رقصة حرب أميركية.. فوق حطام “موسكفا”
يأتي تزايد الخسائر العسكرية الروسية في أوكرانيا، ربطاً بتعزيز الغرب ولا سيما الولايات المتحدة المساعدات العسكرية لكييف. وهذه مسألة لا يستهان بها وقد تدفع إلى صدام مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، عند أدنى خطأ في الحسابات، مما ينقل المواجهة إلى حرب عالمية فعلية وليس بالواسطة.
في الوقائع، تقر روسيا بتكبد “خسائر كبيرة” في الحرب، بحسب ما قاله الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”. هذا قبل إغراق الطراد الروسي “موسكفا” الذي كان يقود العمليات في البحر الأسود، الأمر الذي إعتبرته أوكرانيا، نقطة مفصلية في الحرب، في وقت كان الجيش الروسي يتأهب لوضع يده على كامل منطقة الدونباس.
وإذا ما أخذنا في الإعتبار إغلاق تركيا المعابر أمام السفن الحربية المتوجهة إلى البحر الأسود، لن يكون في إمكان روسيا أن تُعوّض بسهولة القدرة القتالية التي كان يوفرها “موسكفا” الذي كان يُعتبر رمزاً من رموز العظمة البحرية للإتحاد السوفياتي السابق ولروسيا من بعده.
قيل إن صواريخ “نبتون” أوكرانية الصنع هي التي أغرقت الطراد. لكن للتذكير كان الرئيس الأميركي جو بايدن قال في جولته الأوروبية قبل أسبوعين، إن اميركا عازمة على تزويد كييف بصواريخ مضادة للسفن لحماية أوديسا! والسؤال الذي يطرح نفسه: هل سيؤثر فقدان روسيا للطراد “موسكفا” على مجمل نشاطها العسكري في أوكرانيا والدونباس تحديداً، أم أن القوات الروسية قادرة على تخطي هذه الإنتكاسة؟ وتدليلاً على فداحة الخسارة، وجّهت موسكو رسالة تحذير إلى واشنطن، من مغبة الإستمرار في إرسال الأسلحة إلى كييف، لأن ذلك قد يؤدي “إلى نتائج غير معروفة”.
هل تقترب أميركا من تدخل مباشر مع إقتراب موعد الإنتخابات النصفية؟ حتماً، بايدن لن يكون الرئيس الأميركي الأول الذي ينكث بوعد عدم إرسال جنوده إلى بلد يشهد نزاعاً مسلحاً، في سبيل تحقيق مكسب إنتخابي في الأيام الأخيرة، كانت التوقعات الغربية تشير إلى أن بوتين، وغداة تعثر جيشه في محيط كييف وخاركيف وتشيرنيهيف، عيّن الجنرال ألكسندر دوفرنيكوف قائداً للقوات في أوكرانيا، وإتجه إلى المرحلة الثانية من العملية العسكرية للتركيز على الدونباس وشرق أوكرانيا عموماً، على أن يحرز نصراً على هذه الجبهة يمكنه بحلول التاسع من أيار/مايو المقبل، ذكرى الإنتصار في الحرب الوطنية العظمى على ألمانيا النازية عام 1945، من الإعلان عن تحقيق “العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا” أهدافها، وتالياً الإعلان عن وقف للنار.
والربط بين 9 أيار/مايو والسيطرة على الدونباس، يُلزم القوات الروسية الدخول في سباق محموم، إما لطرد القوات الأوكرانية الموجودة في المنطقة والمقدرة بمئة ألف جندي، من المتمرسين على القتال على الجبهات منذ 2014، أو على الأقل تطويقهم ومنع خطوط الإمداد عنهم، وإعتبار المناطق التي يسيطرون عليها ساقطة عسكرياً، وإستخدام ذلك ورقة قوية في المفاوضات في حال إستئنافها.
المهمة المطلوبة من القوات الروسية ليست سهلة. لا سيما وأن المساعدات العسكرية الأميركية والأوروبية التي تتدفق على أوكرانيا، هي في تزايد، وآخرها إعلان بايدن عن نقلة في هذه المساعدات، لتتضمن مروحيات قتالية متطورة من طراز “أم أي-17” ومدافع “هاوتزر” بالإضافة إلى المُسيّرات.
