لماذا لا تخشى روسيا العقوبات؟
اكتسب الروس خبرتهم مع العقوبات من مقاربة وقراءة التجربة الأميركية والغربية مع إيران، حيث أطول برنامج عقوبات زمنياً، وأكثر برامج العقوبات قسوة وشمولاً للقطاعات الاقتصادية والمالية والشخصيات العامة.
أول ما تقوله التجربة الإيرانية هو أن المفعول النفسي للعقوبات أكبر من مفاعيلها الواقعية، ومتى تمّ الاستعداد للتأقلم مع العقوبات فقدت نصف تأثيرها، ومتى تم تحويلها من تحدٍّ الى فرصة لبناء اكتفاء ذاتي في مجالات والتوجه لأسواق بديلة في قطاعات أخرى، وقيادة برامج إعلامية ووطنية لنقل الناس من عادات فرضتها قواعد النمط الاستهلاكي الغربي الى عادات استهلاكية مختلفة، يمكن حصر أضرار النصف الثاني وربما تحويلها من مصدر للخسائر الى أرباح. وهذا معنى الصمود السياسي والشعبي الإيراني عند الثوابت السياسية والوطنية رغم العقوبات، والصمود الاقتصادي والاجتماعي في ظلها.
من دروس الخبرة الإيرانية بالمقارنة مع الواقع الروسي، فإن ما لم تفعله العقوبات بالاقتصاد الإيراني الأضعف بكثير من الاقتصاد الروسي، لن تستطيع فعله بروسيا، فلدى روسيا ميزتان إضافيتان إستراتيجيتان على الأقل، الأولى ملف الغاز والنفط مع أوروبا، بحيث يؤدي شموله بالعقوبات الى انفجار في سوق الطاقة العالمي والأوروبي خصوصاً، وبالمقابل يؤدي بقاؤه خارج العقوبات كما هو حاصل الآن، وهو ما لم يحصل مثله مع إيران، الى إضعاف الكثير من تأثيرات العقوبات وتعطيل الكثير من مفاعيلها، والثانية وجود احتياطات مالية ضخمة لروسيا في البنوك الصينية وبالعملات الصينية، مع اتفاق مسبق بدأ يظهر الى العلن برفض الصين تطبيق العقوبات الأميركية على روسيا، وهذا لم يحدث مع إيران. وها هي النتيجة أن روسيا تملك ما يكفي من المال لسنتين قادمتين لتغطية كل إنفاق الدولة، حتى لو لم يدخل خزينتها قرش واحد، فكيف ومواردها من بيع النفط والغاز تزداد كميات وأسعاراً وعائدات؟
الخبرة الأهم في ملف العقوبات وفقاً للتجربة الإيرانية، ان واشنطن بعدما يئست من تطويع إيران، وبسبب الخشية من امتلاك إيران للسلاح النووي لجأت الى التفاوض لرفع العقوبات، ومنها ما بدا توقع التراجع الأميركي عنه صعباً كتصنيف الحرس الثوري على لوائح الإرهاب الأميركية، وهذا يعني ببساطة أن نجاح روسيا بتحقيق أهداف عمليتها العسكرية سيعيد وضع العقوبات على الطاولة للتفاوض، ربما ضمن صيغة تشبه الخمسة زائداً واحداً، مقابل تفادي المواجهة النووية، وليس مجرد امتلاك سلاح نووي.
لذلك تدير موسكو اذناً صماء لحديث العقوبات وتضع نصب أعينها الفوز بنتائج العملية العسكرية، لأن الباقي سيكون مجرد تفاصيل.
اقرأ ايضاً:توقّعات تركية باتفاق قريب: صاروخ «كينجال» الروسي يدخل الحرب