أعادت الحرب الروسية الأوكرانية خلال الأسابيع الأخيرة، الحديث عن قضية المقاتلين الأجانب والمرتزقة من مختلف الجنسيات، الذين يشاركون عبر خبراتهم القتالية، في حروب خارج حدود بلادهم الجغرافية.
لعل بعض الآراء، تشير إلى أن دور المرتزقة موجود في أغلب الحروب سابقاً، وليست اقتصاراً على وقتنا الحالي، لكن ما يلفت النظر، هو تعاظم دورهم حديثاً، بحيث لم يعد هذا الدور مكملاً أو على الهامش، بل أصبحت الجيوش النظامية، أو من يستعين بهم، يضعهم في الخطوط الأمامية للقتال، وفي أدوار قيادية أحياناً.
حال المرتزقة والمقاتلين الأجانب، تطور وصولاً إلى ممارسة دور القائد الميداني في أحيان عدة.
وينسحب نفس المشهد على تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيمات مشابهة، حيث تولى المقاتلون الأجانب، الدور القيادي الأبرز عسكرياً في سورية والعراق.
وقبل سنوات، طفت على السطح بشكل واضح قضية المقاتلين الأجانب، ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2017، رفع مقاتلون من “كتيبة الحرية الأممية”، المنضوين في صفوف “قسد”، العلم السوفيتي الأحمر فوق محافظة الرقة بعد طرد “تنظيم الدولة”، في محاكاة لرفع راية النصر السوفيتية فوق برلين، في آخر أيام الحرب العالمية الثانية.
ونقلت صحيفة “مورنينغ ستار” الشيوعية البريطانية حينها عن أعضاء في الكتيبة، أنهم يرون استعادة الرقة في سورية “رمزاً للانتصار على النازية الداعشية، مثلما كان تحرير برلين رمزاً للنصر على النازية والفاشية في أوروبا”.
ماذا عن البدايات؟
بتاريخ 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، وفي مدينة القامشلي شمالي سورية، جرى الإعلان عن تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية”، وأصدرت بياناً للتعريف بنفسها، جاء فيه: “أنها قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين، تجمع العرب والكرد والسريان، وكافة المكونات الأخرى”.
وشكلت قوى مسلحة تابعة لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي، العمود الفقري لهذه القوات، ومن أبرزها “وحدات حماية الشعب” و”وحدات حماية المرأة”.
كما انضوت قوى أخرى داخلها، من بينها تجمع ألوية الجزيرة، والمجلس العسكري السرياني، وجيش الثوار، وغرفة عمليات بركان الفرات، والصناديد.
بلغ تعداد هذه القوات حسب بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، نحو 45 ألف مقاتل، نصفهم من العرب، لكن إحصاءات أخرى، أشارت إلى أن عددهم يقارب الـ100 ألف.
وبحسب بيانات موقع “بيلينغ كات” الاستقصائي، فإن “قسد” مؤلفة من عدة كيانات عسكرية، بينها “كتيبة الحرية الأممية”، وتضم بداخلها العناصر الأجانب المنضوين تحت راية “قسد”، والقادمين من دول عدة، لا سيما ألمانيا، واليونان، وتركيا، وأرمينيا.
أغلب المقاتلين الأجانب يرون أنهم يقومون بـ”واجب أممي، دفاعاً عن أكراد سورية، وغيرهم من الأقليات الدينية والعرقية”.
وتفيد دراسة لمركز عمران للدارسات، صادرة في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، بأن “وحدات حماية الشعب” يتواجد فيها مجموعة من القوى الأجنبية أهمها: كتيبة الحرية العالمية في رأس العين/ سريه كانيه، وينتمي أفرادها لجنسيات وخلفيات إيديولوجية متعددة في مقدمتها اليسار التركي، وبشكل رئيسي من قبل الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني MLKP التركي.
ووفق ذات الدراسة، فإن من هؤلاء من ينتمي إلى الحركات اليسارية المنتشرة في أوروبا الشرقية، وتنقسم الكتيبة إلى عدة تشكيلات أهمها لواء (بوب كرو BCB )، نسبةً إلى زعيم نقابي بريطاني. ولواء (هنري كرازوكي) نسبةً إلى قائد شيوعي فرنسي. وطابور العالميين المقاومين للفاشية، وطابور مناهضة الفاشية العالمية (AIT).
عقب وصولهم إلى سورية، يقول نوري محمود، الناطق باسم “وحدات حماية الشعب” المنضوية ضمن صفوف “قسد”، بأنهم “يخضعون للتدريب العسكري ودورات تثقيفية، لاطلاعهم على عادات تقاليد وثقافة المنطقة، وكيفية التعامل مع المجتمعات المحلية والاندماج فيها”.
ويؤكد الناطق باسم “وحدات حماية الشعب” في عفرين، بروسك حسكة، أن حوالي 150 من المقاتلين الأجانب التحقوا بجبهات القتال لمحاربة من يصفها بـ”الجماعات المتطرفة”، وانتقل عدد منهم إلى عفرين للقتال ضد الجيش التركي وقوات المعارضة السورية الموالين لتركيا، رغم المخاطر التي تواجههم أثناء السفر إلى سورية، وحتى إمكانية تعرضهم للاعتقال في بلدانهم الأصلية.
أين هم الآن؟
السؤال الذي يُطرح في قضية المقاتلين الأجانب لدى “قسد”، يقول: أين هم الآن؟ وذلك بعد نحو 3 أعوام من هدوء جبهات القتال، التي أعقبت طرد “تنظيم الدولة” من أغلب المناطق التي كان يسيطر عليها في الشرق السوري، وغيرها من مناطق البلاد.
يقول الصحفي السوري بشير العباد المهتم بقضايا المنطقة الشرقية، إن هؤلاء عددهم ليس بالكبير قياساً للعدد الإجمالي لقوات “قسد” بكافة فصائلها، وأغلبهم من أصول كردية، ويحمل انتماءات متطرفة.
ويرى العباد، أن استقطابهم، كان الهدف منه الترويج بأن لـ”قسد” مساندين لقضيتها، وللإيحاء بـ”عدالة ما تطرحه وتروج له”، وللإيهام بأن أهدافهم سامية في القتال الذي يخوضونه داخل سورية، وبالتالي، “الاستثمار الإعلامي، الغاية الأكبر لاستقبال هؤلاء المقاتلين، أكثر منه حاجة قتالية”. حسب رأيه.
وحول ما حل بهم حالياً، ذكر العباد، أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن أغلبهم عاد إلى بلاده، ومن بقي منهم عمدت “قسد” إلى تسليمهم بعض المناصب، مشيراً إلى أن أحدهم، استلم إدارة مجموعة من الآبار النفطية، في دير الزور، وبعدها انتقل إلى سنجار في شمال العراق، منوهاً إلى أن “طريق العودة كان عن طريق أربيل، التي كانت هي المدخل كذلك”.
السورية
اقرأ أيضا: لماذا لا يمكن لموسكو تعويض خسارة الطراد موسكفا؟