خالد العبود: ماذا يحصل في درعا وريفها
خالد العبود
-كلّ ما يحصل في الجنوب السوريّ، وتحديداً في درعا وريفها، ليس مفصولاً عمّا حصل في اللحظات الأولى من أحداث عام 2011م، في حين أنّ المتغيّر الوحيد، في كلّ مراحل ومحطات المواجهة، كان يتجلّى في اختلاف طبيعة وتفاصيل المواجهة في تلك المراحل والمحطات!!..
-ففي المرحلة الأولى، على سبيل المثال، كان مطلوباً أن يُصدّرَ حَراك اجتماعيّ – سياسيّ، يتمّ التحشيد من خلاله لأكبر نسبة من أهلنا في محافظة درعا، ودفعهم كي يكونوا مادة أولى للفوضى، لشحنها ووضعها في مواجهة الدولة!!..
-وهذا ما كنّا نؤكّد عليه منذ لحظاته الأولى، في حين أنّ كثيرين كانوا يرون المشهد في مكانٍ آخرَ مختلفٍ تماماً، وهو ما رتّب خسائر فادحة جدّاً على أبناء المنطقة، نتيجة تقديرٍ خاطئ للموقف، من قبل كثيرٍ من أبناء المحافظة!!..
-واليوم لم يتغيّر شيء على الإطلاق، كلّ ما حصل أنّ الدولة استطاعت أن تسقط العدوان في محطّاته ومراحله السابقة، لكنّ الفوضى ما زالت تضرب قرى ومدن المحافظة، باعتبار أن المواجهة لم تنتهِ بعد، في حين أنّ أهداف العدوان سقطت كاملة، وهنا يجب أن نميّز بين إفشال أهداف العدوان، وبين التخلّص من أدوات العدوان وإنهائها..
-نعم العدوان سقطت أهدافه تماماً، لكنّ أدواته لم تنتهِ، أو لم يتمّ التخلّص منها، باعتبار أنّ الدولة السوريّة عملت على محاولة استيعاب هذه الأدوات، وإعادة إنتاجها في مجتمعاتها، من خلال جملة خطوات وإجراءات وطنيّة، كانت هامة ورئيسيّة في سياق استعادة كثيرٍ من أبناء المحافظة، ممّن شكّلوا أداة الفوضى في قراهم ومدنهم، بعد أن تمّ استعمالهم من قبل أجهزة استخبارات إقليميّة ودوليّة معروفة، في مواجهة الدولة والمجتمع..
-اعتقدت هذه الأجهزة في مراحل سابقة، أنّ هذه العناصر التي جنّدتها كي تكون في مواجهة الدولة والمجتمع، سوف تكون مادة الفوضى الرئيسية التي سوف تُبقي سوريّة دولة رخوة تحكمها وتديرها وتشغلها الفوضى، لكنّ ذلك لم يحصل، ثمّ ظنّت هذه الأجهزة لاحقاً، أن الدولة السوريّة سوف تخوض معارك مفتوحة وطويلة، في سبيل القضاء على أداة الفوضى، ونعني بهم مجموعات العناصر المسلحة، لكنّ ذلك لم يحصل أيضاً!!..
-إنّ العمل الذي قامت به الدولة، لجهة استيعاب هذه العناصر المسلحة، والعمل على إعادة إنتاجها وطنيّاً، من خلال سيناريو مصالحات وتسويات واسعة، أبقى هذه العناصر حرّة طليقة ومكشوفة، فهي عناصر مسلحة كانت مرتبطة بأجندات خارجيّة، لم تقضِ عليها الدولة من جهة، ولم تقبل استقبالها الحكومات التي عملت استخباراتها على تجنيدها، من جهة أخرى، لكنّ هذه العناصر تعتبر صناديق سوداء مهمّة جدّاً، لمرحلة من مراحل المواجهة، خاصة بالنسبة لمن كان يعمل على تشغيلها والاستثمار فيها، ضدّ الدولة السوريّة!!..
-وهو السبب الرئيسيّ الذي دفع تلك الأجهزة الاستخباراتيّة للتدخّل، ومن جديد، وصولاً إلى إتلاف صناديقها السوداء في هذه المحافظة، من خلال الانتهاء من عناصرها المسلحة، وتحديداً القيادات التي شكّلت مفاتيح رئيسيّة في هذه الصناديق، خاصة وأنّ هناك دوراً أمنيّاً “إsرائيليّاً”، أدته بعض هذه العناصر في سوريّة، لصالح كيان الاحتلال، فكان لا بدّ من حريق أداة الفوضى تلك، وهذا أولاً..
