قصة “الماسة الزرقاء” سبب الأزمة التاريخية بين السعودية وتايلاند… كيف خرجت من المملكة وأين اللص
أعلنت السعودية، قبل أيام رفع حظر سفر مواطنيها إلى تايلاند، والسماح للتايلانديين بدخول المملكة، رغم أن قرارات حظر سفر المواطنين من دولة إلى أخرى تكرر كثيرا خلال العامين الماضيين مع انتشار فيروس كورونا، إلا أن هذا القرار السعودي لا علاقة له بكورونا، وخلفه قصة مثيرة تصلح لأن تكون فيلما هوليوديا ينافس أشهر أفلام الإثارة والغموض.
بدأت القصة مساء ليلة من ليالي عام 1989، في قصر الأمير فيصل بن الملك فهد آل سعود، في الرياض، وبينما التايلاندي كريانغكراي تيشامونغ يعمل بستانيا وبوابا في القصر، وقعت عيناه على كمية كبيرة من المجوهرات يحتفظ بها الأمير في خزنة، فخطط لسرقة بعضها ظناً منه أن أحدا لن يلحظ ذلك.
خطة الحصول على المجوهرات
عمل البستاني على كسب ثقة عمال القصر، ليتمكن من الدخول إليه في أي وقت، وفي إحدى المرات اقترب من حارس يعمل في القصر وكاني فلبيني الجنسية أثناء إدخال الرقم السري لجهاز الإنذار والتقط الأرقام وحفظها، وعرف أن ثلاثة من بين 4 خزنات تحوي المجوهرات غير مغلقة.
استغل البستاني وجود الأمير وأسرته خارج الرياض في إجازة لثلاثة أشهر، وبدأ في تنفيذ خطته، تسلل إلى غرفة نوم الأمير، وأخذ دفعة من المجوهرات، مستخدما شريطا لاصقا ليربطها بجسده، كما وضع كمية أخرى من المجوهرات في آلة التنظيف بما فيها أكياس المكنسة الكهربائية.
وعاد لفعل ذلك أكثر من مرة ليصل مجموع ما سرقه حوالي 90 كغ من المجوهرات، شملت ساعات مرصعة بالألماس والياقوت، وأساور وخواتم وقلادات مصنوعة من الأحجار الكريمة والزمرد والذهب، إلى جانب قطعة مجوهرات نادرة اسمها “الماسة الزرقاء”، يتجاوز ثمن المسروقات 20 مليون دولار.
لم يكن البستاني يحتفظ بالمجوهرات التي يستولي عليها معه، وإنما كان يرسلها بطريقة ما إلى بلده، واكتشفت أسرة الأمير سرقت المجوهرات، وبعد بحث وسؤال توصلوا أن البستاني التايلاندي هو من فعل ذلك، لكنه كان قد تمكن من الفرار من السعودية حاملا معه الدفعة الأخيرة من المسروقات، واختفى.
تواصلت السلطات السعودية والأمير مع السلطات التايلاندية للقبض على اللص وإعادة المجوهرات، ووعد الجانب التايلاندي بحل القضية بأقصى سرعة، وبالفعل ألقت السلطات القبض على البستاني في يناير/ كانون ثاني 1990 في مسقط رأسه في إقليم لامبانغ شمالي تايلاند، واسترجعت منه بعض المجوهرات التي لم يكن قد تصرف فيها بعد، وأعيدت إلى الأمير ووضع اللص في السجن لمدة خمس سنوات، لكن كانت هناك مفاجأة كبيرة في انتظار الأمير.
مفاجأة الأمير
ما إن استلم الأمير المسروقات من السلطات التايلاندية، أعاد فحصها للتأكد من أنها هي التي سرقت من قصره، فاكتشف الأمير أن نحو 20% فقط من المجوهرات التي أعيدت إليه حقيقية، والباقي مجوهرات مزيفة.
أعادت السلطات السعودية التواصل مع الجانب التايلاندي معربين عن غضبهم من تسليمهم مجوهرات مزيفة، ووعدت تايلاند بالتحقيق في القضية، وبالفعل أتهم مسؤول حكومي بارز باختلاس بعض المجوهرات وسرقتها ووضعه مجوهرات مزيفة مكانها وإرسالها إلى السعودية، وتمكنت السلطات التايلاندية من استرداد هذه المجوهرات من المسؤول إلا أنها كانت كمية صغيرة جدا، وأرسلوها إلى الأمير عام 1991، لكن المفاجأة أنه لم يكن بينها الماسة الزرقاء.
أين الماسة الزرقاء؟
حتى الآن لا يعرف أحد أين هي الماسة الزرقاء وفي أي خزنة في أي دولة استقرت، وتعد أهم قطعة في المسروقات، بل وتعد واحدة من أندر المجوهرات في العالم.
فالماسة الزرقاء التي سرقت من قصر الأمير فيصل بن فهد قدر وزنها بنحو 50 قيراطا أي بحجم بيضة، وهي ماسة مميزة إذ من بين كل 10 آلاف ماسة هناك واحدة فقط بهذا اللون المميز، وسبب لونها الأزرق وجود عنصر البورون داخلها الذي تشكل من خلال وجودها على عمق 600 كم تحت سطح الأرض.
