الأحد , نوفمبر 17 2024
CHATHAM - NOVEMBER 29 - Lev Tahor community members, on November 29, 2013, seen at their new location in Chatham, Ontario, after leaving Quebec last week. Members of the community walks toward the building for morning prayers. (Rick Madonik/Toronto Star via Getty Images)

«ليف طاهور».. قصة طائفة يهودية بايعت «المرشد الأعلى» وتعادي إسرائيل!

«ليف طاهور».. قصة طائفة يهودية بايعت «المرشد الأعلى» وتعادي إسرائيل!

قبل ساعاتٍ قليلةٍ، تحدثت تقارير صحفية نقلًا عن وسائل إعلام في دولة البوسنة والهرسك، عن أن نحو 37 شخصًا ينتمون إلى جماعة «ليف طاهور» اليهودية اليمينية، قد غادروا البلاد على متن حافلات إلى وجهة غير معلومة، لا تزال الأخبار الخاصة بهذه الجماعة «غريبة الأطوار»، والتي يصفها البعض بـ«طالبان اليهودية» تثير الكثير من الجدل على منصات الأخبار الإسرائيلية والعالمية؛ فما هذه الطائفة؟ ولماذا تشغل الدوائر الإعلامية والسياسية في إسرائيل بها رغم قلة أعداد منتسبيها؟
تفسير «متشدد» لليهودية.. ما هي «ليف طاهور»؟

ولد شلومو هيلبرانز عام 1962، لعائلة يهودية في مدينة القدس، كانت أسرته ذات توجه علماني، لكن هيلبرانز وجد ضالته في التعليم الديني، فالتحق بمدرسة دينية في القدس، حيث تشرَّب التعاليم اليهودية الصارمة، ليؤسس مع نهاية الثمانينيات طائفته الدينية الخاصة، التي أطلق عليها اسم «ليف طاهور»، والتي تعني في العبرية «القلب النقي»، وقد اشتق الاسم من إحدى آيات سفر المزامير التي تقول: «اخلق لي قلبًا نقيًّا يا الله، وجدد في داخلي روحًا مستقيمًا».

اتبعت جماعة «ليف طاهور» تحت قيادة شلومو هيلبراز، أقصى التفسيرات تشددًا للدين اليهودي، فيما يتعلق بالعبادات والممارسات الاجتماعية، وفي تصريحه للصحافة، فقد كان هيلبرانز يطمح من وراء طائفته إلى «تحقيق أقصى درجات النقاء من خلال التخلص من التأثيرات المفسدة التي تلوث الجماعات الأرثوذكسية السائدة ، فضلًا عن الأشكال الأخرى لليهودية».

في سبيل الحفاظ على هذا «النقاء» التوراتي، يلتزم أعضاء «ليف طاهور» بقواعد غذائية صارمة، فيتبعون نظام «الكوشر» الذي يحدد «الطعام اليهودي الحلال»، فلا يأكلون مثلًا لحوم الدجاج لاعتقادهم أن جينات الدجاج قد تعرضت للتلاعب الجيني لزيادة لحم الصدر بسبب ولع البشر بصدور الدجاج، ومن ثم فإن الدجاج الموجود للطعام ليس هو الدجاج الذي صنعه الرب، في حين يأكلون لحم الإوز بسبب اعتقادهم أن جيناته كما هي لم تتغير، ولا يأكلون من لحوم الحيوانات سوى تلك التي يجري ذبحها تحت إشراف زعيمهم، ويبتعدون عن قشور الخضراوات والأرز، ولا يأكلون إلا الخس فقط في عيد الفصح بعد أن يخضع لتنظيف مكثف يدوم لساعات.

وفيما يتعلق بالطقوس والعبادات، فإن أفراد مجتمع «ليف طاهور» يؤدون الصلاة بشكل مختلف عن الطوائف اليهودية الأخرى، فصلاتهم أطول، ويقرؤون الآيات بشكل أبطأ وبصوت أعلى، إذ يسعون إلى التعبير عن كلمات الصلاة بتركيز أكبر، وغالبًا ما يصرخون بالآيات بصوت عالٍ.

ولـ«ليف طاهور» عادات مميزة فيما يتعلق بالملبس، فملابس الرجال قريبة من ملابس الجماعات الأرثوذكسية المتشددة الأخرى، كما يتشددون للغاية في ملابس النساء، فالمرأة في مجتمعهم يجب أن ترتدي الجلباب الأسود الذي يغطي جسدها من الرأس حتى أخمص القدمين، وتُجبر الفتيات على ارتداء هذه الملابس بمجرد بلوغهن سن ثلاث سنوات، وهذه العادة دفعت الكثير من الصحف الإسرائيلية والأجنبية تطلق على المجموعة لقب «طالبان اليهودية».
«ليف طاهور» واتهامات متكررة بسوء معاملة الأطفال

هاجر أعضاء الطائفة البالغ عددهم نحو 250 شخصًا من مدينة القدس إلى ولاية نيويورك الأمريكية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي – بسبب تصاعد الإشكالات بينهم وبين الحكومة الإسرائيلية كما سنذكر في السطور اللاحقة – وفي الولايات المتحدة تعرض شلومو هيلبراز للسجن بسبب اتهامه بـ«اختطاف» صبي أُرسل معه بغرض الدراسة، لكن هيلبرانز دفعه إلى اعتناق تعاليم جماعته.

أُدين هيلبرانز أمام المحكمة وتعرض للسجن لمدة عامين، خرج بعدها ليؤسس مدرسة دينية أخرى، لكنه تعرض للترحيل إلى إسرائيل عام 2000؛ لكنه لم يمكث هناك؛ إذ هاجر إلى كندا في العام نفسه، وحصل على حق اللجوء عام 2003، بعد أن اتهم الحكومة اليهودية باضطهاده بسبب آرائه المعادية للصهيونية.