وهذا من شأنه أن يضفي مزيداً من التعقيد أمام المهمة الروسية وإطالة أمد الحرب، بما يشكل إستنزافاً متواصلاً للجيش الروسي، عبر منعه من تحقيق إنتصار ذي معنى يتيح للقيادة الروسية، تبرير وقف العمليات العسكرية. المشهد الميداني الأوكراني يمكن تلخيصه بأمرين: سعي روسي إلى إحراز تقدم على الأرض يعقبه وقف للهجوم، بينما تضغط أميركا من طريق زيادة المساعدات العسكرية لأوكرانيا، للحؤول دون تحقيق هذا الهدف وإبقاء الجيش الروسي في مستنقع لا يستطيع التقدم فيه أو الخروج منه.
وهناك ظاهرة أخرى لافتة للإنتباه، تتمثل بتمكن المروحيات الأوكرانية في الأيام الأخيرة من إختراق الأجواء الروسية لمهاجمة مواقع داخل روسيا. وإذا ما أضيف هذا التطور، إلى الإنسحاب من محيط كييف وتشيرنهيف وإغراق الطراد “موسكفا”، هل يمكن أن يشكل ذلك بداية تحولٍ حقيقي في مجرى العمليات العسكرية، علماً أن المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا بلغت أكثر من 2.4 مليار دولار في غضون أقل من شهرين، مع زيادة ملحوظة في التعاون الإستخباراتي.
ولا يستثنى من مناخات الضغط على روسيا، إندفاع فنلندا والسويد إلى الإنضمام لحلف شمال الأطلسي. هذه حرب ليس ميدانها أوكرانيا فقط وإنما العالم أجمع. وتكفي نظرة إلى عدم إنضمام الصين والهند والدول الافريقية والبرازيل، وهؤلاء يمثلون أكثر من نصف سكان البشرية، إلى العقوبات الغربية على روسيا، ليتبين أن توازناً جيوسياسياً بدأت تظهر ملامحه في العالم علاوة على ذلك، يدل الخطاب الأميركي المتصاعد حيال روسيا وإتهامها بإرتكاب “إبادة جماعية” في أوكرانيا، وإلى إتهامها بالإستعداد لشن هجوم كيميائي أو هجوم بقنبلة نووية تكتيكية للخروج من المأزق العسكري الذي تعيشه، على ما ذهب مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (“سي آي إي”) وليم بيرنز، على أن أميركا قد تكون تحشد الرأي العام الأميركي لخطوة أبعد من الإكتفاء بإرسال المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا.
ولهذا تكثر الأسئلة، التي تُوجه إلى بايدن ومسؤولين آخرين حول ماهية إحتمالات الرد الأميركي، في حال أقدمت روسيا على إستخدام السلاح الكيميائي. إقرأ على موقع 180 حياد لبنان نقاش عمره 60 عاماً.. ولا ينتهي فهل تقترب أميركا من تدخل مباشر مع إقتراب موعد الإنتخابات النصفية؟ حتماً، بايدن لن يكون الرئيس الأميركي الأول الذي ينكث بوعد عدم إرسال جنوده إلى بلد يشهد نزاعاً مسلحاً، في سبيل تحقيق مكسب إنتخابي. وإذا كان فلاديمير بوتين غير قادر على كسب الحرب في الوقت الحاضر، فإن أوكرانيا والغرب، ما زالوا بعيدين عن إلحاق الهزيمة التي يتوخيانها بروسيا. والرأي العام الروسي معتاد بسيكولوجيته في الأوقات المصيرية على تقبل الخسائر الكبيرة.
يدل على ذلك إرتفاع شعبية بوتين من 70 في المئة عند بداية الحرب إلى 84 في المئة الآن. كل ذلك، يؤكد فرضية أن هذه حرب ليس ميدانها أوكرانيا فقط وإنما العالم أجمع. وتكفي نظرة إلى عدم إنضمام الصين والهند والدول الافريقية والبرازيل، وهؤلاء يمثلون أكثر من نصف سكان البشرية، إلى العقوبات الغربية على روسيا، ليتبين أن توازناً جيوسياسياً بدأت تظهر ملامحه في العالم، يرفض الآحادية الأميركية، ويتجه إلى حتمية التعددية القطبية. أما النظام الدولي الذي نشأ قبل أكثر من 30 عاماً، فلم لم يعد له وجود “إلا في أذهان المعلقين الأميركيين وليس في العالم الواقعي”، بحسب ما يستخلص عالم السياسة الأميركي أندرو باسيفيتش.
180Post-سميح صعب
اقرأ ايضاً:الطيران الروسي يكثف ضرباته على البادية