لماذا يرفض أردوغان انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو؟ هذا ما ينتظرهما من تقديم الطلب حتى رفع العَلَم
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن أنقرة “لا توافق” على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف الناتو، فما الأسباب؟ وهل هناك دول أخرى تتبنى موقف تركيا؟ وماذا ينتظرهما من تقديم الطلب حتى رفع العلم؟
السويد وفنلندا من الدول الإسكندنافية التي تقع في شمال أوروبا، وكلتاهما لم تكن يوماً عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والتزمتا الحياد خلال عقود الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية، وهي الحالة التي يبدو أنها على وشك أن تتغير، في إطار الوضع الجيوسياسي المعقد الذي نتج عن الهجوم الروسي على أوكرانيا.
إذ أعلنت السويد وفنلندا عن قرارهما التقدم بطلب الانضمام لحلف الناتو بعد الحصول على “تطمينات” أمريكية بتوفير الحماية لهما ضد أي تحرك من جانب روسيا، ولا يعني هذا فقط أن الدولتين قررتا التخلي عن حالة الحياد، لكنه يعني أيضاً أن الحرب في أوكرانيا قد تتحول إلى مواجهة عسكرية بين الناتو وروسيا، وهي المواجهة التي قد تتحول إلى حرب نووية.
لماذا ترفض تركيا طلب السويد وفنلندا؟
رئيسة الوزراء السويدية ماجدالينا أندرسون قالت الإثنين 16 مايو/أيار إن حكومتها قررت رسمياً التقدم بطلب للحصول على عضوية حلف الناتو، وذلك بعد يوم من تأكيد الرئيس الفنلندي سولي نينيستو أن أوسلو ستتقدم بطلب مماثل.
لكن تركيا كانت قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها لن تنظر إلى طلبات السويد وفنلندا بإيجابية، مستشهدة بشكل أساسي بتاريخهما في استضافة أعضاء جماعات تعتبرها أنقرة إرهابية.
وقالت وزارة الخارجية السويدية، الإثنين، إن كبار ممثلي السويد وفنلندا يعتزمون التوجه إلى تركيا لإجراء محادثات لبحث اعتراضات أنقرة. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رد بالقول إنه ينبغي ألا يتجشم الوفدان السويدي والفنلندي عناء القدوم إلى أنقرة لإقناعها بالموافقة على ملف الانضمام لحلف شمال الأطلسي.
وأضاف أردوغان، في مؤتمر صحفي، الإثنين، إن تركيا لن توافق على مساعي البلدين للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، واصفاً السويد بأنها “مفرخة” للمنظمات الإرهابية، مضيفاً أن لديها إرهابيين في برلمانها.
وقال أردوغان: “لا يوجد لدى أي من هاتين الدولتين موقف واضح ومفتوح تجاه التنظيم الإرهابي. كيف يمكننا أن نثق بهما؟”، وأضاف عن الزيارة المزمعة: “إنهم يأتون إلى تركيا يوم الإثنين. هل يأتون لإقناعنا؟ معذرة.. فينبغي ألا يتعبوا أنفسهم”، مؤكداً أن حلف الأطلسي سيصبح “مكاناً يتركز فيه ممثلو المنظمات الإرهابية” إذا انضم البلدان.
أنقرة تقول إن السويد وفنلندا تؤويان أشخاصاً تقول إنهم مرتبطون بجماعات تعتبرها إرهابية، مثل جماعة حزب العمال الكردستاني وأتباع فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة انقلاب عام 2016. وذكرت قناة “تي.آر.تي” الإخبارية التركية الحكومية، اليوم، إن السويد وفنلندا لم توافقا على طلب تركيا إعادة 33 شخصاً.
هل يمكن أن تُغيِّر تركيا موقفها؟
حلف الأطلسي والولايات المتحدة يقولان إنهما واثقان من أن تركيا لن تؤجل عضوية فنلندا والسويد. وقال دبلوماسيون لـ”رويترز” إن أردوغان سيتعرض لضغوط للاستسلام؛ لأن فنلندا والسويد ستعززان حلف شمال الأطلسي بشكل كبير في بحر البلطيق.
وأكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن تركيا حليف مهم للناتو وينبغي إزالة كافة المخاوف الأمنية التي تعتريها. وقال ستولتنبرغ في تدوينة نشرها عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، الإثنين، إنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، بحسب وكالة الأناضول.
ستولتنبرغ قال إنه بحث مع تشاووش أوغلو قراري فنلندا والسويد التقدم بطلب لعضوية “الناتو”، وأضاف أن “تركيا حليف مهم (للناتو) وينبغي إزالة كافة المخاوف الأمنية التي تعتريها”، وشدد على ضرورة الوقوف معاً “في مثل هذه اللحظة التاريخية”.
لكن الرئيس التركي قال إنه حتى لو صرح البلدان (السويد وفنلندا) في هذه المرحلة بأنهما ضد التنظيمات الإرهابية، فلا يمكن لتركيا الوثوق بذلك، مستشهداً بالحديث النبوي الشريف: “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”. وأوضح أن اليونان كانت قد خرجت من الناتو ثم عادت بموافقة أنقرة (بعد انقلاب 1980 في تركيا).
