تطورات خطيرة بالقطب الشمالي.. لماذا قد يتحوَّل إلى ساحة للحرب بين روسيا والناتو؟
أصبح القطب الشمالي منطقة جديدة محتملة للنزاع بين روسيا والناتو بعد تصريحات روسية تبدي القلق من مناورات حلف شمال الأطلسي في القطب الشمالي وتحذر من مخاطر وقوع “حوادث غير مقصودة” في المنطقة.
كانت إحدى نتائج الخلاف الغربي الروسي بعد اندلاع حرب أوكرانيا التعليق غير المسبوق لعمل مجلس القطب الشمالي، وهو مجموعة من ثماني دول تترأسها روسيا حالياً وتضم أيضاً كندا والدنمارك وأيسلندا والنرويج والولايات المتحدة، (الأعضاء في الناتو)، إضافة إلى فنلندا والسويد، وجاء قرار تعليق عمل المجلس من الجانب الغربي.
وفي مارس/آذار 2022، أجرت قوات الناتو تدريبات تدعى “الاستجابة الباردة” نصف السنوية واسعة النطاق في النرويج والتي جرت بالقرب من الحدود الروسية وشهدت مشاركة حوالي 30 ألف جندي من 27 دولة، من بينها فنلندا والسويد، اللتان تفكران في الانضمام إلى حلف الناتو العسكري.
كانت هذه التدريبات مخططة منذ فترة طويلة، لكن الغزو الروسي لأوكرانيا زاد من حدة التوتر المرتبط بهذه المناورات الدورية، في وقت أصبح الناتو يعتبر أن روسيا أصبحت خصماً لا يمكن التنبؤ بتصرفاته ومستعد لتحمل مخاطر أكبر لاستعراض قوته في أوروبا.
وشكلت الاستجابة الباردة هذا العام واحدة من أكبر مناورات الناتو في القطب الشمالي على الإطلاق.
كما اكتسبت هذه التدريبات أهمية إضافية لبعض من مشاركة حوالي 3000 من مشاة البحرية الأمريكية فيها بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وانتقد نيكولاي كورتشونوف، السفير المتجول بوزارة الخارجية الروسية ومبعوث روسيا بمجلس القطب الشمالي ورئيسه الحالي تحديداً مشاركة دول الناتو غير القطبية في هذه المناورات.
وقال المسؤول الروسي لمجلة Newsweek الأمريكية “إن تدويل الأنشطة العسكرية للحلف في خطوط العرض العليا، والتي تشمل مشاركة دول الناتو غير القطبية الشمالية، لا يمكن إلا أن يسبب القلق”.
وأضاف في هذا الصدد هناك مخاطر وقوع حوادث غير مقصودة، وبالإضافة إلى المخاطر الأمنية، يمكن أن تسبب هذه التطورات أيضاً أضراراً جسيمة للنظام البيئي الهش في القطب الشمالي.
ولم يحدد نوع الحادث الذي يحذر منه.
وقال كورتشونوف أثناء تعليقه على احتمال انضمام السويد وفنلندا إلى الحلف: “بالتأكيد، لن يسهم توسع الناتو على حساب الدول غير الأعضاء في الكتلة التقليدية في الأمن والثقة المتبادلة في القطب الشمالي، وهو ما تنادي به روسيا باستمرار”.
المناورات تحاكي حرباً بين روسيا والناتو
كان سيناريو التدريبات العسكرية للناتو في الدائرة القطبية الشمالية متشابهاً منذ سنوات، تقوم هذه المناورات على افتراض أن النرويج تتعرض لهجوم من دولة خيالية (بالتأكيد المقصود روسيا)، يؤدي ذلك إلى تفعيل بند الدفاع الجماعي للحلف ووصول قوات من الولايات المتحدة وأكثر من اثني عشر شريكاً للدفاع عن البلاد.
وتحسنت العلاقات بين النرويج وروسيا، اللتين تشتركان في حدود القطب الشمالي، تدريجياً في حقبة ما بعد الحرب الباردة، ومع ذلك أدى ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014 إلى إثارة التوترات على جانبي الحدود والمزيد من المناورات العسكرية المتكررة.
وتحتل النرويج موقعاً استراتيجياً في أوروبا باعتبارها أقصى الطرف الشمالي لحلف الناتو، مع حدود برية وبحرية مشتركة مع روسيا، وبالتالي تتحمل مسؤولية المجال البحري (المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة) في مساحة تقارب مساحة البحر الأبيض المتوسط.
روسيا تقول إن القطب الشمالي أصبح جبهة جديدة في الأزمة الأوكرانية بالفعل
بعد وقت قصير من بدء تدريبات الناتو العسكرية، أصدرت روسيا إشعاراً للطيارين يشير إلى أنه ستكون هناك مناورات روسية بالذخيرة الحية تجري في البحر النرويجي غرب مناورات الناتو.
كما أجرت الولايات المتحدة أيضاً عدداً من التدريبات الموجهة للقطب الشمالي في أقصى أراضيها الشمالية من ألاسكا، والتي تقع حدودها الغربية على بعد 55 ميلاً فقط من الحدود الشرقية لروسيا كما أجرت مناورات مشتركة مع كندا.
قال نيكولاي كورتشونوف، الذي يشغل منصب سفير روسيا المتجول لدى مجلس القطب الشمالي، لمجلة Newsweek إن التحركات الدبلوماسية والعسكرية الأخيرة من قبل واشنطن وحلفائها تظهر أن الحدود الهادئة عادة قد أصبحت بالفعل جبهة في الأزمة.
وقال كورتشونوف: “تفويض المجلس يستبعد صراحة المسائل المتعلقة بالأمن العسكري”. “تنص جميع الوثائق التأسيسية والاستراتيجية على أن القطب الشمالي يجب أن يظل أرضاً للسلام والاستقرار والتعاون البناء، لذلك لا ينبغي أن يخضع هذا الشكل الفريد للتأثير غير المباشر لأي أحداث خارج المنطقة”.
وقال إن روسيا ستستغل توقف المجلس: “لإعادة تركيز رئاستها للمجلس لتلبية الاحتياجات المحلية في المنطقة”. وأضاف أنه “باستثناء الاجتماعات المعلقة لمجلس القطب الشمالي نفسه والشركات التابعة له، فجميع الأحداث في إطار برنامج الرئاسة الروسية في مجلس القطب الشمالي ستنظم كما هو مخطط لها”.
وقال كورشونوف إن موسكو تعتقد أن “القطب الشمالي لديه إمكانات هائلة للاستفادة وإنتاج طاقة مستدامة ومنخفضة الانبعاثات من حيث استكشاف المواد الحرجة. المعادن الأرضية النادرة والمعادن، وكذلك الحلول المبتكرة التي قد تسرع التحول المستدام للطاقة على الصعيد العالمي”.
النرويج قلقة من تعزيز موسكو لوجودها في القطب الشمالي
وعادت الأهمية الجيوسياسية لمنطقة القطب الشمالي إلى الضوء مع توغل القوات الروسية في أوكرانيا، حيث يزيد الغزو الروسي من تدهور العلاقات ويسلط الضوء على خطوط الصدع الحرجة بين روسيا والدول المتحالفة مع الناتو.
عند تحديد ردهم على الهجوم الروسي على أوكرانيا، يوازن حلفاء الناتو الاعتبارات الرئيسية، بما في ذلك التأثيرات المختلفة من الاستخدام المحتمل للقوة، وتحقيق التوازن بين استخدام العقوبات واعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية، ومعالجة علاقات روسيا القوية مع الصين.
تتركز احتياطيات الغاز الطبيعي والطاقة الوفيرة في منطقة القطب الشمالي الروسية، والتي تعتمد عليها الدول الأوروبية بشكل كبير في إمدادات الطاقة. وفي الوقت نفسه، جعلت روسيا القطب الشمالي نقطة محورية لجهود التحديث العسكري، مما أدى إلى تعزيز مطرد للقوات الروسية وقوات الناتو في جميع أنحاء المنطقة.