-أمّا ثانيّاً، فإنّ هذا الحريق المستمر في الجنوب، من قبل تلك الأجهزة الإقليميّة، من خلال التخلّص من عملاء لها سابقين، إضافةً إلى الاستفادة من البعض منهم، في إحداث هامش فوضى جديد، بالاعتداء على مؤسسات الدولة، خاصة لجهة بعض الاغتيالات، التي تحصل بحقّ بعض أبنائنا من القوات المسلحة، أو بعض أهلنا من أبناء المحافظة، يُبقي على الدولة السوريّة ضعيفة، غير قادرة على ضبط هذا الجنوب، وبالتالي غير قادرة على بسط نفوذها عليه كاملاً، وهو ما تريده “إsرائيل”، لتوفير أمن جبهتها مع سوريّة!!..
-في ظلّ هذا المشهد الدامي، كثيرون هم الذين يطرحون السؤال التالي، من أبناء المحافظة ومن غيرهم:
لماذا لا تحسم الدولة أمر المحافظة، وتُنهي هذه الفوضى، خاصة وأنّ هذه الفوضى ابتلعت كثيراً من السوريين، وكثيراً أيضاً من أبناء المحافظة ذاتها؟!!..
-طبعاً نحن نعتقد أنّ الدولة قادرةٌ على حسم هذه الفوضى، فيما لو استعملت أداتها الدستوريّة والقانونيّة، في مواجهة هذه الفوضى وعناصرها، لكنّ ذلك يحتاج مناخاً مناسباً، كون أنّ هذا المناخ غير متوفّر حالياً، خاصة وأنّ الدولة لو استعملت أداتها، في القضاء على هذه الفوضى، سوف يتمّ استغلال عملها ومواجهتها لذلك، وتسويقه وتقديمه من جديد، على أنّه عدوانٌ من الدولة على مواطنيها، خاصة وأنّ هناك من ينتظر الاستثمار بذلك!!..
-إذن.. كيف تُحسم هذه الفوضى، وكيف يتمّ إيقاف نهر الدماء في درعا وريفها، طالما أنّ الدولة قادرة على ذلك، وطالما أنّ هذا الحسم فيه منفعة للدولة من جهة، ولأبناء المحافظة وجميع السوريين من جهة أخرى؟!!..
-نحن نعتقد أنّه مطلوبٌ منّا توفير المناخ المناسب، للدور الذي يحب أن تلعبه الدولة، لقيامها بواجبها الدستوريّ، وصولاً إلى القضاء على هذه الفوضى، ويتجلّى ذلك بمهمتين أساسيتين، وهما:
=أولاً..
مطلوبٌ من القوى المجتمعيّة والروحيّة والنقابيّة والسياسيّة لأبناء المحافظة، من الوجهاء ورجال الدين والمثقفين والعمال والفلاحين والأحزاب، ترتيب صفوفهم علانيةً، ورفع صوتهم الواضح، من خلال آلية حضورٍ مدروسٍ لهم، في الشارع الشعبيّ لأبناء المحافظة، لتوفير الإطار الاجتماعي – السياسيّ الذي يُطالب الدولة، بمؤسساتها المسؤولة قانونيّاً ودستوريّاً، لمواجهة هذه الفوضى والقضاء عليها!!..
=ثانياً..
مطلوبٌ من جميع “العوائل” و”الحمايل” و”الأُسَر”، رفع غطائها الاجتماعيّ الروحيّ الكامل، عن هذه العناصر التي أضحت معروفة تماماً في المجتمع الحورانيّ، وتصدير ذلك الموقف علانيّة، لنبذ أولئك الذين ما زالوا حتى اللحظة، يشكّلون مادة الفوضى الأساسيّة والرئيسيّة على مستوى المحافظة، من أجل تخليص البعض منهم، من إطاره الاجتماعيّ الذي ما زال يستقوي به على الآخرين، دولةً ومجتمعاً!!..
-حمى الله درعا وأهلها الميامين، أولئك الذين ما زالوا يواجهون إعصار الفوضى وزلزالها، ورحم الله جميع أبنائها الذين كانوا ضحايا لهذا الاعصار من الفوضى وزلزالها، وأعاد كلّ من شرّدتهم ونكّلت بهم هذه الحرب اللعينة..
-ورحم الله شهداءنا من أبنائنا في القوات المسلحة الباسلة، وعافى جرحانا، أولئك الذين ردّوا المشروع إلى نحور أصحابه، وخلّصوا درعا وغيرها من محافظات القطر، من مشروع احتلال كبير جدّاً، كان يمكن لسوريّة ألا تقوم لها قائمة بعده!!..