كمال خلف: هل حضر الجولان في أبو ظبي وشرم الشيخ وموسكو؟
كمال خلف
حفل الأسبوع المنصرم بكم كبير من التحليل حول زيارة الرئيس السوري “بشار الأسد” الى دولة الامارات العربية المتحدة ، وكلها كانت تدور حول قضايا لاشك انها تشكل محور اهتمام لدى البلدين ، سواء كان عقد القمة العربية المقبلة في الجزائر ، وجهود رفع تجميد عضوية سورية في مجلس الجامعة وكسر عزلتها المتواصلة منذ عشر سنوات ، او قضايا اقتصادية باعتبار ان أولوية سورية الان هو هذا الجانب نظرا للازمة المعيشية الخانقة التي تعيشها البلاد . إضافة الى الحوار الخليجي مع ايران باعتبار دمشق الحليف الأقرب لطهران ، وكانت قد لعبت دور جسر تواصل وتوزان لعقود ، قبل ان تدخل في الحرب المدمرة عام ٢٠١١ . كل هذه الإشارات قد تكون مهمة وفي صلب الزيارة .
لكن ثمة من ذهب بعيدا في التحليل الى الإشارة بان أبو ظبي تسعى لجر سورية نحو التطبيع مع إسرائيل ، ويعتمد أصحاب هذه النظرة على العلاقة الحميمية التي باتت تجمع تل ابيب بابوظبي . واعتقد ان أصحاب هذا الراي لا يعرفون سورية جيدا ولا السوريين ، ولا يمكن مطلقا وجزما للرئيس” بشار الأسد” او أي حاكم لسورية ان يخطو خطوة واحدة على طريق التطبيع مع إسرائيل قبل استعادة كامل الجولان السوري المحتل كحد ادنى . ولذلك نجزم من باب التحليل ان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد لم يفاتح الأسد او يلمح لذلك خلال الزيارة لا من قريب او بعيد . وهو المدرك لموقف القيادة السورية والعالم مسابقا برايها.
لكن و من باب التحليل كذلك، لا نستبعد ان ابن زايد طرح فكرة احياء مفاوضات السلام مع إسرائيل حول الجولان . وهي مفاوضات قطع الجانبان السوري والإسرائيلي فيها اشواطا متقدمة جدا في عهد الرئيس السوري الراحل” حافظ الأسد”، الذي انتزع اعترافا خطيا من رئيس حكومة إسرائيل المقتول “إسحاق رابين” بحق سورية بكامل الجولان ، وانسحاب إسرائيل لحدود الرابع من حزيران ٦٧ فيما عرف لاحقا ب “وديعة رابين”، والتي بقيت وديعة بجيب الراعي الأمريكي .
وتعلم إسرائيل الان رغم ضمها للجولان، وحصولها على هدية من الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب” باعترافه بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية ، ان السوريين ورغم كبوة الحرب وماساة الحصار، يسعون في هذا الوقت بكل جهد لاعادة تنظيم بلادهم وامكاناتهم ، وتجميع أوراق ميدانية عسكرية وسياسية ، للعودة الى مراحلة الضغط وتدفيع إسرائيل ثمن احتلال الجولان ، وجعل الملف مرة أخرى في سياق التحديات والمخاطر التي تهدد إسرائيل . ووفق ذلك تدرك تل ابيب ان انها في المستقبل ستضطر الى الانسحاب من الجولان سلما بالتفاوض او بالقوة عبر الضغط الميداني متنوع الاشكال.
الحماسة لاطلاق هذه المفاوضات التي نعتقد ان ابن زايد فاتح الأسد بها في أبو ظبي ، لا تنبع من القيادة الامارتية بالدرجة الأولى ، انما من موسكو . قد تجد روسيا باطلاق هذه المفاوضات فوائد متعددة ، أولها تثبيت نجاح دبلوماسي غير تقليدي في الشرق الأوسط من بوابة “السلام”، ومن خلال اعقد قضايا الصراع في الشرق الأوسط ، وفي هذا التوقيت الحساس الذي تخوض فيه صراعا شرسا مع الغرب الأطلسي في أوكرانيا. وفي الوقت الذي تغادر فيه الولايات المتحدة المنطقة ، من ناحية أخرى ربما ترى روسيا ان هذه المفاوضات افضل الطرق لكسر عزلة سورية على الساحة الدولية ، وستجر دول غربية وعربية للانخراط لدعم هذا المسار وتشجيعه . وعلى المستوى الميداني المعقد في سورية بالنسبة للروس فان هذا المسار سوف ينزل عن كاهل روسيا الحرج والحساسية التي تسببها الغارات الإسرائيلية المتكررة على سورية .
لذلك من المحتمل ان وزير خارجية الامارات “عبد الله بن زايد ” كان قد رتب لهذا الاقتراح في روسيا خلال لقائه وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” قبل يوم واحد من زيارة الأسد لابوظبي .
وقد يكون ذلك تفسيرا للقمة المفاجئة بين “|محمد بن زايد وعبد الفتاح السيسي ونفتالي بينت” في شرم الشيخ امس . وقد تكون أبو ظبي وروسيا استعانا بالقاهرة لطرح الفكرة على رئيس الحكومة الإسرائيلية، لتأخذ طابعا عربيا دوليا. كل هذه تبقى تكهنات قد تكشفها الأيام المقبلة او يثبت عكسها . الامر الوحيد الذي يمكن تأكيده ان سورية لن تطبع مع إسرائيل ، ولو ارادت ذلك لما دفعت ثمنا غاليا من دماء ودمار وحصار وعقوبات. واذا جنحت للتفاوض مرة أخرى فلن تفاوض من موقع ضعف ولن تتنازل عن متر واحد من ارضها. هذا اكيد ويقين.
رأي اليوم