هل ينجح تفعيل الدور المصري في سوريا وليبيا؟
هدى رزق
عندما زار الرئيس المصري السابق محمد مرسي روسيا، عام 2013، عُدَّ الأمر كأنه خرق لقطيعة مصرية روسية دامت أكثر من ثلاثة عقود، لكون مصر تدور في فلك الولايات المتحدة الأميركية، وتربطها علاقة متينة بواشنطن، سياسياً وعسكرياً ومدنياً وتعليمياً. كانت زيارة مرسي تهدف إلى تنويع العلاقات الدولية.
تختلف علاقة مصر السيسي بروسيا اليوم. والحقيقة، من دون مبالغة، أن مفتاحها الأساسي كان من خلال دول الخليج. فالتشجيع الخليجي – السعودي – الإماراتي هدف أساساً إلى توجيه رسالة احتجاج إلى الحليف الأميركي بسبب الخوف من مضاعفات إخلاء مكانه في الخليج للتفرغ لاستراتيجيته في المحيط الهادئ، وبسبب انفتاح القيادة الديمقراطية على إيران وعودتها إلى الاتفاق النووي.
أتى العزم على إيجاد طريقة للتوصل إلى حل للأزمة السورية، بفضل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أدى دوراً من خلال زياراته المكثفة للمملكة العربية السعودية والإمارات وقطر في العام الماضي، 2021، بينما كانت الأنظار في تلك الفترة تتركّز على المحافظة على اتفاقية أوبك +، التي تقودها روسيا والسعودية، من أجل تطوير الرؤية الأمنية الجماعية لروسيا في الخليج، وتوسيع التعاون الاقتصادي الروسي مع حكومات هذه الدول.
العلاقات الروسية الإماراتية تطورت بصورة ملحوظة في الآونة الأخيرة بعد وقوف موسكو إلى جانب سوريا في قتال الإرهابيين المتطرفين. فالموقف الإماراتي من الإخوان المسلمين والحركات الإسلامية المتطرفة تَطابَقَ مع توجهات موسكو، فدعا وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وانتقد العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على سوريا بموجب قانون قيصر من أجل حماية المدنيين. كما عُقد في الدوحة لقاء ثلاثي روسي – قَطري – تركي تاريخي بشأن سوريا، نتج منه اتفاق الدول الثلاث على الحاجة إلى حل سياسي للحرب الأهلية السورية.
الدور المصري.. هل سيكون فاعلاً؟
انعكست الحرب الروسية الأوكرانية انخفاضاً في حدة الضربات الجوية لمناطق الحدود السورية – العراقية، حيث بقايا تنظيم “داعش”، وانخفاضاً في تحركات الدوريات العسكرية الروسية بالقرب من مناطق الوجود العسكرى الأميركي في مناطق الشمال الشرقي، وفي مناطق النقاط الأمنية الروسية – التركية المشتركة فى شمالي الحسكة. لكن، لا تزال روسيا تتحكّم في أرض الواقع، بسبب طبيعة الاتفاقات المعقودة بشأن المساعدات الإنسانية، وإيلاء الولايات المتحدة أهمية لتحركات إيران عند الحدود العراقية السورية، ورعايتها أمن “إسرائيل”، الأمر الذي أتاح لروسيا مجالاً في الاستمرار في معالجة الصراع السوري بعد استقرار وتفاهمات دولية وإقليمية عبر اعتماد “إدارة توازن المصالح”، وهو الخيار الذي أبقى الأزمة في حالة جمود، وأبقى خريطة النفوذ العسكري للقوى المنخرطة فيها في حالة ثبات.
