الأحد , نوفمبر 17 2024

تحديات خطيرة تواجه علاقات تركيا وروسيا بسبب حرب أوكرانيا

تحديات خطيرة تواجه علاقات تركيا وروسيا بسبب حرب أوكرانيا

تشكل الأزمة الأوكرانية تحديا للعلاقات التركية الروسية التي تنوعت ما بين إدارة الأزمات في مجالات الاختلاف، والحفاظ على التعاون في مجالات أخرى.

وتسود المخاوف من تصاعد التوترات في البحر الأسود، ومخاطر التصعيد الساخن بسبب حملات الغرب العقابية لروسيا.

وفي التقرير الشهري لمجلة “كريتر” التركية، ذكرت الكاتبة فيشنه كوركماز، أنه في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، تم تقييم العلاقات بين تركيا وروسيا من منظور المنافسة الجيوسياسية المحتملة في مجالات معينة، والتعاون في مجالات تجارية لا سيما الطاقة.

وبناء على ذلك، نظر إلى العلاقات بين موسكو وأنقرة أنها قائمة على التنافسية والتعاون في ذات الوقت.

وأضافت المجلة أنه لا يمكن إنكار وجود منافسة وتعاون في طبيعة العلاقات بين موسكو وأنقرة اللتين تتبعان في الغالب “استراتيجية التجزئة” من أجل استمرار العلاقات والاستفادة أكثر من مجالات التعاون رغم التنافسية والخلاف في قضايا أخرى.

وفي السنوات العشر الأخيرة، لوحظ أن العلاقات بين روسيا وتركيا قد وصلت إلى بُعد ذي مغزى استراتيجي، متجاوزة النمط التقليدي في العلاقات الثنائية.

وكانت العوامل الجيوسياسية المتغيرة في البحر الأسود وشرق المتوسط، والشرق الأوسط، والمواقف الجديدة التي وضعتها موسكو وأنقرة في هذه الجغرافيا السياسية زادت من القيمة الاستراتيجية المكتسبة على أساس التعاون بين العاصمتين.

ومنذ عام 2008، تنتهج روسيا سياسة أمنية طموحة بشكل واضح في محيطها، قائمة على التحكم والسيطرة عبر الاقتصاد والحراك العسكري عبر الحدود، وعليه يجب الإقرار بأن الاستراتيجية التي تتبعها موسكو مكلفة وقائمة على المخاطر.

ومع مرور الوقت، لوحظ أن العلاقات التركية الروسية تتخذ منحى آخر بخلاف النماذج الأخرى في العلاقات التي بنتها موسكو في علاقاتها.

وعلى سبيل المثال، تنوع الترابط بين أنقرة وموسكو، في مجالات قائمة على التعاون الربحي، مثل محطة أكويو النووية، وخط الغاز “ترك ستريم”، وشراء أنقرة لمنظومة “أس400” الروسية، وقد منح هذا التنوع الاستراتيجي فرصة لأنقرة لاتخاذ خطوات مختلفة يمكن أن توازن العلاقات التي طورتها مع روسيا.

هذه الإمكانيات تجلت بأشكال مختلفة بدءا من تقلص ثقل روسيا بشكل نسبي في استيراد تركيا للغاز الطبيعي، وتطوير العلاقات مع أوكرانيا وأذربيجان وعملية تطبيع العلاقات مع أرمينيا وتأسيس آلية حوار مع جمهوريات آسيا الوسطى، وبناء حوار مع قطر وباكستان بشأن أفغانستان.

وبحسب المجلة، فإن البلدين طورا نموذج إدارة الأزمات عبر حوارات رفيعة المستوى خاصة في المناطق التي تعد مناطق اختلاف بينهما مثل سوريا وأوكرانيا وليبيا، لمنع الإضرار بمجالات التعاون.

ورأت أن هناك أسبابا أخرى لظهور نموذج التعاون الخاص بين البلدين، بغض النظر عن الرغبة في إبقاء قنوات الحوار مفتوحة بهدف جعل تكلفة السياسات الطموحة والمحفوفة بالمخاطر لموسكو أكثر قابلية لإدارتها بينهما.

عناصر ثلاثة يجب مراعاتها

العنصر الأول يكمن في أن سيطرة تركيا على المضائق من خلال اتفاقية “مونترو”، تدفع روسيا إلى التفكير في رود فعل أنقرة، عند اتخاذ خطوات يمكن أن تعطل الاستقرار والتوازنات في البحر الأسود.

ويكتسب هذا الوضع أهمية أكبر اليوم، في ظل الأزمة الأوكرانية التي قد ينجم عنها تصاعد سريع في المنافسة بين روسيا والغرب في مجالات مختلفة.

