تحمل لنا الأرض المزيد من المفاجآت والأسرار، التي قد تجعلنا نفهم أكثر عن قدماء البشر الذين عاشوا على أرض الكوكب وانتهت حضارتهم قبل أن نحتك بهم، والتي تدفعنا أحيانًا أن نعيد التفكير في كل ما نعرف عن تاريخ حضارة ما، وطالما لم نكشف عن كل الأسرار التي تخبئها الأرض في جوفها؛ فلن نستطيع القول بأننا نعرف كل شيء عن الحضارات القديمة التي عاشت على الأرض. ولذلك؛ يظل علماء الآثار والحفريات في حالة من البحث المحموم في جوف الأرض، والكشف عن الطبقات الأولى الحديثة التي تخبئ تحتها قصة الشعوب القديمة التي عاشت قبلنا، وفي هذا التقرير نخبركم عن حل لغز لكشف جديد وجده الباحثون في المملكة العربية السعودية عام 2017 وعكفوا على دراسته منذ ذلك الحين.
على شكل قلادة.. طريق جنائزي ومقابر حجرية في شمال غرب السعودية
مع بداية هذا العام 2022، استطاع أثريون أستراليون يعملون بالتنقيب في شمال غرب المملكة العربية السعودية، حل لغز الكشف الذي قد عثر عليه في عام 2017، وبعد أن كان مجرد «آثار حجرية» مجهولة الهوية بالنسبة لهم، أطلقوا عليها «طرق جنائزية» يعود عمرها لما يقترب من 5 آلاف سنة أي منذ العصر البرونزي، وهو من أطول الطرق التي جرى اكتشافها لدى الحضارات القديمة ويصل إلى 170 كيلومترًا.
على جانبي هذا الطريق الجنائزي، وجد علماء الآثار مقابر حجرية على شكل قلادة؛ ما دفعهم لتسمية هذا الطريق المتوج من الجانبين بالمقابر؛ بالطريق الجنائزي، ويرجح العلماء أن هذا الطريق كان مخصصًا للمواكب الجنائزية لكن من الصعب تأكيد تلك المعلومة بشكل قاطع الآن.
https://youtu.be/rVt3-TXTlvg
هذا الكشف يؤكد أن من عاشوا على تلك الأرض منذ 4500 سنة؛ قد استطاعوا ربط الواحات الموجودة في المنطقة معًا بتلك الطرق، وشكلوا شبكة طرق هي أقرب ما يكون لشبكة الطرق السريعة التي نعرفها الآن، موضحين أن تشكيل الطرق في ذاك الوقت لم يكن صعبًا كما يمكن للبعض أن يتخيل، وهذا بسبب أقدام البشر والحيوانات التي تسير دائمًا في الطرقات وتجعلها سلسة ومرنة للتشكيل.
ربط الشمال بالجنوب
أهمية هذا الكشف تكمن في معرفتنا أن القدماء الذين عاشوا على تلك الأرض قد عرفوا السفر لمسافات طويلة، وباتباع هذه الشبكات، كان بإمكانهم قطع مسافة لا تقل عن 530 كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب، وهناك شكوك لدى علماء الآثار الذين اكتشفوا هذا الطريق، أن هناك طرقًا مماثلة له في جنوب المملكة العربية السعودية واليمن، لكن هذا سيحتاج منهم للمزيد من البحث والتنقيب، وأكد ماثيو دالتون عالم الآثار والمؤلف الرئيسي لتلك الورقة البحثية؛ أن هذا الكشف والبحث عن بقية الطرق قد يغير فهم الأثريين عن المسافات التي قطعها القدماء في السفر.
يبحث علماء الآثار من بعد اكتشاف هذا الطريق؛ عن دلائل توضح لهم طبيعة الطقوس الجنائزية التي كانت تقام على هذا الطريق منذ آلاف السنين، كما تُجرى الأبحاث على البقايا البشرية التي وجدت في المقابر، إلا أن تلك المهمة تعد صعبة وشاقة عليهم بسبب الحالة السيئة التي وجدوا عليها البقايا البشرية، كما أن المقابر تعرضت للسرقة؛ ما جعلها خاوية من المشغولات اليدوية أو أي أدلة أخرى قد تساعدنا في فهم طبيعة الطقوس الجنائزية في ذاك الوقت.
ولكن – بحسب دالتون- يرى علماء الآثار أن تلك الشعوب التي عاشت في هذه البقعة التي صات تعرف باسم المملكة العربية السعودية منذ آلاف السنين، كان للموت والحياة لديها معنى أعمق، مرجحًا أن المقابر مرصوصة على جانبي الطرق لتذكر المارين بحتمية الموت طوال الوقت.
تطور محليّ أم تأثير من الحضارات المجاورة؟
في الوقت التي شيدت فيه المقابر والطريق الجنائزي، كانت الحضارة المصرية القديمة تشيد الأهرامات بما في ذلك الهرم الكبير في الجيزة، وفي هذه الأثناء أيضًا في بلاد ما بين النهرين إلى الشمال من شبه الجزيرة العربية؛ ازدهرت عدة حضارات وشيدت فيها معابد كبيرة على شكل أهرام تسمى «ziggurats» أو «الزقورات»؛ فهل استلهم القدماء على أرض المملكة العربية السعودية هذا الطريق من الحضارات المجاورة لها؟
يرى مؤلفو الدراسة، وأصحاب الكشف أن هذا احتمال غير مرجح، وأكدوا أن تلك الظاهرة -الطريق الجنازي- كان تطورًا محليًا للشعوب القديمة في هذا المكان، مشيرًا –دالتون- إلى أن تلك الشعوب -في هذه البقعة- كانوا يبنون هياكل حجرية كبيرة من آلاف السنين وقبل بناء الأهرامات في مصر، وتعتبر بوابة «mustatils» التي بنيت في هذه المنطقة منذ سبعة آلاف عام، والتي يرجح علماء الآثار أنها شيدت لعبادة الماشية في عصور ما قبل التاريخ، أكبر دليل على ذلك.
من الجدير بالذكر أن فريق البحث قد استخدم صور الأقمار الصناعية والتصوير الجوي والمسوحات الأرضية والحفريات لعمل الاكتشافات، ويعمل علماء الآثار المشاركون في أعمال التنقيب تحت إشراف الهيئة الملكية لمدينة العلا السعودية، والعلا هي منطقة شاسعة تغطي 8711 ميلاً مربعًا (22.561 كيلومتر مربع) وتحتوي على العديد من البقايا الأثرية التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين.
وقالت الباحثة ميليسا كينيدي المشاركة في كتابة الورقة البحثية لشبكة «سي إن إن» أن هذا الطريق ما زال يحتفظ بارتفاعه الأصلي، وهو «أمر لم نره من قبل» وتعتقد ميليسيا أن هذا أمر يميز المملكة العربية السعودية بشكل خاص عن باقي المنطقة؛ وهذا لأن درجة حفظ الآثار فيها جيدة للغاية بشكل «لا يصدق» على حد وصفها.
ساسة بوست
اقرأ أيضا: