سوريا: موسم خاسر لثالث أهم “محصول استراتيجي”.. والمزارعون يحمّلون الحكومة و”موجات الصقيع” مسؤولية الفشل
انضمّ محصول الشوندر السكري إلى قائمة المحاصيل الاستراتيجية الغائبة لهذا العام، وأعلن المزراعون بطاقة “نعوة” مرّة جديدة لمحصولهم، متهمين وزارة الزراعة بأنها تقف إلى جانب موجات الصقيع المتلاحقة خلف ما وصل إليه المحصول من فشل وما أصابهم نتيجة لذلك.
وعلى الرغم من كثرة التبريرات التي حضّرتها وزارة الزراعة أثناء “تشييع” المحصول، إلا أنّ المزارعين الذين فقدوا محصولهم لم تعوّض من خسارتهم تلك التصريحات، وتسبّبت قضية محاصيل الشوندر السكري بخسارات جديدة للفلاحين، خاصة مع عدم تغطية نسبة السماد الممنوح للفلاحين إلى أقل من ثلث حاجتهم، حسب الشكاوى التي وصلت إلى “هاشتاغ” ما دفع لعزوفهم عن زراعة هذا النوع.
وزارة تنصح ومزارع لا يسمع!
“كعادتها”، أنكرت وزارة الزراعة تأخرها تسليم البذار للفلاحين إلى حين جاءت موجات البرد المتلاحقة، ما عرض محاصيلهم لأضرار كبيرة.
وزيرالزراعة، حسان قطنا، دافع عن وزارته بالقول: “حذّرنا المزارعين من زراعة الشوندر السكري بعد تاريخ 15 كانون الأول الماضي وعمّمنا على من يزرع بعد هذا التاريخ أنه يقوم به على مسؤوليته، والنتيجة كانت تعرّض هذه المساحات للصقيع”.
وعن التأخر بتوزيع البذار، قال قطنا: “جاءت البذار، وتمّ توزيعها ضمن الموعد المثالي للزراعة، وقيل إنّ نسبة الإنبات ضعيفة، فيما نؤكد أنها عالية ونتائج التحليل موجودة”.
ونوّه الوزير إلى أنّ المصرف الزراعي وفّر الإقراض العيني للبذار والسماد والدفعة النقدية للخدمات والمحروقات لكامل المساحات المزروعة.
وفي وقت سابق، أعلن وزير الزراعة أنه يقوم بمعالجة جميع الصعوبات لزراعة ما تبقى من الشوندر السكري و وعد بنجاحها، لكنّ العديد من المزارعين كانوا قد حذّروا من أن “الزراعة في سهل الغاب تحتضر، ولم تعدّ صالحة للزراعة، والأعشاب المعمرة ظهرت في أكثر من نصف الأراضي بسبب عدم قيام الفلاحين بالفلاحات العميقة”.
بذور فاسدة أدت للموت!
اشتكى مزارعو الشوندر السكري بمنطقة الغاب، الذين أبرموا عقوداً مع شركة سكر “تل سلحب” لتوريد محصولهم إليها بغية إنتاج السكر، عدم إنبات بذار الشوندر التي تسلّموها من المصارف الزراعية.
وعزوا ذلك لسوء البذار رقم 4000 و4001، مؤكدين أنها من نوعية رديئة، وإنباتها لا يتجاوز الـ10 في المئة، رغم أنهم زرعوا من تاريخ 7 من شهر كانون الأول في العام الماضي، وفقاً لصحيفة “الوطن”.
في المقابل، طالب بعض المزارعين بمراجعة كشوف الجمعيات، إذ قال أحدهم، “نتمنى مراجعة كشوف الجمعيات ليتبيّن متى تم تسليم البذار للفلاحين، أما عن القروض النقدية فإننا لم نسمع بها سابقاً”.
وتساءل آخر:” لم يحذّرنا أحد بعدم زراعة الشوندر السكري بعد تاريخ 15 من كانون الأول.. والكلام حول عدم تأخر توزيع البذار غير دقيق”.
