قبل خمس سنوات، ترشحت سيدة فينزويلية من أصول سورية، للدورة 65 من مسابقة ملكة جمال العالم، المقامة يومها في الفيليبين. كتب عنها الصحف والمواقع الإلكترونية العربية، أنها أول سورية تصل إلى هذه المرتبة من التنافس على لقب ملكة جمال العالم، وهي معلومة غير صحيحة. البداية كانت قبل ذلك بكثير، تعود إلى مطلع خمسينيات القرن العشرين.
في ربيع العام 1952 أعلنت الصحف اليومية عن إقامة أول مسابقة ملكة جمال في سورية، أقيمت في فندق الشرق (الأوريانت بالاس)، مقابل محطة الحجاز بدمشق. كانت هذه المسابقة غريبة جداً على المجتمع الدمشقي، ولم يكن أحد قد فكّر بها أو تجرأ على تنظيمها من قبل، حتى في زمن الانتداب الفرنسي. وقد أطلقت المسابقة في سورية بعد عام واحد فقط من إطلاق النسخة الدولية منها في لندن، على يد الإعلامي البريطاني أريك مورلي. لم تتدخل الدولة السورية في الحفل، واكتفت بإعطاء موافقة رسمية له، ولم يعترض عليه أحداً من رجال الدين، لا في دمشق ولا في حلب.
عام 1952 تم اختيار ملكة جمال دمشق تيريزا توما ذات الـ18 عاماً وفق ثلاثة معايير: الجمال، الفتنة وخفة الظل. يومها، لم تتشرح أي فتاة مسلمة للمسابقة
حددت شروط المسابقة، وقيل إن ملكة دمشق سيتم اختيارها وفق ثلاثة معايير: الجمال، الفتنة وخفة الظل، مع إسقاط فقرة عرض الأجسام بلباس السباحة، المتعارف عليها دولياً، والتي كانت الصحف السورية قد خصصت لها تغطية خاصة قبل عام. فازت باللقب يومها صبية مسيحية تُدعى تيريز توما، كانت في الثامنة عشرة من عمرها، ولم تتقدم أي فتاة مسلمة لمنافستها.
تيريز توما، ملكة جمال سوريا عام 1952
وبعدها بعام، أقيمت النسخة الثانية من المسابقة في نفس الفندق يوم 27 نيسان 1953، الذي زيّن بأنوار بيضاء ناصعة، وباقات من الزهر الأبيض. وقد فُرشت على مدخله سجادة طويلة حمراء لكي تمشي عليها المتسابقات أمام عدسات المصورين. توسّعت قائمة المشاركات يومها لتضم بعض السوريات من أصول أجنبية، وفازت باللقب صبية مسيحية تُدعى بيتشامير ميني، وهي من أم يونانية. بعد تتويجها، خصّت الملكة الشابة مجلّة “الاثنين والدنيا المصرية” بحديث صحفي، قالت فيه:
بيتشامير ميني، ملكة جمال سوريا عام 1953
“ليس لي أطماع واسعة. كل ما أصبوا إليه أن أوفق إلى حياة عائلية سعيدة، قوامها البساطة والاستقرار والطمأنينة.”، وأضافت أنها وعلى الرغم من فوزها بلقب ملكة جمال دمشق، إلا أنها تبقى “ست بيت”، تساعد والدتها في الواجبات المنزلية، ولا تسعى إلى النجومية. “إذ شئت أن تستمتعي بمنظر طريف… هو ملكة جمال تستبدل صولجان المُلك بالمكنسة، ووشاح الملوكية بفوط المطبخ، وعرش الملكة بجلسة ٍمتواضعة أمام طشت غسيل.”.
استمرت مسابقة “ملكة جمال سوريا” طوال الخمسينات، وتنوعت القابها، ملكة جمال الروك أندرول، الصحافة، الصيف، الخريف، ملكة القطن..
استمرت المسابقة طوال حقبة الخمسينيات، وأخذت أشكالاً مختلفة: ملكة جمال الروك أند رول، والصحافة، والصيف، والخريف، وملكة القطن (في حلب حصراً، تزامناً من بدأ مهرجان القطن سنة 1956). وخلال سنوات الوحد مع مصر (1958-1961)، فازت مجموعة من السيدات المسلمات بلقب ملكة الجمال، هم نبيلة فرعون وعائدة القضماني وميادة الحلواني بدمشق، ونور رملي في حلب (ملكة جمال القطن لعام 1961).
