الجمعة , نوفمبر 22 2024
ناصر قنديل: أبعاد زيارة الرئيس الاسد الى الإمارات

ناصر قنديل: أبعاد زيارة الرئيس الاسد الى الإمارات

ناصر قنديل: أبعاد زيارة الرئيس الاسد الى الإمارات

بمقدار ما كانت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى دولة الإمارات متوقعة بعد سلسلة الخطوات الإماراتيّة نحو دمشق، والتي توّجتها زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سورية ولقائه بالرئيس بشار الأسد، جاءت الزيارة صدمة قاسية لكل الذين راهنوا على سقوط سورية، الذين اعتبروا رغم الانتصارات السورية، أن استمرار القطيعة العربية معها تعبير عن بقاء الأمل بإضعاف سورية مجدداً، وهم يعلمون أن الإمارات في قلب مركز صناع قرار القطيعة العربي مع سورية الذي يمثله الخليج، وأنها ليست دول هامشية في الخليج، فهي والسعودية كانتا ولا تزالان ثنائي صناعة القرار، رغم حضور دول مستقلة كعُمان، ودول تناصب سورية العداء تلبية لرغبة تركية كحال قطر، وميزة الإمارات التي غالباً ما تنسق مع السعودية في التفاصيل، أنها تملك هامشاً من الحركة أوسع من الهامش السعودي، وأنه رغم ما قد يصدر من واشنطن والرياض حول خطوتها، فإنها الأقرب الى النبض الفعلي لهما، كما يقرأ الكثيرون خطواتها في التطبيع مع كيان الاحتلال، أو أن الإمارات هي الأقل بعداً عن الرغبة بالخصومة مع الرياض وواشنطن، وقد وضع الكثيرون خطواتها بالانفتاح على إيران ضمن هذا السياق الاستباقي لنجاح الحوار الأميركي والسعودي مع إيران، ولذلك فإن ما لا يمثل توجهاً مستقبلياً للرياض وواشنطن، لا تبادر إليه أبو ظبي، إلا إذا اطمأنت أنه لا يقع ضمن دائرة الخطوط الحمر التي تتسبب بالبعد عنهما، ولذلك كانت الزيارة صدمة قاسية على هؤلاء المراهنين ضد سورية، وخصوصاً ضد رئيسها، وعلى رأسهم قادة تشكيلات التورط في الحرب على سورية الذين تصدّروا واجهات المعارضة السورية، وطالما استمتعوا كثيراً بالإقامة في منتجعات وفنادق السبعة نجوم في دبي وأبوظبي، شعروا بانتهاء صلاحيتهم وقد تحولت الزيارة الى الصحن الرئيسي على مائدة احتفالاتهم بذكرى ما سموه ذات يوم بـ «الثورة السورية».

– الزيارة تعبير عن نقلة نوعية في العلاقات بين الحكومتين، تقول إن التقدم إلى الأمام خطوة كبيرة بات حاجة ملحة، لكلتيهما، من دون ان يعني ذلك تغييرا في التموضع الأصلي لدولتين لا تتخذ فيهما الخيارات بالارتجال والانفعال، فلا الإمارات بوارد مغادرة محور واشنطن والرياض، ولا سورية بوارد فك تحالفها مع طهران وموسكو، وبمثل ما لا يبدو خيار التطبيع الإماراتي مع كيان الاحتلال مطروحا لإعادة النظر، تبدو سورية أشد تمسكاً بموقعها القيادي الفاعل في محور المقاومة، بينما قد تشهد مناطق تباعد أخرى بين دمشق وأبو ظبي على الطاولة، بصفتها مواضيع تباعد يحتاج حلفاء الفريقين في الإقليم لتلاقي دمشق وابوظبي كنقطة بداية لحلحلتها. فمن جهة طهران الذاهبة للفوز بنصرها النووي مجدداً، والراغبة بتجاوز ملفات التصعيد مع الجيران في الخليج، ومن جهة الرياض التي تدرك حجم تأثير حرب أوكرانيا على تراجع الاهتمام الأميركي والغربي بأزمات المنطقة، وفي مقدمتها حرب اليمن، وتدرك ان واشنطن لم تقم حساباً لتحفظاتها على الاتفاق النووي مع إيران، وتدرك بالتالي ان كلفة التفاهمات الإقليمية تبقى أقل من كلفة انتظار الحلول السحرية الدولية، بل إن في الرياض توجهاً يقول إن صناعة موقع خليجي يتناسب مع موقع الخليج في سوق الطاقة، وفي ضوء قراءة التوازنات الدولية الجديدة، يستدعي مسافة في منطقة وسط تبتعد بنسبة معينة عن واشنطن، وتقترب بنسبة أخرى من بكين وموسكو، وثمة من يقول أكثر من ذلك، إنه يلتقي مع دعوات الرئيس السوري بشار الأسد منذ أكثر من عقد الى قراءة المتغيرات الدولية، ووقع المنطقة في فراغ استراتيجي، والإيمان أنه بمستطاع الخليج وإيران وسائر العرب تشكيل قطب جاذب على درجة عالية من الاستقلال، وهو مضمون دعوة الرئيس الأسد يومها لصيغة دول البحار الخمسة، قزوين والبحرين الأسود والأحمر والبحر المتوسط والخليج.

