الشيزوفرانيا القطريّة و… سوريا
بعيداً عن جاذبية الضجـيج، ولـقــد سئمـنا صــراع الكراهيات وصراع الجاهليات بين العرب والعرب، أكتب عن قطر التي لا ننسى ما فعلته للبنان عقب حرب 2006، وكيف تعاطى الاعلام القطري مع البربرية التوراتية في تلك الأيام التي سقطت فيها أسطورة الدولة التي لا تقهر…
في المقابل، الدولة عندنا كانت تمضي القهقرى على يد رجال دولة عرّوا الدولة حتى من عظامها.
لا أتصور وجود أي نوع من التماهي الايديولوجي بين أمير قطر الشيخ تميم، كشاب وسيم وأنيق، ويعرف كيف يتعاطى مع القرن، وكل من حسن البنا وسيد قطب، بالطرابيش العثمانية، ناهيك عن محمد بديع الذي أثار ذهولي في نهاية لقاء معه، اذ مدّ قدميه الحافيتين ليهرع بعض الأشخاص، باللحى وبربطات العنق، لمساعدته على انتعال حذائه.
بالرغم من ذلك، لا أدري كيف أن قطر التي تستــقطب العديد من الأدمــغة الغربية تستضيف، لسنوات، الشيخ يوســف القرضاوي، بفتاواه العجيبة، وتأخذ بالخط الســياسي لجماعة «الاخوان المسلمين» التي رأت فيها الملاذ، مع أن الدولة الخليــجية تبدو بيوميات الحياة فيهابعيدة كلياً عن ثقافة الأقبية، كما عن ثقافة القبور.
الشيزوفرانيا السياسية، وربما الايديولوجية أيضاً. الدولة التي تقام، هذا العام، على أرضها تظاهرة كأس العالم لكرة القدم، وبمظاهر أمبراطورية، كيف يمكن أن تحتضن تلك الرؤوس المتحجرة، بل والعفنة، بالعيون الصفراء، وبالأسنان الصفراء… ؟
لا أتصور أيضاً انني، بعشقي لسوريا، وبدفاعي عن الدولة (والدور) في سوريا، كعربي بعيد عن اللوثة الطائفية واللوثة القبلية، موجود على اللائحة الذهبية أوالفضية، أو حتى على اللائحة البرونزية، السورية. وحده الرئيس بشار الاسد وقف الى جانبي حين ألقى عليّ جهاز أمني الحرم بسبب مقالة لي قرئت بعيون عرجاء.
قطر التي تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية خارج الولايات المتحدة، كما ينتشر آلاف الجنود الأتراك فيها لحمايتها من غزو دولة شقيقة، وقفت، وتقف، الى جانب رجب طيب اردوغان، بكل آفات السلطان العثماني الذي فقأ عيون اشقائه للاستئثار بالعرش، في تدمير سوريا والحاقها بالباب العالي . على الأقل، هذا ما يظهره كلام وزير الخارجية السابق حمد بن جاسم آل ثاني.
مليارات الدولارات ذهبت الى الرئيس التركي، وللنيوانكشارية التابعة له، من أجل اقامة نظام ديمقراطي في سوريا. العالم كله كان شاهداً على نوعية الديمقراطية التي مارسها «الاخوان المسلمون» في مصر، حين قفزوا فوق الثورة، واستولوا، كما لصوص الهزيع الأخير من الليل، على السلطة، لينكّلوا بكل صوت معترض.
ديمقراطية اردوغان، لمن يريد أن يعلم شكل هذه الديمقراطية، تبدو، بكل تجلياتها التوتاليتارية، في حديث الكاتب التركي أورهان باموق، الحائز جائزة نوبل في الاداب، الى مجلة L›OBS (عدد 24 آذار).
صولاً الى قناة «الجزيرة» التي كنا نتمنى أن تكون، بامكاناتها الهائلة، صوت القضية (والقضايا) العربية، لا الصوت العثماني، ولا الصوت الاخواني، في التعاطي مع التراجيديا السورية. كل اشكال البروباغندا ضد دمشق، وان كان ذلك يبلغ حده البشع مع فيصل القاسم، حيث لا ندري أهو حوار القباقيب أم حوار السواطير.
القاسم، وفي المسائل الخاصة بسوريا يأتي بشخص، بكل مواصفات الذئب، وآخر، بكل مواصفات الدجاجة، ليمزقه باسنانه (لاحظوا تكشيرته في لحظة الانقضاض على الضحية). لم نشهد ولو مرة واحدة، شيئاً من التكافؤ بين المتحــاورين، أو أي مــنطق في طرح البديل للنظام الحالي سوى منطق القباقيب ومنطق السواطير.
اذ لا نشك في حرفية وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وفي الدور الذي يضطلع به في بعض الملفات الاقليمية، والدولية، الشائكة، تبدو المواقف ضد سوريا، ان في الأروقة الخلفية أو في تغطيات «الجزيرة»، أقرب ما تكون الى ثقافة داحس الغبراء.
لا شيء في شخصية الشــيخ تمــيم يشي بالشبه بينه وبين «الاخوان المسلمين». ألا يشعر، كعربي، بالحنين الى دمشق، اذا كان قد قرأ لنزار قباني ومحــمود درويش اللذين تقاطعا في السؤال : كيف يكون المرء عربياً ولا يكون عاشقاً لدمشق ؟!
الديار- نبيه برجي
اقرأ ايضاً:إصابة أحد أبرز المطلوبين للأمن السوري في درعا البلد