ومن أشهر ملكات سورية الخمسينيات، كانت الطالبة في مدرسة الأمريكان منى عبد الأحد، التي حملت تاجين (ملكة جمال الصحافة سنة 1957 ملكة الروك سنة 1958). وكانت مسابقة الروك ناتجة طبعاً عن شعبية هذا اللون من الموسيقى الغربية لدى فتيات تلك المرحلة، وإعجابهن بمطربين عالمين، مثل ألفيس بريسلي وفرقة البيتلز البريطانية.
منى عبد الأحد
تحدثت ملكة الروك، منى عبد الأحد، مع مجلة “آخر ساعة” المصرية، قائلة إنها تجيد طبخ “المحشي” وتحب الاستماع إلى موسيقى بيتهوفن. وكذلك فعلت هيفاء أشرفية، الطالبة في مدرسة الفرنسيسكان، ملكة جمال صيف عام 1957، التي قالت إنها تقرأ روايات إحسان عبد القدوس وتستمع إلى فيروز وعبد الحليم حافظ.
أما عن حسناء وفائي، فقد نالت اللقب أربع مرات، ملكة للقطن ومن ثم للأناقة وبعدها الربيع، وصولاً لتتويجها ملكة جمال حلب سنة 1958. الكثير من هؤلاء الصبايا تحدثن للصحف والمجلات العربية، وبعضهن عبرن عن إعجابهن ببريجيت باردو أو مارلين مونروا، وقلن إن حلمهن الوحيد هو زيارة مصر “أم الدنيا” إلا أن جميعهن غبن عن الساحة بعد فوزهن باللقب، باستثناء حسناء وفائي، التي ماتت بعد سنوات بشكل غامض في السعودية، وقيل إنها قُتلت على يد أحد الأمراء الذين أحبوها فصدتهم، وقرر الانتقام منها وقام بخطفها من منزل زوجها في مدينة الرياض (وهو مهندس سوري).
حسناء وفائي،ملكة جمال حلب سنة 1958
ماتت ملكة جمال حلب حسناء وفائي، بعد سنوات من حصولها على اللقب بشكل غامض في السعودية، وقيل أنها قُتلت على يد أحد الأمراء الذين أحبوها فصدتهم، وقرر الانتقام منها وقام بخطفها من منزل زوجها في مدينة الرياض
المشاركات الدولية
في الستينيات، انتقلت المسابقة من فندق الشرق إلى فندق المطار، ووصلت سيدتان سوريتان إلى التصفيات النهائية في مسابقة Miss World الدولية في بريطانيا، هما ريموندا دقو سنة 1965، والمذيعة في التلفزيون السوري فريال جلال سنة 1966. كلا الحفلتين أجريتا على مسرح Lyceum Ballroom وسط لندن، وفي سنة 1965، كانت المشاركة الأولى لخمس دول، هي مالطا وكوستا ريكا وغامبيا وإندونيسيا وسورية. باركت ريموندا دقو للملكة البريطانية ليسلي لانغلي بفوزها باللقب سنة 1965، وكذلك فعلت فريال جلال مع الملكة الهندية ريتا فاريا عام 1966.
وكانت آخر نسخة من هذه المسابقة قد أقيمت في دمشق سنة 1967، قبل أشهر من اندلاع ثاني الحروب العربية الإسرائيلية، وشارك بتحكيمها مجموعة من الكتاب السوريين، يتقدمهم الأديب عادل أبو شنب. فازت باللقب الشاعرة مها بيرقدار (20 سنة)، وهي من أعضاء فرقة الدبكة ورقص السماح في التلفزيون السوري.
كانت مها بيرقدار بنت عائلة دمشقية معروفة، ووالدها كان ضابطاً في الجيش.
مها بيرقدار، ملكة جمل دمشق 1967
دخلت التلفزيون السوري راقصة قبل أن تقدم سهرة بمناسبة عيد الميلاد، من تأليف الأديبة كوليت خوري، وكان لها برنامج شعر مخصص في منتصف الليل، يُبث يومياً عبر أثير إذاعة دمشق. ومها بيرقدار طبعاً سافرت إلى بيروت واستقرت بها سنة 1970، بعد زواجها من الشاعر يوسف الخال، وهي والدة كل من الفنان يوسف الخال وشقيقته الممثلة اللبنانية ورد الخال.
توقفت المسابقة بعدها لسنوات طويلة، لتعود سنة 2000 عبر مسابقة ملكة جمال البادية، التي ترشحت بها وفازت الممثلة السورية روعة ياسين.
اقرأ أيضا: جنود يابانيون واصلوا القتال بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.. أحدهم حارب لمدة 29 عاماً!