الروح القدس بين بايدن وبوتين
لا ندري ماذا قصد جوزف ستالين حين وصف ونستون تشرشل، أمام فرنكلين روزفلت، بـ»الروح القدس» بين ثلاثي يالطا…
حين كتب ديزموند ستيوارت عن المؤتمر، لاحظ أن بني قومه الانكليز أكثر حنكة، في «التقطيع المخملي» للخرائط ولو بالسكين. تشرشل الأكثر عبقرية في هذا المجال. تبدى ذلك في يالطا، عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية. أيضاً في ذروة هذه الحرب حين التقى ستالين عام 1941 ليتبلور المفهوم الجيوسياسي للبلقنة.
ستيوارت، صاحب « تاريخ الشرق الأوسط الحديث / معبد جانوس»، رأى أن الأميركيين تلاميذ سيئين، والى حدود الحماقة، في اعادة تشكيل الخرائط. غالباً ما يفعلون ذلك تحت قرع الطبول بدل من أن يحدث ذلك خلف الأبواب المغلقة، وهذا ما قد يوحي بأن لعبة الأمم أقل قذارة، وأقل بشاعة، وأقل همجية، مما يصفها ثوريو العالم الثالث.
بعد تشرشل لم تعد بريطانيا كما كانت، لا بل بعد غروب الأمبراطوريتين البريطانية، والفرنسية، على ضفاف السويس عام 1956. حتى أن الملكة اليزابت، بقبعاتها المئة، تبدو وكأنها جزء من «الحرملك» الأميركي.
الأنكليز يرون اذا ما انعقد ثانية مؤتمر يالطا فسيكون فلاديمير بوتين أكثر توقداً، وأكثر ديناميكية، من جو بايدن الذي يصفه حتى الأوكرانيون بـ»كيس القش». أيضاً من بوريس جونسون الذي يبحث، ولو في جحر فأرة، عن موطئ قدم في التاريخ.
من لا يهزه مشهد المدن المدمرة، وقوافل الفارين من الموت، في أوكرانيا؟ الروس لا يملكون سوى هذه الطريقة لتنفيذ سياساتهم. هذا ما يجعل العالم يشعر بالصدمة. الأميركيون لديهم وسائل لا تحصى لذلك. التدمير المالي، والاقتصادي والاجتماعي، وحتى التدمير الثقافي. أسلوب حياتهم (ومن سروال الجينز الى زجاجة البيبسي كولا) في كل أرجاء المعمورة.
هكذ يفاخر وليم كريستول بأن تأثير الروك اند رول في ادارة الآخرين أشد فاعلية من القنبلة النووية. لا تكافؤ بين الأمبراطورية الأميركية، وأي أمبراطورية أخرى. كم يبدو الكلام ساذجاً حين يحكى عن التوازن، وحتى التفوق، الصيني قبل حلول منتصف القرن. أيهما الأكثر جاذبية… طبق الهوت دوغ أم طبق الصراصير؟
لاحظوا كيف ترتعد فرائص شين جينبينغ من تهديد جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي له من العقوبات القاتلة اذا ما حاول مؤازرة روسيا في الحرب. لا بأس من التذكير بأن اليابانيين احتلوا الصين، كذلك الانكليز (حرب الأفيون). هذا ما يجعل صحيفة «لوكانار انشينه» الفرنسية الساخرة ترسم التنين بجناحي ذبابة…
بالرغم من البرباغند الأميركية (وأهوالها)، وحديث القنوات العربية الكبرى، بوجه خاص، عن تعثر الحملة الروسية على كل الجبهات، ثمة رؤية أخرى للمشهد. الأميركيون، وتبعاً لنظرية باراك أوباما يديرون الحرب من المقاعد الخلفية. الآن يهددون بالويل والثبور اذا ما لامست الصواريخ، أو الدبابات، الروسية، اي دولة عضو في حلف الأطلسي.
ماذا يمكن أن يفعل البيت الأبيض في هذه الحال؟ المواجهة المباشرة بين الصواريخ الأميركية والصواريخ الروسية. هذا بالذات ما يسعى اليه فلاديمير بوتين. أن تصل المواجهة الى حدود الحرب العالمية الثالثة لتفتح الأبواب، في الحال، أمام الصفقة (أو الصفقات) الكبرى.
هنا، من هو «الروح القدس» بين البيت الأبيض والكرملين ؟ ايمانويل ماكرون يتطلع الى هذا الدور، ربما للثأر لشارل ديغول الذي كان فرنكلين روزفلت يكرهه، وقد رفض مشاركته في مؤتمر يالطا…
موسكو تفضل أولاف شولتس. ألمانيا هي القاطرة الأوروبية. اذ تتاخم روسيا بطريقة أو بأخرى، هي بوابة الغاز الروسي، كما أنها، بحسب بعض المعلقين، «الأقل انتهازية، والأقل تبعية لأميركا».
اذا كان البعض يستذكر أوتو فون بيسمارك وأدولف هتلر ما يعني أن الألمان لا يتقنون اللعبة الديبلوماسية، لا تنسوا أن كليمنت ميترنيخ، نجم مؤتمر فيينا (1815 )، نمساوي ألماني.
هكذا قدر الدول الصغيرة يرسم فوق الركام. أليست هذه حالنا في الشرق الأوسط؟!
الديار-نبيه البرجي
اقرأ ايضاً:الملياردير إيلون ماسك يتحدى بوتين : قاتلني رجلاً لرجل !