الثلاثاء , نوفمبر 26 2024

حرب الفصائل في الشمال السوري: «الاصطفاء الطبيعي»… بعد فشل «الهيكلة»

حرب الفصائل في الشمال السوري: «الاصطفاء الطبيعي»… بعد فشل «الهيكلة»

علاء حلبي

تعيش مناطق سيطرة الفصائل السورية المعارِضة التابعة لتركيا حالة فوضى متصاعدة، يبدو أنها ستدفع أنقرة إلى إعادة النظر في مشاريعها التي كانت تحاول تنفيذها عبر دمج الفصائل وإعادة هيكلتها، لتبحث عن مسارات جديدة تُعيد عبرها ضبط تلك المناطق، وتحصّن سيطرتها عليها

لا ينفصل سياق إعادة الهيكلة السياسية التي ترعاها تركيا للتشكيلات السورية المعارِضة، عن محاولات إعادة هيكلة الفصائل المقاتلة في الشمال السوري الخاضع لسيطرة أنقرة. وبرز ذلك بشكل واضح عبر خطط حاولت تركيا تمريرها خلال الشهور الماضية، سواءً عن طريق دمج الفصائل تحت مظلّة واحدة، أو ما تبعه من خطوات نتيجة فشل هذا الدمج، وآخرها تكريس حالة انقسام بين أطراف وتكتّلات، في ما يشبه عملية «اصطفاء طبيعي»، وفق وصْف مصادر ميدانية تحدّثت إلى «الأخبار». ورأت المصادر أن ثمّة رغبة تركية في خلق بيئة موحّدة تحت غطاءَين سياسي وعسكري، الأمر الذي يسهّل عليها قيادة المنطقة من جهة، ويؤمّن لها تمرير مشاريع مستقبلية، سواءً قضم المناطق المحاذية للشريط الحدودي، أو خلق بيئة موالية لأنقرة بعد عمليات التغيير الديموغرافية التي يتمّ تنفيذها حالياً، في حال تمّ التوصل إلى اتفاق سياسي مستقبلاً خرجت على إثره تركيا من سوريا، من جهة أخرى.

وضرب المصدر مثالاً على اختلاف النهج التركي بين مرحلتَين، حيث دعمت أنقرة في المرحلة الأولى توحيد الفصائل، وفي المرحلة الثانية دعمت تمزّقها. إذ قامت، ابتداءً، بالضغط عليها للانخراط تحت مظلة موحّدة تضمّها جميعها، أُطلق عليها اسم «غرفة عزم»، والتي ضمّت ثلاثة تشكيلات رئيسة: «حركة البناء والتحرير» (تضمّ «جيش الشرقية»، و«أحرار الشرقية»، و«الفرقة 20»)، و«الفيلق الثالث» (يضمّ ستّة فصائل أبرزها «الجبهة الشامية» و«جيش الإسلام»)، و«هيئة ثائرون» (تضمّ سبعة فصائل أبرزها «السلطان مراد» و«فيلق الشام» و«سيمان شاه»)، قبل أن تشهد هذه الغرفة انشقاقات لاحقة نتيجة سعْي أطرافها إلى فرض سيطرتهم، لتَظهر ملامح سياسة تركية جديدة تدعم تلك الانشقاقات.
ويتوافق اختلاف النهج التركي في إدارة الفصائل مع معلومات سابقة حول وجود مخطّط يقضي بتوحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، بما فيها إدلب التي تسيطر عليها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة) التي يقودها أبو محمد الجولاني. ويبدو أنّ هذا المخطّط اصطدم في مرحلة التوحيد برفض من بعض الفصائل، وعلى رأسها «الجبهة الشامية»، التي استغلّت «غرفة عزم» لشنّ هجمات طاولت جماعات تتمتّع بعلاقات قوية مع تركيا، من بينها «سليمان شاه»، الذي يُعتبر من أبرز مورّدي المقاتلين الذين ترسلهم تركيا للقتال خارج سوريا (ليبيا، وآذربيجان، وأخيراً أوكرانيا)، إضافة إلى علاقته مع «هيئة تحرير الشام»، الأمر الذي يفسّر سبب محاولات إنهائه من قِبَل بعض الفصائل، وعلى رأسها «الجبهة الشامية»، التي يَظهر أنها تحاول خلق حالة مماثلة وموازية لـ«تحرير الشام»، وتقديم نفسها على أنها الأكثر ملاءمة لقيادة هذه المناطق.

اختلف النهج التركي بين مرحلتَين، إذ دعمت أنقرة في الأولى توحيد الفصائل وفي الثانية دعمت تمزّقها

وأمام تلك المساعي، يبدو أن «الجبهة الشامية» والفصائل المتحالفة معها (الفيلق الثالث)، وعلى وقع الضغوط التركية المتواصلة بتخفيض النفقات والاعتماد على التمويل الذاتي أسوة بـ «تحرير الشام»، بدأت محاولات السيطرة على معابر التهريب، التي تُعتبر من أبرز الموارد المالية، بالتوازي مع محاولات تهميش الفصائل الأخرى («هيئة ثائرون» على وجه التحديد) وتسليط الضغط عليها لإنهاء المنافسة معها، الأمر الذي خلق بيئة متوتّرة جاهزة للاشتعال في أيّ وقت، وهو ما تَظهر آثاره بين وقت وآخر في صراعات واشتباكات دامية. ويلاحظ، في هذا السياق، ميل تركيا الواضح إلى «ثائرون» ومحاولتها تسويقها بشكل غير مباشر، عن طريق العلاقات القوية التي ظهرت بين «الائتلاف» المعارض الذي أعادت تركيا هيكلته و«ثائرون»، من خلال الزيارات العديدة التي قام بها مسؤولو الأوّل لمناطق سيطرة الأخيرة، وتجاهل مناطق سيطرة الفصائل الأخرى، الأمر الذي يمثّل خطوة على طريق فتح الأبواب أمام «هيئة تحرير الشام» التي تتمتّع بعلاقات قوية مع «ثائرون».
وتوقّعت المصادر أن تستمرّ حالة التوتّر القائمة في الوقت الحالي، في ظلّ عدم التدخّل التركي، والإصرار على تقديم الدعم السياسي لفصائل وتجاهُل أخرى، الأمر الذي يمكن أن ينتهي إلى أشكال عدّة، جميعها تصبّ في مصلحة تركيا، سواءً تمكّنت فصائل «الفيلق الثالث» من تقوية نفوذها وتأمين مصادر تمويل ذاتي لها، أو تمكّنت فصائل «ثائرون» من الاستفادة من الظروف وطفت على السطح. وسيسمح ذلك بمجمله بالانتهاء من حالة الانقسامات القائمة، ويفتح الباب أمام توحيد المناطق تحت راية الجولاني الذي بات يتمتّع بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة تسمح لتركيا بتسويقه في مناطق جديدة، أو عن طريق إيجاد مظلّة تجمع بين الفصائل التي تثبت سطوتها و«هيئة تحرير الشام»، وفق توازن واضح تديره أنقرة بعد التخلّص من الأصوات المعارضة لهذا المشروع.

الأخبار