– عشية التحضيرات للقمة العربية في الجزائر، يأتي لقاء القمة السوري الإماراتي، مليئاً بالحديث عن الوضع العربي، والحاجة للتلاقي، والتفكير بصورة مختلفة ومشتركة لاستعادة الدور العربي في السياسات الإقليمية، وتقول الإمارات، إن سورية ركيزة من ركائز الأمن العربي، وتعلن الدعوة لخروج القوات الأجنبية غير الشرعية من الأراضي السورية، والتمسك بحق الدولة السورية بسيادتها الكاملة على أراضيها واستعادة وحدتها، وسط مؤشرات تشير الى تبلور موقف خليجي يضع الانسحاب التركي من سورية كشرط لتطبيع العلاقات الخليجية التركية، وقناعة تقوم على اعتبار سورية جسر ثقة يمكن له التأسيس لعلاقة استراتيجية غير نفطية مع روسيا والصين، يدخل ضمنها الحصول على شبكات صواريخ اس 400 وبناء مفاعلات نووية سلمية، وبيع النفط بسلة عملات تنهي حصرية اعتماد الدولار، وحوار آمن مع إيران، تدخل فيه كل التفاصيل المتصلة بالأمن المتبادل في الخليج، انطلاقاً من التعاون لإنهاء حرب اليمن، التي تقول بعض المؤشرات ان المبادرة الخليجية غير المكتملة تمثل أحد التعبيرات الأولى عن الاقتراب من صياغة موقف خليجي جديد يلاقي إيران في منتصف طريق، ربما يكون مطلوباً من سورية والإمارات صياغته.

– اللقاء الإماراتي السوري، هو من جهة تعبير عن اعتراف إماراتي بالنصر السوري، واستعداد إماراتي لتشكيل رأس جسر للاعتراف العربي بهذا الانتصار، وسيكون من السخافة بمكان مطالبة سورية من موقع خلافات كثيرة أخرى مع الإمارات إدارة الظهر له، وبالمقابل فإن هذا اللقاء بمثل ما انه لا يعني تراجعاً سورياً عن أي من ثوابتها، خصوصاً تجاه فلسطين والمقاومة، فهو لا يعني انتقال الإمارات إلى محور المقاومة، وبمقدار ما يستحق اللقاء التنويه والإشارة، فهو لا يكفي للتخلي عن اللغة النقدية لسياسة الإمارات، على الأقل في ملفي التطبيع وحرب اليمن، ولو أن البعض كان ينتظر لحظة نهاية القطيعة الإماراتية السورية ليسارع في تقديم أوراق اعتماده في أبوظبي لحسابات مالية لا سياسية ولا مبدئية، يعرفها الإماراتيون جيداً، لكن الحريصين على تحسين شروط الواقع العربي واثقون بأن للانفتاح على سورية عائدات قد لا يتوقعها أصحابها، ومنها تنفس هواء مشبع بالكرامة العربية قد يبدأ بريح شمالية، لكنه سينتهي حكماً بالهواء القبلي المنعش، الآتي من فلسطين، وحتى ذلك الحين سنبقى نقول إن التطبيع خطيئة وليس مجرد خطأ.

البناء

اقرأ ايضاً:القبض على محتال يمنح المواطنين تحليل كورونا و بطاقات لقاح مزورة لقاء 150 ألفا!