سيناريوهات نهاية العالم كما يتوقعها الجيش الأمريكي!
قبل عدة سنوات عرض فيلم الخيال العلمي «Interstellar» في دور السينما الأمريكية، وربما يرى البعض أن قصته التي تعرض معاناة نهاية العالم المستقبلية من التغير المناخي، والآثار المتعلقة بالظاهرة وأبرزها انتشار الأمراض والمجاعات «مبالغ فيها»، لكن الجيش الجيش الأمريكي له رأي آخر.
تقرير أمريكي صدر مؤخرًا، شارك في إعداده نخبة من مسؤولي الحكومة الأمريكية رفيعي المستوى ينتمون لعدة وكالات حكومية رئيسية، أهمها الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات الدفاعية ووكالة «ناسا»، حذر من سيناريوهات مرعبة لنهاية العالم خلال العقدين المقبلين، بسبب التغير المناخي، تشمل احتمالية انهيار الجيش الأمريكي نفسه.
التقرير الذي يحمل عنوان «آثار تغير المناخ على الجيش الأمريكي»، صدر في مايو (آيار) الماضي عن كلية الحرب الأمريكية بالشراكة مع وكالة «ناسا» (الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء)، تحت إشراف الجنرال، مارك ميلي، الذي أصبح منذ أيام رئيس أركان الجيش الأمريكي، وأتيح للجمهور في أغسطس (آب) عبر الموقع الإلكتروني لـ«مركز المناخ والأمن» (بحثي غير حزبي)، ولم يحظَ بالاهتمام في ذلك الوقت، لكن الأمر تغير في الوقت الراهن مع تسليط الإعلام الضوء عليه.
هل ينهار الجيش الأمريكي؟
بصفة عامة، يمكن أن يواجه الأمريكيون مستقبلًا مروعًا خلال العقدين المقبلين، بسبب التغير المناخي، ينطوي على غياب مصادر الطاقة، والمرض، والعطش، والمجاعة والحرب، ما يتطلب استعدادات عاجلة وسريعة في وزارة الدفاع الأمريكية لاحتمالية انهيار أنظمة الطاقة والمياة والطعام بسبب تأثيرات التغير المناخي مع الاقتراب من منتصف القرن الحالي.
كما أن الجيش الأمريكي قد يجد نفسه مطالبًا بالاستعداد لتدخلات خارجية في النزاعات التي تنشأ مستقبلًا بسبب تغير المناخ، على غرار الحالة السورية، وبالأخص في حالة بنجلاديش، باعتبارها البلد الأكثر عرضة للانهيار المناخي في العالم.
ومن المتوقع أن يُحدِث النزوح المستقبلي لجزء كبير من سكان بنجلاديش كارثة إقليمية يمكن أن تفاقم عدم الاستقرار في العالم؛ ما يعني أن كارثة في دولة واحدة بسبب تغير المناخ تحمل تداعيات عالمية خطيرة. ويجب الأخذ في الحسبان أن 600 مليون شخص حول العالم يعيشون في مستوى سطح البحر؛ ما يجعلهم في مرمى تأثير التغيرات المناخية.
كما أن ارتفاع منسوب البحر، والذي من الممكن أن يتخطى المترين بحلول عام 2100، يمكن أن يؤدي لنزوح عشرات (إن لم يكن المئات) من الملايين، ما سيخلق عدم استقرار هائل ومستدام في العالم، وفي ضوء ذلك، يؤكد التقرير أن الولايات المتحدة لابد أن تكون جاهزة للاستجابة، ليس فقط في بنجلاديش، ولكن في عدة مناطق أخرى، مثل القطب الشمالي سريع الانصهار، حيث يمكن أن يستفيد الجيش الأمريكي من موارده الهيدروكربونية وطرق العبور الجديدة للمنطقة، لصد الزحف الروسي للسيطرة عليها.
لكن بدون إصلاحات عاجلة، فإن الجيش الأمريكي نفسه قد ينهار في نهاية المطاف، وهو يحاول التعاطي مع الانهيار المناخي، كما يمكن أن تفشل مهامه في الخارج بسبب النقص الحاد في إمدادات المياة، الناجم عن التغير المناخي.
الأمن الغذائي الأمريكي في مهب الريح
يرسم التقرير الأمريكي صورة مرعبة لبلد ينهار على مدار العشرين عامًا القادمة بسبب تأثيرات تغير المناخ على النظم الطبيعية مثل المحيطات والبحيرات والأنهار والمياه الجوفية والشعاب المرجانية والغابات، وفي هذا الإطار، فإن البنية التحتية الحالية للولايات المتحدة غير مؤهلة بشكل كبير للتعاطي مع تغير المناخ والآثار الناجمة عنه؛ لأن معظم البنى التحتية الحيوية ليست مبنية على الصمود أمام مثل هذه الظروف المتغيرة.