في أواخر يناير/كانون الثاني، مع تصاعد تحذيرات واشنطن بشأن هجوم روسي وشيك على أوكرانيا وإنكار موسكو، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسلسلة من التدريبات تشمل جميع قيادات قواته البحرية، بما في ذلك الشمال. الأسطول الذي تدرب على تأمين طرق الشحن الحيوية في بحر بارنتس.
وقد جعلت هذه العوامل النرويج عضو الناتو القطبي قلقة بشكل متزايد بشأن ما يُنظر إليه من نزعة عدوانية من جانب روسيا في أوروبا وإمكانية قيام موسكو بتغيير نظام الأمن الأوروبي بشكل دائم لصالحها من خلال التخويف أو استخدام القوة.
على وجه الخصوص، يساور النرويج القلق بشأن استمرار روسيا في تحديث أسطولها الشمالي المتمركز في مورمانسك وزيادة النشاط العسكري في أعالي الشمال، وهي منطقة يُعتقد أنها غنية بالموارد الطبيعية وحيث أدى ذوبان الجليد إلى فتح طرق شحن جديدة.
منطقة غنية بالطاقة
منطقة القطب الشمالي غنية بالموارد، كما أنها نقطة تماس بين روسيا وعدد من أعضاء الناتو واثنين من أهم أصدقاء الحلف هما فنلندا والسويد اللتين تجاهران الآن بعد الغزو الروسي لأوكرانيا برغبتها للانضمام للناتو.
ويُنظر إلى القطب الشمالي بشكل عام على أنه “منطقة حوار”، وقد اكتسب على مدى العقود الثلاثة الماضية سمعة باعتباره “منطقة سلام” تتميز بديناميكيات أمنية تعاونية وهادئة بشكل استثنائي.
ويقدر المعهد الملكي البريطانية للشؤون الدولية أن المنطقة يمكن أن تحتوي على ما يصل إلى 90 مليار برميل من النفط، وهو ما يعادل تقريباً احتياطي دولة الإمارات من النفط.
وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، يقع خُمس الغاز الطبيعي في العالم دون أن يمسه أحد تحت الغطاء الجليدي في القطب الشمالي. المنطقة غنية أيضاً بالمعادن الثمينة.
وفقاً لتقرير صدر في أواخر عام 2021 من قبل Reclaim Finance، وهي منظمة غير حكومية مكرسة لقضايا ربط التمويل بالعدالة الاجتماعية والمناخية، يوجد حالياً 599 حقلاً للنفط والغاز قيد الإنتاج أو قيد التقييم أو التطوير الميداني أو في مرحلة الاكتشاف داخل منطقة القطب الشمالي.
غازبروم، أكبر شركة طاقة روسية، تتواجد 74% من احتياطياتها في القطب الشمالي، وتحتل المرتبة الأولى في القائمة الشركات بالقطب الشمالي التي تضم أيضاً العديد من الشركات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والنرويجية.
لماذا ازدادت أهمية القطب الشمالي بعد الاحتباس الحراري؟
جذبت طموحات روسيا في القطب الشمالي اهتماماً متزايداً في الغرب على مدار العقد الماضي، حيث أتاح تغير المناخ فرصاً جديدة في المنطقة للملاحة واستكشاف ثرواتها.
من جانبها، تعتبر روسيا أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) تتحدى موقفها وطموحاتها هناك، ولقد أصبح خطاب الكرملين حول الزحف الغربي أكثر حدة.
نظراً لأن ذوبان الجليد البحري سيسهل على السفن السفر في المحيط المتجمد الشمال، فسيؤدي ذلك إلى زيادة عدد السفن الكبيرة التي تعبر المحيط القطبي، بالإضافة إلى أنها ستتيح أيضاً سهولة الوصول إلى قاع البحر، مما يجعل من الأسهل مسح واستخراج الموارد من قاع المحيط.
في عام 2013، بدلاً من استخدام طريق قناة بنما التقليدي، قطعت نورديك أوريون، وهي سفينة تجارية، رحلتها من فانكوفر إلى ميناء باري الفنلندي بحوالي 1850 كيلومتراً عن طريق عبور القطب الشمالي.