أينما حلت جماعة «ليف طاهور» أو ارتحلت، كانت توجه إلى أفرادها اتهامات بسوء معاملة الأطفال والمراهقين، وبخاصة إجبار الشابات المراهقات على الزواج في سن صغيرة، وأحيانًا من رجال في سن الشيخوخة، ووفقًا لمصادر صحفية، فإن لدى جماعة «ليف طاهور» تفسيرًا معقدًا لليهودية، إذ تعتقد أنه «عندما يبلغ صبي أو فتاة مرحلة النضج، ويكون في 12 أو 13 من عمره، يصبح عليه أن يوفي بالتزام ديني هو الزواج».

ويرفض منتسبو «ليف طاهور» إرسال أطفالهم إلى المدارس المحلية، ويجبرونهم على التعلم في مخيمات دينية مغلقة، فيما يُشبه «غسيل دماغ» للأطفال يعزلهم عن كل مؤثرات العالم الخارجي، كما يمتنع أتباع الطائفة عن استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة كالهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر.

في عام 2014، اضطر هيلبرانز وجماعته إلى «الهرب» من كندا على وجه السرعة، بعد أن أثيرت أمام المحاكم الكندية مرةً أخرى قضية إساءة معاملة المجموعة للأطفال، فهاجرت المجموعة إلى ترينيداد وتوباجو ومنها إلى جواتيمالا، لكنهم لم يكونوا موضع ترحيب من المجتمعات المحلية التي طالبت بـ«طردهم» بسبب سلوكياتهم وعاداتهم «الغريبة» التي تتعارض مع الثقافة المحلية.

وخلال السنوات الماضية، سافرت مجموعات من أبناء تلك الطائفة إلى المكسيك، حيث تعرض بعضهم للاحتجاز من قِبل السلطات المكسيكية، وجرى ترحيلهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث واجهوا اتهامات تتعلق بانتهاك حقوق الأطفال والاعتداء والخطف.
«ليف طاهور» تبايع المرشد الأعلى الإيراني

العقيدة الدينية، والرؤى السياسية لـ«ليف طاهور»، تُعد خليطًا صنعه شلومو هيلبرانز من توجهات عدد من الجماعات اليهودية الأرثوذكسية، في القلب منها جماعة «ساتمار حسيديم»، التي انتمى إليها هيلبرانز في بدايات حياته، فتشرب الكثير من أفكارها وطقوسها، لتكون «ليف طاهور» التي أسسها هي النسخة الأكثر يمينية منها فيما يتعلق بتفسير العقيدة الدينية اليهودية.

مثل «ساتمار حسيديم»، تتبني «ليف طاهور» خطًّا مناهضًا للصهيونية، ولا يعترف بدولة إسرائيل، ويرى أنه لا ينبغي أن تكون هناك دولة يهودية قبل ظهور المسيح المنتظر، ومنذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أخذت دعوة هيلبرانز في اجتذاب المزيد من اليهود في مدينة القدس، والذين تحولوا من الرؤى العلمانية إلى التفسيرات الأرثوذكسية المحافظة للدين اليهودي.

كانت كتيبات شلومو هيلبرانز وتعاليمه، تهاجم إسرائيل، وتعدها «دولة الشر»، ويعِد أنصاره بزوالها بناءً على نبوءات قال إنه يستمدها من الكتاب المقدس، وفي عام 1990 اضطر إلى مغادرة إسرائيل مع أتباعه متوجهين إلى الولايات المتحدة، وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية حينئذٍ أنه اضطر إلى تلك الخطوة بسبب التحقيق معه على خلفية «اتصالات مشبوهة» بينه وبين قادة منظمات إسلامية مناهضة لإسرائيل.

وقد كشفت تقارير صحفية عام 2019، أن مجموعة «ليف طاهور» قد تقدمت بطلب لجوء سياسي إلى إيران، وأعلنت مبايعتها للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، وخلال العام الماضي تحدثت تقارير صحفية عن رصد عشرات العائلات المنتمية للطائفة سافرت من مطار جواتيمالا إلى أربيل – والتي يؤمن منتسبو الجماعة أنها مدينة بابل المذكورة في التوراة – عاصمة إقليم كردستان العراق، المحاذي لحدود إيران، لكن جرى إحباط محاولة هؤلاء الوصول إلى الأراضي الإيرانية بعد تحذيرات إسرائيلية أمريكية، وهو ما دفع أعضاء الطائفة لمغادرة الإقليم متجهين إلى تركيا بدلًا من إيران.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2021، أصدرت الخارجية الإسرائيلية بيانًا أكدت فيه أنها تعمل مع دول أخرى لمنع أعضاء طائفة «ليف طاهور» من السفر إلى إيران، وتتخوف تل أبيب من استخدام إيران لهذه الورقة في محاولة الدعاية لنفسها بوصفها بلدًا يسمح بالتعددية الدينية، وفي المقابل تشويه صورة إسرائيل من خلال فتح الباب للعديد من التيارات اليهودية المعادية للصهيونية للانطلاق من طهران.

ووفقًا لموقع «تايمز أوف إسرائيل» الناطق بالعربية، فإن هناك تخوفات إسرائيلية أخرى من أن تستغل إيران هؤلاء اليهود الذين يملك بعضهم الجنسية الإسرائيلية «ورقةً للمساومة»، أو أن تستخدمهم في صفقات لتبادل الأسرى، وحينها ستبدو «صفقة شاليط (في إشارة لصفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل والتي أفرج بموجبها عن 1027 فلسطينيًّا في مقابل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط) لعبة أطفال مقارنة بذلك»، حسبما تصف الصحيفة.

ساسة بوست