تدعم الأحداث الجارية منذ 24 شباط 2022، في أوكرانيا الفرضية بوجود تشابُك مصالح بين روسيا من جهة وسورية من جهة ثانية، خصوصاً في مجال الأمن الوطني . لقد أثبتت تجربة روسيا مع دول حلف الأطلسي أن هذه الأخيرة ترسم الخطط من أجل تطويقها وإضعافها وتقسيمها، اتضح ذلك تدريجيا ابتداء من موافقتها على سحب قواتها من ألمانية الشرقية والموافقة على إعادة توحيد ألمانيا في سنة 1990، وتفكيك الإتحاد السوفياتي، مقابل التزام دول الحلف الأطلسي لاعتبارات أمنها القومي، بعدم ضم جمهوريات أوروبا الشرقية السوفياتية سابقاً إلى هذا الحلف، والجمهوريات الروسية على وجه التحديد (بيلا روسيا وأوكرانيا) بالإضافة إلى جيورجيا وجزيرة القرم في البحر الأسود حيث مرافئ أسطولها والمضائق المؤدية إلى البحر المتوسط، فمن المعلوم أن الدول الغربية، الأطلسية، لم تحترم الشروط التي توافقت عليها مع روسيا، وهي أنها تحاول منذ ثمان سنوات استعداء أوكرانيا ضدها تحت غطاء الحلف الأطلسي، بالرغم مما يوجد من علاقات ثقافية ومصالح إقتصادية صناعية وعلمية مشتركة بين الدولتين التوأمين ، لا سيما أن أوكرانيا كانت تحتل مركزا رئيسياً في اقتصاد وأمن الإتحاد السوفياتي.
أغلب الظن أن توغل القوات الروسية داخل أوكرانيا كان منتظراً، أو قل أنه لم يفاجئ قادة الولايات المتحدة والحلف الأطلسي، فلقد سيق أن حذر القادة الروس من أن ضم جيورجيا وأوكرانيا إلى الحلف الأطلسي سيدفعهم إلى منع ذلك بكل الوسائل ومن ضمنها العسكرية. ثم قدّموا البرهان على ذلك في جيورجيا . هنا ينهض السؤال عما يدور في أذهان سَحَرَة الجيو استراتيجيا في هذا العالم الموبوء بيئياً وإنسانياً.
مهما يكن لا يكفي النظر إلى الخريطة الجغرافية لإدراك الأهمية الإستراتيجية للمثلث والبحر الأسود” وحسب، وإنما علينا أن نأخذ بعين الإعتبار أيضاً الفرق بين الأزمتين الجورجية والأوكرانية، فهذه الأخيرة تقع في أوروبا وبالتالي تتيح إستخدام واستغلال “الدولة الأوربية” بالمطلق، بدرجة أكبر، في سيرورة النهب المعولم أو المكوكب التي أطلقتها الرأسمالية الليبرالية منذ سقوط الإتحاد السوفياتي.
أغلب الظن أن قادة الغرب أدخلوا في حساباتهم أن العمل إنطلاقاً من أوكرانيا ملائم لممارسة ضغوط عسكرية وإقتصادية على روسيا بدرجة أعلى مما كان ممكناً في الأزمة الجيورجية، يحيث يمكن إيقاد الحرب الباردة من جديد، ليس ضد النظام الشيوعي السوفياتي هذه المرة ولكن ضد الأمة الروسية نفسها، أو كما يذهب بعض الروس إلى القول، ضد الثقافة الأوراسية والآفاق التي يمكن أن تفتح أمامها.
لا أعتقد أن الأطلسيين مصيبون في استخفافهم بغيرهم من الشعوب، ذوو الشعر الأشقر والعيون الزرق أو لا. ففي ظاهر الأمر أن للروس حساباتهم العسكرية والاقتصادية أيضاً في معركة يعتبرونها مصيرية. تجدر الإشارة هنا إلى أن تقديرات تفيد بأن لا غنى للأوروبيين عن الغاز الروسي، كما أن خبراء عسكريين كشفوا عن أن الروس استقدموا خمسين طائرة عسكرية إلى قاعدة حميم دون أن ترصدها الرادارات التركية والأطلسية.
لا للحرب ولا للأحلاف العسكرية. كفى إراقة دماء وتطهير عرقي وعبث بمصير البشرية!
ثريا العاصي – الديار