وفي عام 2017 أيضاً، سافرت ناقلة النفط الروسية كريستوف دي مارجيري من النرويج إلى كوريا الجنوبية دون مساعدة كاسحة الجليد.
سيؤدي ذلك إلى خلق قضايا أمنية لدول القطب الشمالي، حيث سيتعين عليها تنظيم حركة المرور المتزايدة عبر أراضيها، وقد تتعارض مع بعضها البعض بشأن المطالبات الإقليمية وخاصة تلك التي تتضمن موارد قيمة.
في عام 2020، حذر الأدميرال جيمس جي ستافريديس القائد الأعلى لقوات الناتو آنذاك من أن الاحتباس الحراري والتسابق على الموارد قد يؤديان إلى صراع في القطب الشمالي.
وقال ستافريديس: “في الوقت الحالي، تم التعامل مع النزاعات في الشمال بشكل سلمي، لكن تغير المناخ يمكن أن يغير التوازن على مدى السنوات المقبلة في سباق استغلال الموارد الطبيعية التي بات أسهل الوصول إليها”.
القطب الشمالي هو قلب روسيا الاقتصادي
بالنسبة لروسيا، الدولة ذات الخط الساحلي الأطول في القطب الشمالي، تعتبر منطقة مهمة على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي.
وقال كورشونوف: “ينتج القطب الشمالي الروسي أكثر من 11% من ناتجنا المحلي الإجمالي الوطني وأكثر من 20% من الصادرات، كما أنه موطن لأكثر من 2.5 مليون روسي، بما في ذلك الشعوب الأصلية في الشمال”.
في مارس/آذار 2017، قام بوتين بزيارة إلى منطقة في أرخبيل القطب الشمالي حيث أفادت التقارير أنه أعلن أن “الموارد الطبيعية، التي لها أهمية قصوى بالنسبة للاقتصاد الروسي، تتركز في هذه المنطقة”.
وأضاف كورتشونوف: “بالنسبة لروسيا، لا يوجد بديل سوى الحفاظ على التنمية المستدامة لأراضي القطب الشمالي”. “إن أراضي روسيا القطبية تمثل ما يقرب من ثلث منطقة القطب الشمالي، وأكثر من نصف سكان القطب الشمالي، وما يقرب من نصف ساحل القطب الشمالي بأكمله وما يقرب من 70% من جميع الأنشطة الاقتصادية في خطوط العرض العليا”.
في المقابل، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن “حرب روسيا ضد أوكرانيا لحظة فاصلة”، ورد الناتو في القطب الشمالي بأنه أمر طبيعي جديد للأمن الأوروبي وكذلك لأمن القطب الشمالي”.
وأشار إلى حلف شمال الأطلسي بأنه “تحالف القطب الشمالي”، ووصف المنطقة بأنها “ذات أهمية استراتيجية لأمن المنطقة الأوروبية الأطلسية بأكملها، وحيوية لروابط الاتصال بين أمريكا الشمالية وأوروبا”.
وقال ستولتنبرغ: “إنها أيضاً منطقة منافسة استراتيجية متنامية”، ففي السنوات القليلة الماضية، شهدنا زيادة كبيرة في النشاط العسكري الروسي في القطب الشمالي، حيث أعادت روسيا تأهيل قواعد القطب الشمالي التي تعود إلى الحقبة السوفييتية. وتم اختبار العديد من أنظمة الأسلحة الروسية الجديدة، مشيراً إلى أن القطب الشمالي موطن الغواصات الاستراتيجية الروسية.
وأضاف أن “الحشد العسكري الروسي هو أخطر تحد للاستقرار وأمن الحلفاء في أعالي الشمال”.
والآن مع توقف التعاون في القطب الشمالي بسبب الحرب في أوكرانيا، يظل مستقبل الجهود المتعددة الأطراف في هذه المنطقة غير مؤكد إلى حد كبير، بل إن الأوضاع بالقطب قد تكون مرشحة للتدهور.
اقرأ ايضاً:عبد الباري عطوان: لماذا انفجر الغضب الرسمي السوري على أردوغان فجأةً؟