ووفقاً لشكاوى المزارعين، فإنّ وزارة الزراعة لم تتمكن هذا العام من استيراد البذور في الوقت المناسب، ومن الطبيعي أن يتراجع المزارع عن زراعة الشوندر، لأن خطر فشل المحصول بات كبيراً، ونسبة نجاحه لا تتعدى 10 في المئة.
وأشار المزارعون إلى أنّ بذور الشوندر يجب أن تنبت قبل حلول الشتاء والصقيع الذي يقتل النبتة في مراحل نموها الأولى، ومن المفترض أنّ تكون بعمر قادرة فيه على مقاومة الصقيع عند حدوثه، وبالتالي المزارع يفضل عدم الدخول في هذه المخاطرة، وسط خسارة مادية متوقعة. في حين، اتّهم قطنا، المزارعين باعتمادهم على مياه الأمطار في الري، وهو ما لم يكن كافيا، بخاصة بعد عدم كفاية الأمطار، ولم يلتفت الى باقي الامور التي أفشلت الزراعة.
معمل السكر.. لن يعمل!
لم يقف ضرر خسارة محصول الشوندر السكري عند حدود المزارعين، وإنما تضرّرت معامل السكر الستة في سورية وهي (شركة سكر حمص وشركة سكر تل سلحب وشركة سكر دير الزور وشركة سكر الرقة وشركة سكر مسكنة وشركة سكر الغاب) وجميعها تابعة للمؤسسة العامة للسكر.
ورغم تركّز زراعة الشوندر في السنوات الماضية في محافظة حماة، فإنّ معمل سكر تل سلحب “الوحيد الذي بقي صامداً” توقف منذ عام 2014 عن العمل، لأنّ الكميات المنتجة لا يمكن أن تشغّل المعمل الذي تصل طاقته اليومية إلى نحو 4 آلاف طن. ونتيجة لتوقف مصانع إنتاج السكر في سورية، أصبح هذا المحصول الاقتصادي الاستراتيجي، الذي يعد حاليا ثالث أهم محصول بعد القمح والقطن، محصولاً علفيا للحيوانات.
وكشف محافظ حماة محمد طارق زياد كريشات، في وقت سابق أنّ معمل سكر سلحب متوقف عن العمل نتيجة وجود “بعض الناس المعارضين لتشغيله بسبب أهوائهم الشخصية”، دون أن يكشف عن هويتهم أو عن طبيعة تلك الأسباب. وأكّد في تصريحات لإذاعة محلية أنّ إعادة تشغيل معمل سلحب ستؤمن حاجة سورية من السكر وتخفّف من استيراد المادة إضافة إلى تأمين الكحول والعلف.
وقال إنّ هنالك عزوفاً عن زراعة الشوندر السكري بسبب أسعاره المتدنية التي كانت مقررة بـ 17 ليرة سورية لكن بعد تشكيل لجان وتعديل السعر إلى 250 ليرة سورية أصبحت هذه الزراعة ذات جدوى اقتصادية بنسبة مئة في المئة، بحسب وصفه. وأضاف أنّ تشغيل المعمل خلال العام الحالي ولو كان بشكل جزئي سيجعل الفلاحين يشعرون بالارتياح، وفي حال أرادت الحكومة إعادة بنائه فهو سيكلف مليارات الليرات السورية ناهيك عن وجود عدد من العمال الذين ما زالوا يقبضون رواتبهم بالرغم من أنهم لا يعملون.
وفي السياق، يبرّر عضو في لجنة حساب التكاليف الزراعية، الدكتور مجد أيوب، أنّ المؤسسة العامة للسكر ترفض تشغيل المعمل من أجل 100 أو 200 طن من الشوندر ربما لا تكفي للتجريب وحده من أجل الإقلاع. ولفت أيوب في تصريح خاص لـ”هاشتاغ” إلى أنه من حق المزارع أن يشتكي، لافتاً إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّ بعض المسؤولين غير قادرين على الاعتراف بعدم القدرة على تأمين مستلزمات الزراعة من “سماد وبذار ومحروقات ومحطات ضخ للمياه”.
