تعرف إلى شكل العالم عندما كان قارة واحدة اسمها “بانجيا”
نشر موقع “لايف ساينس” الأمريكي تقريرًا تحدّث فيه عن القارة العملاقة القديمة بانجيا التي كانت موجودة منذ حوالي 300 مليون سنة عندما لم يكن للأرض سبع قارات وإنما قارّة واحدة عملاقة محاطة بمحيط واحد يسمى “بانثالاسا” المعروف باسم “أب المحيطات”.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21 لايت”، إن القارات العملاقة تشكلت وانفصلت نتيجة التموج والدوران في وشاح الأرض – الذي يشكل 84 في المئة من حجم الكوكب – على مدار تاريخ الكوكب البالغ 4.5 مليار سنة، وذلك وفقًا لهيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية. وقد أدى هذا التفكك وتشكيل القارات العظمى إلى تغيير تاريخ الكوكب بشكل جذري.
يقول بريندان مورفي، أستاذ الجيولوجيا في جامعة سانت فرانسيس كزافييه، في أنتيغونيش، إن “هذا ما دفع التطور الكامل للكوكب عبر الزمن وكان المحرك الرئيسي لتغيّره”. ومنذ أكثر من قرن من الزمان، اقترح العالم ألفريد فيغنر فكرة شبه القارة القديمة، التي أطلق عليها اسم بانجيا، بعد تجميع عدة أدلة عن جذورها.
وأشار الموقع إلى أن قارات الأرض كانت كلّها كتلةً واحدة، حسب السجل الجيولوجي للأرض.
وتكشف رواسب الفحم الموجودة في ولاية بنسلفانيا أن لها تركيبةً مماثلةً لتلك الموجودة في بولندا وبريطانيا العظمى وألمانيا. ويشير ذلك إلى أن أمريكا الشمالية وأوروبا كانتا في السابق يابسةً واحدة. وحسب مورفي، يكشف اتجاه المعادن المغناطيسية في الرواسب الجيولوجية كيف هاجرت الأقطاب المغناطيسية للأرض عبر الزمن الجيولوجي.
في السجل الأحفوري، توجد نباتات متطابقة مثل السرخس اللساني في قارات مختلفة ومتباعدة. كما أن السلاسل الجبلية التي تقع الآن في قارات مختلفة، مثل جبال الأبالاش في الولايات المتحدة وجبال الأطلس التي تمتد عبر المغرب والجزائر وتونس، كانت جميعها جزءًا من جبال بانجيا الوسطى، التي تشكلت من خلال اصطدام القارات العظمى مثل غندوانا ولوروسيا.
أوضح الموقع أن كلمة ” بانجيا” مشتقة من الكلمة اليونانية “بان” التي تعني “الكل” و”جيا” التي تعني الأرض. وقد تشكلت القارة العظمى من خلال مسار تدريجي امتد لبضع مئات الملايين من السنين. منذ حوالي 320 مليون سنة، حدث تصادم كبير بين غندوانا ولوروسيا والتضاريس المتداخلة لتشكل قارة بانجيا العملاقة”، وذلك وفقًا للفصل الذي كتبه علماء الأرض تروند تورسفيك وماثيو دومير وروبن كوكس.
حسب ما ورد في الفصل ذاته “لم تشمل بانجيا أبدًا جميع القارات في أي وقت”. فعلى سبيل المثال، “ظل المحيط تيثس القديم من بانجيا متسعًا أثناء العصر الفحمي وشكل ما يشبه الحاجز بين القارة العملاقة وعدد من التضاريس الآسيوية الكبيرة المستقلة، بما في ذلك حوض تاريم وشمال الصين وجنوب الصين وأناميا”. وفي وقت لاحق، خلال فترة العصر البرمي (299 مليون إلى 251 مليون سنة مضت ، “انجرفت العديد من تضاريس شبه الجندوانا السابقة من حافة شمال شرق جندوانا وبدأت في افتتاح في بحر تيثس”.
متى انقسمت بانجيا؟
أشار الموقع إلى أن بانجيا تفككت على عدة مراحل بين 195 مليون 170 مليون سنة مضت. بدأ التفكك منذ حوالي 195 مليون سنة في أوائل العصر الجوراسي، عندما انفتح المحيط الأطلسي.
وأكد الموقع أن غندوانا (ما يُعرف اليوم باسم إفريقيا وأمريكا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية والهند وأستراليا) انفصلت عن لوراسيا (أوراسيا وأمريكا الشمالية). ثم منذ حوالي 150 مليون سنة، تفككت غندوانا وانفصلت الهند عن القارة القطبية الجنوبية وانشفت أفريقيا وأمريكا الجنوبية، وذلك وفقًا لمقال نُشر سنة 1970 في مجلة البحوث الجيوفيزيائية. ومنذ حوالي 60 مليون سنة، انفصلت أمريكا الشمالية عن أوراسيا.
مناخ بانجيا
كانت بانجيا تمتاز بوجود كتلة يابسة واحدة ضخمة مصممة لدورات مناخية مختلفة جدًا. فعلى سبيل المثال، قد يكون الجزء الداخلي من القارة جافًا تمامًا كونه محبوسًا خلف سلاسل جبلية ضخمة حالت دون وصول الرطوبة إليه أو هطول الأمطار، على حد قول مورفي.
لكن مورفي قال إن رواسب الفحم الموجودة في الولايات المتحدة وأوروبا تكشف أن أجزاء من شبه القارة القديمة بالقرب من خط الاستواء لابد أنها كانت غابة استوائية مطيرة، على غرار غابات الأمازون. ومن خلال رواسب الفحم استدل مورفي على أنه كانت هناك حياة وفيرة على الأرض.