وقد لاحظت موسكو عزم تركيا على إعطاء الأولوية للاستقرار في البحر الأسود، وتبني سياسة تؤكد على أنه لا غنى عن كييف وموسكو بالنسبة لها، وتحافظ على موقف متوازن.

العنصر الثاني، والذي يعد محكا في تطوير العلاقات في مجال صناعة الدفاع بين البلدين، هو شراء أنقرة لمنظومة “أس400″، وبطبيعة الحال من المهم بالنسبة لروسيا أن تركيا هي العضو الأول والوحيد في الناتو الذي يوقع عقدا لشراء المنظومة الجوية.

وتؤكد أنقرة مرارا وتكرارا أن منظومة “أس400” تم اقتناؤها بسبب الحاجة إليها، لا سيما أن الصراعات في المنطقة واستخدام الصواريخ الباليستية وكروز فيها، شددت على ضرورة تعزيز نظام الدفاع الجوي التركي.

وأشارت المجلة إلى أن اقتناء منظومة “أس400” جاء في الوقت الذي تحولت فيه تركيا لفكرة تعزيز الاستقلالية في صناعاتها الدفاعية، وتنويع مصادر الواردات العسكرية.

وقيّمت روسيا بشكل عقلاني لاستراتيجية تركيا لتنويع الموارد، وخلق حلول وسيطة لاحتياجاتها في إطار اتفاقية “أس400″، وأعربت موسكو في اجتماعات عدة عن إمكانية تطوير التعاون مع أنقرة.

وذكرت المجلة، أن تركيا في تطور لافت بمجال الصناعات الدفاعية لا يقارن مع التطورات في مجال الطائرات المسيرة، وهذا يزيد قوة تركيا التفاوضية أمام محاوريها في الأسواق التي نوعتها من أجل الحلول الوسيطة.

ونظرا لأن إحدى ركائز الصراع بين القوى العظمى تكمن في الهيكل الأمني الأوروبي، فقد يلتزم الناتو باتخاذ موقف استراتيجي أكثر تنسيقا ما بين الدول الأعضاء بهدف مواجهة التحديات الروسية المتزايدة.

ورأت المجلة أن هذه التطورات لن تقضي تماما على استراتيجية التنويع التركية، ومكان روسيا في هذه الاستراتيجية، ولكن من الجيد لأنقرة تقييم العلاقات مع موسكو على أساس التكلفة والمكاسب.

العنصر الثالث، يكمن في أن المناطق التي تسعى روسيا للتمدد فيها والسيطرة عليها (البحر الأسود، وشرق المتوسط، وجنوب القوقاز)، تعد مناطق لها مكانتها الاستراتيجية لتركيا.

وكان أحد الأسباب التي جمعت أنقرة وموسكو معا في عملية أستانا، هو رغبة العاصمتين في تحقيق التوازن مقابل السياسات الأمريكية غير المرغوبة في سوريا بالتحديد.

ومع ذلك، لم يكن هذا التعاون يترجم فعليا في المناطق الخاضعة لسيطرة روسيا والقوات الموالية لها، رغم تمكن البلدين من إدارة الأزمة بالنسبة لإدلب.

وقالت المجلة، إن أنقرة تعي أن لدى روسيا أدوات لزعزعة الاستقرار في ليبيا وقره باغ كما في سوريا، وغالبا ما تكون لموسكو أجندات أمنية لا تتوافق مع تلك التي لدى أنقرة في تلك المناطق.

وذكرت أنه من الصعب على إدارة بايدن تخيل تحقيق الأمن الإقليمي بتجاهل تركيا كما فعل ترامب، بسبب تأثير التصعيد السريع للأزمة الأوكرانية، وفي هذا الصدد، من الممكن أن تكشف عمليات التطبيع التي قد تؤثر على الجغرافيا السياسية لشرق البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا، عن صيغ تعاون جديدة في هذه المناطق والتي ستعمل على تقييد روسيا فيها.

وأشارت إلى أن زيادة التنسيق والدعم بين أعضاء الناتو في البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأسود هي نهج تبنته إدارة بايدن أمام روسيا.

وشددت على أن المطلوب من أنقرة مواصلة سياستها التي تتخذها في علاقتها مع موسكو، والحفاظ على الحوار الرفيع المستوى بين البلدين بعيدا عن الاستفزازات الجارية.

وأضافت أن الأزمة الأوكرانية ستكون بمثابة تحد للعلاقات الروسية التركية المستمرة بنجاح حتى الآن واستراتيجيات إدارة الأزمة، بسبب تأثيرها على البحر الأسود من جهة وأمن أوروبا من جهة أخرى علاوة على حملها مخاطر المواجهة الساخنة وتصاعدها من جهة، والتمخض عنها حملات الغرب العقابية.

عربي21- عماد أبو الروس