ويتابع أيوب، بالقول، إنّ مشكلة إعادة تشغيل معمل السكر لا تتوقف فقط على الكميات المستلمة، وإنما أيضاً إلى نسبة السكر الواجب توافرها في المحصول المستلم والتي يجب أن تتراوح من 18 إلى 22 في المئة، وإلا فإنّ النسبة الأقل أقل من ذلك لا تنفع “حلاوتها” لإنتاج السكر، بالإضافة إلى مشكلة انتظار الفلاح عند تسليم المحصول “في حال وجد” والتي تؤدي الساعات الطويلة خلال التسليم إلى فقدانه وزنه ونوعيته، الأمر الذي يؤدي إلى استسلام المزارع وبيع المحصول إلى “صاحب مزرعة أبقار مع الورق الأخضر.. ويكسب حينها أكثر من تسليمه إلى الدولة لإنتاج السكر”!.
التخطيط على الوزارة والتنفيذ على “الظروف”!
قُدّرت المساحة المخططة لزراعة الشوندر السكري بـ8000 هكتار، ولم يتعاقد على زراعتها إلا 4250 هكتارًا فقط، وزرع منها 2800 هكتار. وبحسب تقرير لـ“الوطن” في 2 من كانون الأول 2021، بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالشمندر 762 هكتارًا فقط، على الرغم من تخصيص أربعة آلاف و322 هكتارًا التي تسمح بتشغيل معمل شركة “سكر تل سلحب” بريف حماة. وقال أيوب، إنّ تأخير توزيع البذار اللازمة لزراعة الشوندر السكري يعدّ أمر طبيعي بسبب الظروف المناخية السيئة، وهو الأفضل بالنسبة الى الفلاح. مشيراً إلى أنّ الوزارة تضع الخطة عبر تحديد المساحة القابلة للزراعة، في حين يبقى التنفيذ رهناً للظروف!. وبحسب تقرير لوزارة الزراعة، فإن احتياج القطاع العام الصناعي من المنتجات الزراعية للموسم 2021-2022 بالنسبة لمحصول الشوندر السكري، يصل إلى نحو 266 ألف طن. ووفقًا لتقرير لصحيفة “البعث” في تموز 2020، فإن الشوندر السكري يُسهم في تغطية حوالي 20 في المئة من حاجة سورية من مادة السكر، إذ تصل نسبة استهلاك مادة السكر إلى 709 آلاف طن سنويًا، بمعدل 35 كيلوغرامًا للفرد الواحد.
وتشير الإحصائيات إلى أنه في عام 2021، بلغ إنتاج الشوندر السكري في سورية صفر طن؛ إذ تذبذب إنتاجه بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث سجل أعلى فترة زيادة خلال الفترة 1971، ثم بدأت المؤشرات في الهبوط حتى عام 2021 منتهياً عند صفر طن.
التسعير منصف.. والمحصول للأبقار !
في الوقوف عند نقطة مهمة يعول عليها المزارعين وسط غياب الدعم اللازم للزراعة، بقيت مسألة شراء المحاصيل بسعر يناسب الفلاح امرا مهما يشجع على الزراعة. لكن ما يحصل، أن السعر الذي تحدده الدولة لا يصل كاملا للفلاح في أغلب الأحيان، وتكون الحجج طويلة “حسب الوزن والنوعية وتصنيفات الأنواع والنخب”، الأمر الذي يحبط الفلاح مجددا.
وبالنسبة إلى محصول الشوندر السكري، وافقت الحكومة، على رفع سعر شراء الكيلوغرام الواحد منه من الفلاحين للموسم الحالي، إلى 250 ليرة سورية بدلًا من 175 ليرة، “بهدف تشجع الفلاحين على تسليم محاصيلهم للوزارة”، في ظل ارتفاع تكاليف زراعة المادة. وهذا السعر لم يحصل عليه أغلب الفلاحين “الذين نجا محصولهم”، وبالتالي تم بيعه إلى أصحاب مزارع الابقار مع ورقه الأخضر “كونه أربح وأجدى”، وخسرت البلاد إنتاج السكر!.
هاشتاغ_ إيفين دوبا
اقرأ ايضاً:إصابة شخصين جراء انفجار عبوة ناسفة بدمشق