وأشار الموقع إلى أن النماذج المناخية من الجزء الداخلي القاري من بانجيا تُثبت أنه كان موسميًا للغاية. ووفقًا لدراسة نُشرت سنة 2016 في مجلة “باليوجرافي”، استخدم الباحثون البيانات البيولوجية والفيزيائية من تكوين منطقة مورادي، والتي تضم طبقات الباليوسولات في التربة الأحفورية في شمال النيجر، لإعادة بناء النظام البيئي والمناخ خلال الفترة الزمنية التي كانت فيها بانجيا موجودة. ومقارنةً بصحراء ناميب الأفريقية الحديثة وحوض بحيرة آير في أستراليا، كان المناخ جافًا بشكل عام مع فترات رطوبة قصيرة متكررة تضمنت أحيانًا فيضانات مفاجئة كارثية.
أثر المناخ على مواطن الحيوانات. فخلال أواخر العصر الترياسي، عاشت الحيوانات الشبيهة بالزواحف من عائلة “بركلوفونات” في منطقة واحدة، فيما عاشت عائلة كلبيات اللسان الفرعية من الثدييات في منطقة أخرى، حيث سكنت في منطقة استوائية واحدة من بانجيا، وكانت الأمطار الشبيهة بالرياح الموسمية تهطل مرتين في السنة. وفي الشمال، عاشت البروكولوفونيدات في المناطق المعتدلة حيث كانت الأمطار تهطل مرة واحدة فقط في السنة. وقال الباحثون إنه من المحتمل أن كلبيات اللسان كانت بحاجة إلى منطقة غنية بالمياه مما أدى إلى تقييد تحركاتها في بانجيا.
حيوانات بانجيا
كانت بانجيا موجودة منذ أكثر من 100 مليون سنة، وخلال ذلك الوقت ازدهرت العديد من فصائل الحيوانات. فخلال العصر البرمي، ازدهرت الحشرات مثل الخنافس واليعاسيب إلى جانب أسلاف الثدييات. لكن وجود بانجيا تزامن مع الانقراض البرمي-الترياسي، الذي يعد أسوأ انقراض جماعي في التاريخ، ويُعرف أيضًا باسم الموت العظيم. حدث ذلك منذ حوالي 252 مليون سنة وتسبب في انقراض 96 في المئة من جميع الأنواع البحرية وحوالي 70 في المئة من الأنواع البرية، وذلك وفقًا للجمعية الجيولوجية الأمريكية.
وأشار الموقع إلى أن الفترة المبكرة من العصر الترياسي شهدت ظهور الأركوصورات، وهي مجموعة من الحيوانات أدت في النهاية إلى ظهور التماسيح والطيور وعدد كبير من الزواحف، بما في ذلك التيروصورات. ومنذ حوالي 230 مليون سنة، ظهرت بعض أقدم الديناصورات في بانجيا، بما في ذلك الثيروبودات، وهي ديناصورات آكلة للحوم إلى حد كبير، وكان معظمها يمتلك عظامًا وريشًا يشبه الطيور.
دورة في التاريخ
قد لا يكون التكوين الحالي للقارات هو الأخير، فقد تشكلت القارات العظمى عدة مرات في تاريخ الأرض ثم انقسمت لتكوّن قارات جديدة. وفي الوقت الحالي ـ على سبيل المثال ـ تتجه أستراليا ببطء نحو آسيا، بينما ينفصل الجزء الشرقي من إفريقيا ببطء عن بقية القارة. واستنادًا إلى ظهور القارات العظمى الأخرى في عصر ما قبل الكمبري ـ أي قبل حوالي 4.5 مليار إلى 541 مليون سنة ـ يبدو أن القارات العظمى تتشكل بشكل دوري كل 750 مليون سنة، وذلك حسب دراسة أجريت سنة 2012 في مجلة “غندوانا ريسيرش”.
ابتكر العلماء مؤخرًا محاكاة علمية ثلاثية الأبعاد لفهم الآليات الكامنة وراء الحركة القارية بشكل أفضل.
وفي مقال نُشر سنة 2018 في مجلة “جيوساينس فرونتيرز”، ابتكر عالما الأرض ماساكي يوشيدا وم. سانتوش نماذج توضح كيف عملت حركة الصفائح التكتونية وقوى الحمل الحراري لوشاح الأرض معًا لتفكيك وتحريك الكتل الأرضية الكبيرة. فعلى سبيل المثال، عزلت كتلة بانجيا الكبيرة الوشاح تحتها، مما تسبب في تدفقات الوشاح التي أدت إلى الانهيار الأولي للقارة العظمى، فيما أدى التحلل الإشعاعي للغطاء العلوي إلى ارتفاع درجة الحرارة، مما تسبب في تدفقات الوشاح الصاعد التي قطعت شبه القارة الهندية وبدأت حركتها الشمالية.
ابتكر كل من يوشيدا وسانتوس نماذج جيولوجية إضافية للتنبؤ بالحمل الحراري وأنماط الحركة القارية بعد 250 مليون سنة في المستقبل. وتشير هذه النماذج إلى أنه على مدى ملايين السنين، سيُغلق المحيط الهادئ وستجتمع أستراليا وأمريكا الشمالية وأفريقيا وأوراسيا معًا في نصف الشمالي. وفي النهاية، ستندمج هذه القارات وتشكل قارة عظمى تسمى “أماسيا”. ومن المتوقع أن تظل القارتان المتبقيتان أنتاركتيكا وأمريكا الجنوبية غير متحركتين نسبيًا ومنفصلتين عن القارة العملاقة الجديدة.
عربي 21 لايت
اقرأ ايضاً:ليس الفهد في المرتبة الأولى كما نعتقد.. قائمة بأسرع 10 حيوانات في العالم