رغم الأزمة … مهن تنتعش في سوريا
بسبب الأزمة الاقتصادية التي عصفت في سوريا بعد العقوبات الأميركية والغربية، أمست بعض المهن اليدوية مهددة بالانقراض، إلا أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون حالياً ساهمت بكتابة الحياة لها من جديد، وعادت إلى الواجهة، بل وازدهرت أكثر مما كانت عليه قبل نشوب الأزمة في العام 2011، لأن الناس لم تعد تمتلك قوة شرائية لشراء الجديد منها لارتفاع سعرها وندرتها أحياناً.
وقبل اندلاع الأزمة في سوريا العام 2011، كانت أعمال إصلاح السجاد أو ما يعرف بـ”رتيّ السجاد ” أو تبييض الأدوات النحاسية تدور إلى حد كبير حول إصلاح السجاد اليدوي القديم جدا والمكلف، أو إعادة الحياة لبعض الأواني النحاسية التي تحمل إرثاً تاريخياً معيناً، وتلك الأشياء كانت تعتبر تراثًا أو كنوزاً فنية نظراً لقيمتها التاريخية.
وكان صناعو السجاد اليدوي يتفننون بتقديم أعمال متميزة، كما الفنانين التشكيليين الذين يرسمون أعمالا فنية جميلة، وكانت تلك الأعمال تلفت الانتباه، ولكن مع مرور الوقت، باتت صناعة السجاد اليدوي نادرة، وبات صعباً على الناس شراء هذا النوع من السجادة لغلاء ثمنه.
عمر الرواس ، رجل يبلغ من العمر 44 عاما، ورث هذا المهنة عن أسلافه، ويتمتع بموهبة فنية كبيرة والتزام حيث يجلس في ساحة ورشته الكائنة في أحد أسواق مدينة حلب (شمال سوريا) ويقوم بربط عقدة تلو الأخرى من خيوط منسوجة من الصوف والحرير نسجها أناس بارعون قبل عشرات السنين.
ويفتخر الرواس، المحاطً بعدد لا يحصى من السجاد القديم، بمهنة إصلاح القطع الفنية القديمة، فهو يُظهر معرفة رائعة بأنواع مختلفة من السجاد من أجزاء مختلفة من العالم، مثل السجاد الإيراني الشهير القادم من مشهد وتبريز وأراك وأصفهان وكاشان وكرمان وغيرها.
ويصف الرواس عمله بأنه يشبه عمل الفنانين الذين يقومون بإصلاح اللوحات الفنية القديمة، ورأى أن عمل “الرتي” قد تستغرق شهوراً لإنهاء إصلاح التلف في السجاد اليدوي القديم اعتماداً على الحجم ومدى تعقيد العقد وكذلك مطابقة تركيبة اللون الصحيحة.
ويحتل السجاد اليدوي الفاخر مكانة عالية في سوريا ويعتبر تراثاً لأنه ينتقل من جيل إلى آخر ولهذا ظهرت مهنة إصلاحه لحماية مثل هذه الأشياء القيمة.
كان نساجو السجاد في سوريا يصلحون فقط هذه الأنواع من السجاد، والتي قطعت شوطاً طويلاً منذ الأيام التي كان يتم فيها تصميم السجاد يدويًا على عكس السجاد المصنوع آليًا اليوم، وهو أرخص إلى حد كبير ولغرض وضعه على الأرض فقط في فصل الشتاء البارد لاضفاء نوع من الدفء.
لكن بما أن الأزمة السورية التي اندلعت، قد أثرت على جميع مناحي الحياة في سوريا، لا سيما الأزمة الاقتصادية التي نتجت عن سنوات الحرب الطويلة والعقوبات الاقتصادية القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة على سوريا، فإن النساجين البساطين، الذين انخفض عددهم بشكل كبير خلال الحرب، إلا أن الناس حالياً تقوم بإصلاح أي سجادة لأنهم لا يستطيعون شراء سجادة جديدة.
وأشار الرواس إلى أن مهنة اصلاح السجاد “الرتي” يتم توارثها من الآباء والأجداد، ويتم توريثها للأبناء وهكذا، لأنها مهنة باتت نادرة، ومزدهرة في ذات الوقت، هذه الأوقات بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس.
وأشار إلى إنه يعمل على نقل مهاراته وشغفه بهذه المهنة إلى أبنائه، قائلا إنه بمجرد أن يحبها أطفاله، سيكونون متحمسين لمواصلة هذا الإرث.
“المبيض” وطرق نحاس
وعلى بعد أمتار من محل الشاب الأربعيني الرواس، تسمع أصوات طرق المطارق على اوعية نحاسية أو صوت حفيف يشبه حفيف أوراق الشجر، لتجد أن رجلاً خمسيني يجلس حاملاً بيده مطرقة صغيرة، ويقوم بالطرق على وعاء نحاسي متوسط الحجم بغية إصلاحه وتبييّض الصدأ الذي اعتلاه بسبب الظروف الجوية وعوامل الزمن.
وقال إياد المبيّض لـ(شينخوا)، الذي اكتسب كنيته من عمله، “اكتسبت هذه المهنة من والدي والذي اخذها بدوره عن جدي”، مؤكداً أن مهنة المبيّض أو تبيض الأواني النحاسية كانت مهددة بالانقراض ، إلا أن الظروف الاقتصادية الحالية التي يعيشها السوريين ، ساهمت بإعادة هذه المهنة للحياة ، لأن النحاس اصبح غال الثمن ، وأغلب العوائل بحلب تمتلك أواني نحاسية هي تراث من الأجداد.
وأشار المبيّض إلى أن النحاس له تاريخ قديم، ونعمل حالياً على إصلاحه وتبييضه ليكون جاهز للاستخدام، مبيناً أن الكثير من العوائل عادت لاستخدام الأواني النحاسية، لعدم قدرتها على شراء الأواني الجديدة.
وبدوره، أكد نورس محمد، عضو الجمعية الحرفية للمهن اليدوية في سوريا إن المهن اليدوية القديمة يجب ان تبقى موجودة ، لأنها تمثل ذاكرة تراثية لسوريا.
وقال محمد لوكالة (شينخوا) إن “هناك مهنا يدويا ازدهرت خلال الازمة السورية، وعادت للواجهة بقوة ، ومنها مهنة إصلاح السجاد ، وتبييّض الأواني النحاسية، وترميم اللوحات الفنية القديمة التي كانت موجودة في البيوت والتي تضررت بفعل الحرب”، معرباً عن سعادته بعودة تلك المهن إلى الحياة من جديد.
وأوضح أن الجمعية الحرفية تقوم بتوثيق المهن اليدوية المهددة بالانقراض، وتعمل على تقديم كل ما يلزم لها لتبقى موجودة.
اقرأ ايضاً:حلويات مغشوشة في الأسواق