مفاجأة الأسد في الإمارات العربية، رسائل الى أميركا؟
رانية عبد الأمير
لا شك أن المفاجأة كانت كبيرة. ففيما أنظار العالم مشدودة الى التطورات الاوكرانية ومصير المفاوضات الايرانية الغربية، وصل الرئيس السوري بشار الأسد اليوم الى الامارات العربية في أول زيارة من نوعها الى دولة خليجية منذ اندلاع الحرب السورية قبل نحو 11 عاما، وكذلك في أول زيارة من نوعها خارج المحور الذي ينتمي اليه الأسد وهو ما يطرح أكثر من سؤال عمّا اذا كانت هذه الزيارة هي استكمال طبيعي للعلاقات التي استؤنفت بين دولة الامارات العربية وسورية منذ اعادة فتح السفارة الاماراتية في دمشق وزيارة وزير خارجية الامارات في العام الماضي الى العاصمة السورية، أم ان في الأمر شيءُ أكبر.
زيارة الأسد التي قام بها بطائرة اماراتية خاصة اتت من الامارات واقلته الى دبي وابو ظبي، تطرح السؤال الأول حيال العلاقات الاميركية الخليجية، فالمعروف ان واشنطن تفرض عقوبات على سورية وكانت ضغطت في السنوات الماضية على كل حلفائها في المنطقة لعدم التسرّع في اقامة علاقات مع دمشق قبل حصول انفراج سياسي حقيقي بين السلطة والمعارضة. فهل تتحدى الامارات واشنطن؟ أم ان الزيارة تتم بضوء أخضر. هذا سؤال أول، وذلك لان واشنطن كانت قد قالت مطلع العام الحالي بلسان الناطق باسم خارجيتها : ” إننا نحث الدول والمنظمات في المنطقة التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد على النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها النظام ضد الشعب السوري على مدى العقد الماضي”. فهل غيّرت واشنطن رأيها في محاولة لاستمالة الاسد بعد توتر علاقاتها مع روسيا، أم ان الإمارات اقدمت على استقبال الأسد بلا ضوء أخضر ولاسباب سنعرفها لاحقا؟
ثم إن زيارة الأسد الى دبي، تأتي غداة استقبال موسكو لوزير الخارجية الاماراتي، وذلك وسط اسئلة كثيرة طُرحت حول مواقف الإمارات والسعودية ودول خليجية أخرى من الحرب الأوكرانية، ذلك ان الدول الخليجية الرئيسة بدت مترددة في ادانة الغزو الروسي، وكذلك غير متحمّسة للتجاوب مع الضغوط النفطية التي تُمارسها واشنطن والدول الغربية. فهل زيارة الاسد تستكمل شيئا ما من هذا القبيل. هذا هو السؤال الثاني.
وأما السؤال الثالث فيتعلق بالجهود التي تتولاها الامارات العربية المتحدة لاعادة سورية الى مقعدها في جامعة الدول العربيةوهو ما يتطلب خليجيا، موافقة السعودية وقطر عليه، فهل الزيارة تعكس شيئا من هذا القبيل، أم ان هذا الأمر الذي يتطلب اجماع كل دول الجامعة ما زال سابقا لأوانه. المعلومات تُفيد بان مساعي الامارات في هذا السياق تقدّمت كثيرا في الآونة الأخيرة .
ويبقى سؤال رابع يتعلق باحتمالات وساطة اماراتية لانهاء الحرب في سورية، وهذا يعني لعب أدوار بعيدة عن الاضواء على أكثر من ساحة وفي أكثر من عاصمة، واذا كانت الولايات المتحدة الاميركية قد قالت منذ تولي الرئيس بايدن السلطة بأنها عازمة على الانسحاب من المنطقة، ثم أرجأت ذلك لاسباب أمنية ودعما لحليفها الكردي، فان العلاقات الممتازة حاليا بين روسيا والامارات من جهة ، وأبو ظبي واسرائيل من جهة ثانية، والتي تتحسن أيضا وبوتيرة جيدة مع إيران، تسمح بالتفكير بدور اماراتي يتعلق بالعمل على استئناف مفاوضات غير مباشرة بن دمشق وتل أبيب، لكن ثمة من يؤكد في دمشق أن هذا الأمر ما زال بعيدا عن الواقع، وان سورية لا تعارض العودة الى التفاوض لكن بشرط القبول الاسرائيلي المبدئي باعادة هضبة الجولان كاملة، وهو أمر ليست اسرائيل بوارد القبول به حاليا.
كان زوّار الأسد قد نقلوا عنه مؤخرا قوله :” نحن نعتبر ان الحرب السورية قد انتهت وبدأنا الآن ورشة اعادة بناء سورية وإيجاد حلول للوضع الاقتصادي، ولا شك أن هذا الأمر صعب لكننا في الطريق السليم” ربما كان يقصد تماما هذا الانفتاح الاماراتي والعربي على بلاده والآخذ بالتوسع، إما علانية أو في الغرف المُغلقة.
كل ما تقدّم لا يزال في طور التكهّنات، لكن الأكيد ان هذه الزيارة تُشكّل خرقا دبلوماسيا وسياسيا كبيرة، ومفاجأة لكثيرين، ولا شك ان فيها رسائل متبادلة من الصعب معرفتها في الوقت الراهن.
أما رسميا فقد وزّعت الرئاسة السورية الخبر التالي:
زار السيد الرئيس بشار الأسد دولة الإمارات العربية المتحدة والتقى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وذلك في استراحة سموه في المرموم بدبي.
ورحّب الشيخ محمد بن راشد خلال اللقاء بزيارة الرئيس الأسد والوفد المرافق، والتي تأتي في إطار العلاقات الأخوية بين البلدين، معرباً عن خالص تمنياته لسورية وشعبها أن يعم الأمن والسلام كافة أرجائها، وأن يسودها وعموم المنطقة الاستقرار والازدهار بما يعود على الجميع بالخير والنماء.
وتناول اللقاء مجمل العلاقات بين البلدين وآفاق توسيع دائرة التعاون الثنائي لاسيما على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والتجاري، بما يرقى إلى مستوى تطلعات الشعبين الشقيقين.
حضر اللقاء سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي، وسمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير المالية، وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة، ومعالي محمد بن عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء، ومعالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لصاحب السمو رئيس الدولة، ومعالي علي بن حماد الشامسي نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني، ومعالي طلال حميد بالهول الفلاسي المدير العام لجهاز أمن الدولة في دبي.
كما حضره الوفد المرافق للرئيس الأسد الذي يضم الدكتور فيصل المقداد وزير الخارجية والمغتربين، ومنصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية، والدكتور بشار الجعفري نائب وزير الخارجية والمغتربين.
وكان في استقبال الرئيس الأسد لدى وصوله إلى مطار دبي الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة.
لعبة الأمم