئة، خصوصاً أنها جاءت بعد أقلّ من شهرَين على رفض مقترح كردي باستثناء مناطق «قسد»، كانت تقدّمت به الأخيرة مرّات عديدة، وطالبت به خلال الاجتماعات الدورية والاستثنائية مع مسؤولين أميركيين، بالإضافة إلى الضغوط المتواصلة التي مارسها «مجلس سوريا الديموقراطية» (مسد)، الذراع السياسية لـ«قسد»، عن طريق علاقة بعض أعضائه بمسؤولين أميركيين، وآخرها المحاولة التي جرت نهاية العام الماضي، عندما بدأت واشنطن إحداث تعديلات لاستثناء منظّمات غير حكومية، انتظرت «قسد» أن تكون من بينها، ولكن ذلك لم يحصل حينها. وأوضحت المصادر الكردية أن الاستثناءات الجديدة التي تدرسها واشنطن، تشمل إلى جانب مناطق «قسد»، مناطق سيطرة القوات التركية والفصائل التابعة لها، من دون إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام»، عادًّة ما تَقدّم بمثابة محاولة لـ«تذليل المخاوف التركية من نموّ الأكراد»، حيث ستساهم هذه الاستثناءات في رفع جزء من الضغوط الاقتصادية التي تولّدها مناطق الشمال السوري عن كاهل الاقتصاد التركي، الأمر الذي تعتقد المصادر أنه سيسهّل تمرير القرار من دون أيّ احتكاكات بين واشنطن وأنقرة.
سيفتح القرار الأميركي الباب أمام إذكاء النزعات الانفصالية سواءً في مناطق «قسد» أو في مناطق السيطرة التركية
ومن شأن القرار الجديد، في حال إمضائه، أن يؤدي إلى توسيع الشرخ القائم في سوريا بسبب الأوضاع الميدانية والسياسية، كما سيفتح الباب أمام إذكاء النزعات الانفصالية، سواءً في مناطق «قسد»، أو حتى في مناطق السيطرة التركية، لِمَا له من آثار اقتصادية متراكمة من شأنها سلخ تلك المناطق اقتصادياً، وعزل دمشق والمناطق التي تسيطر عليها، وخلق تفاوت اقتصادي كبير في ما بينها. كذلك، سيتيح هذا القرار فرصة للأكراد لتحويل النفط السوري من بوّابات التهريب إلى الشمال السوري ومناطق السيطرة التركية، إلى الأبواب الخارجية، ما سيؤدّي بدوره إلى خلق علاقات تجارية واقتصادية دولية بين «قسد» وبعض الدول، ويعني بالمحصّلة «شرعنة سرقة النفط» من جهة، وخلق حالة استقرار اقتصادي بمعزل عن الحكومة السورية من جهة أخرى، خصوصاً أن هذه الخطوة سبقتها خطوات اقتصادية أخرى من بينها العمليات الجارية برعاية أميركية لإعادة إحياء العلاقات بين «كردستان العراق» و«قسد»، والعمل على فتح المعابر بينهما.
ويأتي مشروع القرار الأميركي الجديد في وقت تستكمل فيه «قسد» عمليات الفرز والتنظيم الديموغرافي التي تقوم بها في مناطق سيطرتها، عن طرق إجلاء سكّان بعض المناطق قسراً، بالإضافة إلى عزل الوافدين من مناطق أخرى من خلال منحهم بطاقات خاصة، ورسم «دستور» خاص بـ«الإدارة الذاتية» (ميثاق الإدارة الذاتية). والظاهر أن الولايات المتحدة تريد من وراء خطوتها، في هذا التوقيت بالذات، توجيه ضربة غير مباشرة إلى الجهود الروسية لوضع الأكراد على طاولة الحوار مع دمشق، أو إدخالهم في العملية السياسية عبر مسارات التسوية، سواءً في اجتماعات «اللجنة الدستورية» أو حتى «مسار أستانة». وإضافة إلى ما سبق، يمكن النظر إلى الخطوة الأميركية، التي من شأنها مفاقمة تعقيد المشهد في سوريا، على أنها ضغط إضافي على أنقرة، حليفة موسكو في سوريا وعدوّتها في أوكرانيا، خصوصاً أن الآثار المتوقّعة لمشروع واشنطن في مناطق «قسد» أكبر من تلك المنتظَرة في مناطق سيطرة القوات التركية، بسبب ارتباط الأخيرة بالاقتصاد التركي أساساً، ما يعني في المحصّلة الدفع إلى إعادة ترتيب الأوراق في الميدان السوري، وفرض حالة «أمر واقع» خارج نطاق المسارات السياسية التي تنخرط فيها أنقرة.
ويجيء التلاعب الأميركي بقانون العقوبات (قيصر)، ومحاولات استثماره، في وقت تشهد فيه سوريا بشكل عام أوضاعاً اقتصادية صعبة، دفعت الأمم المتحدة إلى وضعها على رأس قائمة «الدول العشر الأكثر انعداماً للأمن الغذائي»، خلال جلسة مجلس الأمن للإحاطة بسوريا، والتي عُقدت يوم الجمعة الماضي، حيث اعتَبرت مساعِدة الأمين العام للأمم المتحدة، جويس مسويا، أن «السوريين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية الآن أكثر من أيّ وقت مضى»، موضحة أن «تقييم الاحتياجات الإنسانية وجد أن 14.6 مليون سوري سيعتمدون على المساعدة هذا العام، بزيادة 9% عن عام 2021 وزيادة بنسبة 32% عن عام 2020». في غضون ذلك، أبدى المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، «قلقه» من تأثّر الساحة السورية بالحرب الجارية في أوكرانيا، معتبراً خلال مداخلة له في اجتماع مجلس الأمن، أن «العملية السياسية في سوريا أصبحت أكثر صعوبة مع الحرب الأوكرانية»، معلِناً في الوقت ذاته أن الجولة السابعة للهيئة المصغّرة للجنة الدستورية السورية ستُعقد في جنيف في الواحد والعشرين من آذار المقبل.
الأخبار