اكتسب بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الملف السوري مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته الأخيرة للرياض، أهمية. فولي العهد السعودي يعارض عودة سوريا إلى الجامعة العربية بحجة وقوع القيادة السورية تحت التأثير الإيراني، إلّا أن الإمارات والبحرين ومصر دعت إلى ضرورة عودة سوريا إلى المنظومة العربية، وتأكيد وحدة أراضيها وسلامتها. تحاول الجامعة العربية تنشيط دورها السياسي، وتُولي وزارة الخارجية المصرية أهمية كبيرة لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ودفع العملية السياسية إلى الأمام، وإنهاء الجمود السياسي الحالي، والدعوة إلى التسوية الشاملة للأزمة. يأتي التشديد على أهمية سيطرة سوريا على أراضيها ليؤكد ضرورة انسحاب تركيا من الأراضي السورية. أمّا مسألة السيادة على القرار السيادي السوري فتعني، بالنسبة إلى الجامعة العربية، الابتعاد عن إيران. ويدعو بعض البرلمانيين المصريين إلى ضرورة تبادل الزيارات بين مسؤولين مصريين وسوريين، من أجل تمهيد الطريق أمام الانفتاح على دمشق. ناقشت مصر والأردن والعراق ودولة الإمارات، في مدينة العقبة الأردنية، عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فالمصريون يريدون عودة العلاقات بسوريا، ولاسيما أنهم لم يشاركوا في الأزمة السورية، بينما استمرت العلاقة الأمنية بين النظامين السوري والمصري. أمّا الموقف بشأن العلاقة السورية الإيرانية فهو غير واقعي، كونها علاقة استراتيجية، ولا تمنع عودة سوريا إلى الجامعة العربية، كدولة مستقلة في قرارها السياسي. وهذا ما تراه مصر، وتحاول إبلاغه إلى السعودية.
دعت الاقتراحات البرلمانية المصرية إلى تبادل الزيارات بين مصر وسوريا، وهي تراها ممكنة بعد زيارة الأسد للإمارات العربية المتحدة.
لم تأتِ زيارة الرئيس الأسد للإمارات إلّا بتنسيق مع حليفه الروسي، وفيها مصلحة لفك عزلة سوريا عربياً. أمّا استعادة العلاقات بالإمارات العربية وبمصر فلن تكون على حساب تحالفها مع إيران. تعمل مصر مع بعض الدول العربية على تأمين انسحاب تركيا من الأراضي السورية كشرط في مقابل اي انفتاح عربي وسوري حقيقي على أنقرة.
الأمن القومي المصري والصراع في ليبيا
تتظلل المبادرة المصرية في ليبيا بمبدأ الأمن القومي العربي. بعد أن شددت على أهمية إجراء الانتخابات اتخذت مصر خطوات لتسوية الخلافات وإنهاء حالة التنافس بين القوى السياسية الليبية، إذ ترى أن الوضع في ليبيا، على طول حدودها الغربية، مرتبط بأمنها القومي.
بعد أكثر من عقد من الفوضى، تبدو مصر حريصة على إرساء الاستقرار في جميع أنحاء ليبيا. ولهذا السبب، فهي تدعم قرارات برلمان شرقي ليبيا، بما في ذلك اختيار فتحي باشاغا لرئاسة حكومة جديدة. إلّا أن الدعم التركي للحكومة الموقتة لرئيس الوزراء الليبي، عبد الحميد دبيبة، وأنصاره الذين يرفضون تسليم السلطة، يعقّد فكرة إرساء الاستقرار.
عقد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، سلسلة اجتماعات، بهدف تحقيق مصلحة الليبيين والمحافظة على وحدة الأراضي الليبية، بينما تحاول تركيا كسب ود القاهرة واستعادة علاقتها بها من بوابة التشاور بين استخبارات البلدين وتبادل المعلومات بين الطرفين بشأن الإخوان المسلمين، وسحب العناصرالأجنبية من ليبيا بالتدريج، فضلاً عن قضايا أخرى تمسّ الوضع الليبي والتفاهم بشأنه.
ترى القاهرة أن الأمن الليبي لا ينفصل عن الأمن المصري. الاستقرار في ليبيا وإعادة إعمارها، وسحب جميع المرتزقة والقوات الأجنبية من البلاد، أولوية من أجل المحافظة على أمنها وسيادتها ومساعدتها على الوصول إلى تسوية شاملة ومستدامة.
تحاول مصر الاستفادة من فكرة الأمن القومي المشترك بينها وبين ليبيا من أجل الوصول إلى حلول، كما تلوّح لأنقرة بأن باب القاهرة غير موصَد في وجهها إذا توقّفت عن التدخل في الشؤون العربية وسحبت مسلّحيها من سوريا وليبيا.
الميادين