ويقول التقرير في هذه النقطة «ما يقرب من 80% من الصادرات الزراعية للولايات المتحدة، و78% من الواردات تنقل من وإلى الولايات المتحدة عبر المياة، مثل المحيطات والبحار، وهذا يعني أن سلسلة الفيضانات المتوقعة بسبب تغير المناخ يمكن أن تتسبب في أضرار دائمة للبنية التحتية لأنظمة الشحن والتفريغ»، وسيكون لهذا السيناريو، تداعيات مهددة للحياة في الولايات المتحدة، وتلحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد الأمريكي، والأمن الغذائي العالمي.
من الكهرباء إلى الطاقة النووية.. شبكة الطاقة الأمريكية في عين العاصفة
كما أن شبكة الطاقة القومية الأمريكية معرضة للخطر، ويمكن أن تتوقف عن العمل بشكل كامل بسبب ضغوط المناخ المتغير، وخاصًة المستويات المتغيرة لهطول الأمطار، وتعد شبكة الكهرباء الأمريكية من البنى التحتية القديمة المستمرة في العمل منذ فترة طويلة دون استثمار كبير ومنسق في بنيتها التحتية. كما توجد ثغرات في محطات توليد الطاقة والبنية التحتية لنقل الكهرباء ومكونات نظام التوزيع.
ونتيجة لذلك، فإن الطلب المتزايد على الطاقة نتيجة تغير المناخ وأنماط الطقس الجديدة مثل فترات الحرارة والجفاف والبرد الطويلة، يمكن أن يطغى في النهاية على نظام هش بالفعل، ويؤدي لتوقفه، ويبدو أن آثار التغير المناخي بدأت في الظهور بالفعل، حيث قامت شركة «PG & E» بقطع التيار مؤخرًا، في جميع أنحاء كاليفورنيا لتجنب اندلاع حرائق كارثية بسبب الكهرباء.
وفي حين أن تغير المناخ يكثف موسم الجفاف، ويزيد من مخاطر الحريق، تتعرض شركة «PG&E» للانتقادات بسبب فشلها في إصلاح شبكة الكهرباء المتعثرة في الولاية، ويمكن أن يكون انقطاع الكهرباء في كاليفورنيا بمثابة محاكاة لما يمكن أن يحدث مستقبلًا، حيث يعرض سيناريو لما يمكن أن يحدث في حالات تغير المناخ بمستويات كبيرة.
وتسرد إحدى الفقرات في تقرير الجيش الأمريكي، العواقب المروعة لتغير المناخ على شبكة الكهرباء «إذا انهارت البنية التحتية لشبكة الكهرباء نتيجة لتغير المناخ ستواجه الولايات المتحدة تجربة صعبة، حيث تفقد البلاد في هذه الحالة الأطعمة القابلة للتلف والأدوية، ونظم توزيع المياه، ونظم التدفئة وتكييف الهواء والإضاءة الكهربائية، وأنظمة الكمبيوتر والهاتف والاتصالات، وأنظمة النقل العام، ونظم توزيع الوقود وأنابيب الوقود، وجميع الأنظمة الكهربائية التي ليس لديها طاقة احتياطية».
على الرغم من أن التقرير لا يعرض مزيد من التفاصيل، إلا أنه يقر بأن «فشل شبكة الكهرباء الوطنية وتوقفها عن العمل سيؤدي لمشاكل كبيرة في البلاد تتطلب ردود فعل عسكرية طارئة والتي يمكن أن تضعف في نهاية المطاف قدرة الجيش الأمريكي على مواصلة العمل، ولا يتوقف الأمر عند ذلك؛ لأن هناك خطرًا كبيرًا على منشآت الطاقة النووية بسبب تهديدات المناخ، ويتوقع أن يصل الأمر إلى إغلاقها المؤقت أو الدائم.
ويوجد حاليًا 99 مفاعلًا نوويًا في الولايات المتحدة، توفر حوالي 20% من الطاقة المستخدمة في البلاد، لكن غالبية هذه المفاعلات، حوالي 60%، تقع في المناطق المعرضة للخطر التي تواجه «مخاطر كبيرة» بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر والعواصف الشديدة ونقص المياه.
انتشار البعوض والقراد
في سيناريو آخر يمكن أن تؤدي التغيرات المناخية لانتشار أمراض معروفة وغير معروفة في الولايات المتحدة. وفي هذه الحالة، سيكون تدخل الجيش الأمريكي ضروري لاحتواء تفشي الأمراض في المستقبل، ومن المنتظر أن تشهد المناطق الجنوبية في الولايات المتحدة زيادة في هطول الأمطار بين 0.5 و0.8 ملم في اليوم، إلى جانب زيادة في متوسط درجات الحرارة السنوية من إحدى إلى ثلاث درجات مئوية بحلول عام 2050.
ويمكن أن تؤدي هذه الظروف الجديدة إلى انتشار البعوض والقراد؛ ما سيؤدي بدوره إلى تحفيز انتشار الأمراض التي قد تكون غير معروفة من قبل في الولايات المتحدة، وتسريع انتشار الأمراض الموجودة حاليًا بأعداد صغيرة جدًا مثل «زيكا» وفيروس «النيل الغربي» والعديد من الأمراض الأخرى.