ويستخرج أغلب الماسات الزرقاء من منجم كولينان القريب من بريتوريا في جنوب أفريقيا، لكن لا أحد يعرف أصل الماسة الزرقاء المملوكة للأمير السعودي وليس لها صورة.
ومع هذا الاختفاء الغريب لهذه القطعة النادرة نقلت وكالة “أسوشيتد برس” أن وسائل إعلام تايلاندية امتلأت بتقارير تفيد بأن زوجات كبار المسؤولين قد شوهدن يتزين قلادات من الألماس تشبه بشكل كبير المجوهرات المسروقة.
اغتيالات لإغلاق القضية
لم تتوقف مطالبات الجانب السعودي بفك لغز المجوهرات المختفية ومن بينها الماسة الزرقاء، إلا أن القضية أخذت منحنا دمويا وأكثر تعقيدا، ففي فبراير/ شباط عام 1990 تعرض مسؤولان في القسم القنصلي في السفارة السعودية في بانكوك لهجوم مسلح أثناء قيادتهما سيارة نحو مجمع سكني في العاصمة وقتلا، وفي نفس الوقت هاجم مسلح شقة زميل ثالث لهما وقتله بالرصاص أيضا.
بعد ذلك بأسابيع توجه رجل الأعمال السعودي محمد الرويلي إلى العاصمة التايلاندية في محاولة للعثور على المجوهرات، وتقصي ما حدث لها إلا أنه بعد أيام من وصوله إلى بانكوك اختفى تماما، ولم يظهر حتى الآن، ويعتقد أنه قتل بطريقة ما وتم التخلص من جثته.
وفي عام 2014 قضت محكمة تايلندية برفض قضية اتهم فيها خمسة أشخاص -بينهم ضابط شرطة كبير- بقتل الرويلي، ليتم حفظ القضية ضد مجهول كقضية اغتيال الدبلوماسيين الثلاثة.
ولم يتوقف بحر الدماء على هذا الحد، وفي يوليو/ تموز عام 1994 عثر على زوجة وابن تاجر المجوهرات الذي اشترى المجوهرات المسروقة من البستاني، مقتولين داخل سيارتهم، بعد أيام من تلقيهم تهديدات بالقتل، إلا أن تقرير الطب الشرعي وقتها أكد أن الوفاة ناجمة عن حادث تصادم بين السيارة التي كانا فيها وشاحنة كبيرة.
وبحسب “بي بي سي” اتضح لاحقا أن قوة الشرطة المنوط بها استعادة المجوهرات المفقودة استولت على بعضها بل ومسؤولة أيضا عن اغتصاب تاجر المجوهرات وقتل زوجته وابنه، كما انتهى الأمر بشالور كيردثيس رئيس فريق التحقيق في قضية السرقة إلى دخول السجن لمدة 20 عاما.
السعودية تغضب
غضبت المملكة العربية من القضية وتبعاتها، واتخذت إجراءات دبلوماسية ضد تايلاند منها خفض مستوى بعثتها الدبلوماسية إلى أقل مستوى، ومنعت مواطنيها من السفر إلى تايلاند، ورحل مئات الآلاف من العمال التايلانديين من المملكة بعدما فقدوا وظائفهم وأوقفت السعودية لفترة منح تأشيرات دخول للتايلانديين إلى المملكة.
وفي 2016، وافقت السعودية على عودة العلاقات مع تايلاند على مستوى القائم بالأعمال بعد وساطة بحرينية قادها رئيس الوزراء الراحل، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة.
ويناير/ كانون الثاني الماضي، عندما أعلنت السعودية وتايلاند، عقب لقاء ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الوزراء التايلاندي، برايوت تشان أوتشا، فتح صفحة جديدة في العلاقات المتوترة بين البلدين منذ 30 عاما.
وفي 28 فبراير الماضي، دشنت الخطوط الجوية العربية السعودية، الناقل الوطني للمملكة، أولى رحلاتها إلى تايلند، التي أقلعت من مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة إلى مطار سوفارنابومي في بانكوك.
لكن أين البستاني اللص؟
في عام 2019 تمكن فريق من بي بي سي التايلاندية، من الوصول إلى البستاني، حيث يقيم في بيت خشبي فقير، في ريف تايلاند، وقال إنه بعد مغادرته السجن، بعد حكم مدته خمس سنوات خفضت إلى عامين و7 أشهر بعد إقراره بالذنب، غير اسم العائلة لتجنب تعريض ابنه للإحراج.
وعقب خروجه من السجن استمر في الشعور بـ”الذنب تجاه ما حدث”، بحسب الإذاعة البريطانية، وقال: “حياتي بعد السجن كانت مليئة بخيبات الأمل والأحداث سيئة الطالع”، ومن ثم قرر في مارس/آذار عام 2016 أن يصبح كاهنا بوذيا.
ودعا وسائل الإعلام لحفل ترسيمه راهبا، قال خلاله: “أريد أن أكون راهبا مدى الحياة لمحو لعنة الماسة السعودية، كما أريد تكريس حياتي من أجل أولئك الذين ماتوا في الأحداث الماضية، وأطلب العفو عما حدث”.
واختار كريانغكراي اسما له كراهب يعني “هو قوي كالماسة”، وظل في الصومعة لثلاث سنوات، لكنه خرج منها، وقال: “ليس بوسعي أن أكون راهبا مدى الحياة فإن لدي أسرة بحاجة إلي”.