نهاية العالم.. حروب ونزاعات لا تنتهي وبنجلاديش الأكثر هشاشة
لا يتحدث التقرير فقط عن الحاجة الملحة لبنية تحتية عسكرية ضخمة للتدخل في الكوارث المحلية مثل توقف شبكة الكهرباء عن العمل، ولكن ينذر بتدخلات دولية في النزاعات على غرار الأزمة السورية، ويمكن أن تكون الحرب الأهلية السورية التي شهدت تدخل أطراف دولية وإقليمية نموذجًا للصراعات المستقبلية الناجمة عن تغير المناخ.
ويقول التقرير في هذا الإطار: «لا شك أن الصراع تزامن مع موجة جفاف كبيرة في المنطقة أجبرت سكان الريف على الانتقال إلى المدن السورية في نفس الوقت الذي وصلت فيه أعداد كبيرة من اللاجئين العراقيين إلى تلك المدن».
إلا أن أكثر الحالات إلحاحًا لتدخل أمريكي محتمل، هي دولة بنجلادش في جنوب آسيا، نظرًا لأن نصف سكانها البالغ عددهم 160 مليون نسمة يعيشون حاليًا عند مستوى سطح البحر. ومن المتوقع أن يتم تشريد حوالي 80 مليون بنجلاديشي حين تصبح المناطق الضخمة في البلاد «غير صالحة للسكن» بسبب تأثيرات المناخ، وينتظر أن يكون لهذه الكارثة المتوقعة في بنجلادش تأثير كبير على الاستقرار في آسيا، التي يقطنها ما يقرب من 40% من سكان العالم، وكذلك على الاستقرار العالمي.
ندرة المياه وزعزعة استقرار الجيش الأمريكي
في حين أن ارتفاع مستوى سطح البحر يوفر نوعًا معينًا من المخاطر، فإن النوع الآخر يأتي من ندرة المياة بسبب تغير المناخ، والزيادة السكانية، وسوء إدارة مصادر المياه. ويقول التقرير: «إن ندرة المياة تمثل خطرًا على المدى القريب يؤدي إلى الاضطرابات المدنية وعدم الاستقرار السياسي».
وبحلول عام 2020، سيتجاوز الطلب العالمي على المياة العذبة المتوفر منها في العالم، وبحلول 2030، سيعيش ثلث سكان العالم في «مناطق مجهدة مائيًا» في شمال أفريقيا وجنوب أفريقيا والشرق الأوسط، والصين والولايات المتحدة، ووفق التقرير، فإن ندرة المياة ستؤدي إلى زيادة الاضطراب الاجتماعي في المناطق الفقيرة خلال العقدين المقبلين.
وندرة المياه، وفق التقرير، ستكون محرك أساسي لفشل محتمل في نظام الغذاء العالمي؛ مما يؤدي لاندلاع «صراعات أهلية واضطرابات اجتماعية»، ويصور التقرير نظامًا غذائيًا عالميًا يتعطل بشكل متزايد بسبب «دورات ذوبان الجليد، وتدهور التربة، واستنزاف طبقات المياه الجوفية، وانتشار الآفات والأمراض الزراعية بشكل مكثف، والأضرار التي تلحق بالبنية التحتية للشحن نتيجة للفيضانات».
وتوقع التقرير أن يؤدي عدم استقرار النظام الغذائي إلى «زيادات كبيرة في عدد الوفيات في الأماكن المعرضة للخطر، وهي تلك التي يكون فيها التدخل الإنساني من قبل وزارة الدفاع، مدعوم على الأرجح»، لكن التدخلات العسكرية، خاصة في المناطق الشحيحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قد لا تكون ممكنة في المستقبل القريب، ما لم يجد الجيش الأمريكي حلًا أو تقنيات جديدة لتوزيع مستويات كافية من المياه على الجنود، وفق التقرير الذي توقع «فشل مهام الجيش الأمريكي الخارجية بسبب ندرة المياه».
واستنتج التقرير أن الجيش الأمريكي نفسه قد ينهار في نهاية المطاف، وهو يحاول التعاطي مع الانهيار المناخي؛ بسبب كثافة وتعدد المهام التي يضطلع بها دون تأهيل أو تدريب، وندرة المياة، مطالبًا بتخصيص الأموال للجيش، وتدريبه على هذه المهام لتفادي هذا السيناريو، وللقدرة على التعامل مع مظاهر نهاية العالم هذه.
انتقادات هامة للجيش الأمريكي وتقريره
لكن التقرير الأمريكي يتعرض لـ«انتقادات كبيرة»، فبالرغم من أنه رسم سيناريوهات المستقبل المرعبة بسبب تغير المناخ، لم يطرح توصيات تعالج أسباب الظاهرة، وأسقط حقيقة أن الجيش الأمريكي أحد المتسببين الرئيسين في تغير المناخ لأنه أكبر مستخدم للوقود الأحفوري في العالم، وهذا الأخير يسبب الجانب الأكبر من انبعاثات الكربون.
اقرأ ايضاً:هل يستطيع الروس الصمود أمام هجمة الغرب؟