كانت اليونان خرجت من الذراع العسكرية للحلف إثر عملية السلام العسكرية التي قامت بها تركيا في قبرص (1974)، ثم حاولت العودة مجدداً، لكن ذلك كان يصطدم بالفيتو من قِبَل أنقرة وتمت الموافقة على عودتها لاحقاً بعد انقلاب 1980 قي تركيا.
ولفت الرئيس أردوغان إلى أن دولاً بارزة في الناتو تقدم مختلف أنواع الدعم لليونان (ضد تركيا) وتقيم قواعد فيها. وأشار إلى أن السويد تعد بمثابة حاضنة للتنظيمات الإرهابية، وتدعو الإرهابيين إلى برلمانها وتسمح لهم بإلقاء كلمات هناك. كما لفت إلى وجود إرهابيين مناصرين لتنظيم “بي كا كا” في برلمانها، وتساءل: “كيف لنا أن نثق بهؤلاء؟”.
وأشار إلى أنه في حال موافقة تركيا على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، فإن الحلف سيخرج عن كونه منظمة أمنية ويتحول إلى مكان يتركز فيه من هم بمثابة ممثلين للإرهابيين.
هل يمكن انضمام السويد وفنلندا رغم “الفيتو” التركي؟
الإجابة هنا واضحة وحاسمة، بحسب بنود القواعد المؤسسة للحلف العسكري الغربي، إذ إن القرارات في الناتو تؤخذ بالإجماع فقط، وهو ما يعني عملياً أن أي عضو من أعضاء الحلف الثلاثين يمتلك حق النقض أو “الفيتو”، بحسب تقرير نشرته صحيفة The Independent البريطانية.
وبالتالي فإنه ما لم تتمكن دول الحلف الراغبة بشدة في ضم السويد وفنلندا، وعلى رأسها بطبيعة الحال الولايات المتحدة، من إقناع تركيا بتغيير موقفها الرافض لانضمام السويد وفنلندا، لا يمكن أبداً ضم الدولتين الإسكندنافيتين للحلف العسكري الغربي، الذي يراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمثل تهديداً مباشراً لموسكو.
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، لا يبدو أن هناك دولة أخرى، بخلاف تركيا، تبدي اعتراضات على انضمام السويد وفنلندا للناتو، فالدولتان تتمتعان بالفعل بعلاقات وثيقة مع الحلف العسكري الغربي على الرغم من وضعهما المحايد، لكن بدون موافقة تركيا لا يمكن لهما الانضمام للناتو.
ماذا لو وافقت تركيا، هل ينضمان للناتو مباشرة؟
لكن ماذا لو قدمت السويد وفنلندا ومن خلفهما الولايات المتحدة لتركيا ما تريده وغيرت أنقرة بالفعل موقفها من انضمامها للناتو، هل يعني ذلك أن السويد وفنلندا ستصبحان تلقائياً من أعضاء الناتو، ليرتفع عدد أعضاء الحلف إلى 32 عضواً؟
يقول مسؤولو الناتو إن إجراء قبول العضوية في حد ذاته قد يستغرق “أسبوعين فقط”، بحسب تقرير صحيفة الإندبندنت البريطانية، لكن الحديث هنا متعلق بموافقة إدارة حلف الناتو في مقره الرئيسي ببروكسيل، لكن هناك عملية أخرى أكثر تعقيداً تتعلق بموافقة الدول الأعضاء كل على حده.
وتتحدث التقديرات عن فترة زمنية قد لا تقل عن عام حتى تتم عملية الموافقة النهائية على انضمام السويد وفنلندا للحلف العسكري الغربي، رغم أن بعض المسؤولين الغربيين يشيرون إلى أن الظروف الحالية التي فرضها الهجوم الروسي على أوكرانيا ستكون عاملاً رئيسياً في الإسراع بعملية الموافقة على انضمام الدولتين الإسكندنافيتين رسمياً وبشكل كامل.
لكن اعتراضات تركيا، ذات الطبيعة السياسية، قد لا تكون العقبة الوحيدة أمام إخلاء طريق انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو، لكن هناك أيضاً الأمور الإجرائية والتقنية، التي قد تستغرق وقتاً طويلاً، بحسب المسؤولين في الناتو.
ما خطوات الانضمام للناتو من تقديم الطلب لرفع العلم؟
وتأتي الخطوة الأولى على طريق الانضمام لحلف الناتو من خلال تقديم الدول الراغبة في العضوية طلب الالتحاق الرسمي، والذي يتقدم به رئيس الدولة أو رئيس الحكومة أو من يمثل الدولة في المحافل الدولية، وقد أعلنت كل من السويد وفنلندا بالفعل أنهما بصدد تقديم الطلب رسمياً.
يلي تلك الخطوة قيام إدارة حلف الناتو بتقييم الطلب، وتتم تلك العملية من خلال عقد مجلس شمال الأطلسي اجتماعاً يضم ممثلي الأعضاء الثلاثين في الحلف، وغالباً يكون الاجتماع على مستوى سفراء الأعضاء لدى الناتو.
ويقرر المجلس في تلك الجلسة مسار طلب العضوية، بناء على مدى توافق الدولة مقدمة الطلب مع المعايير السياسية والعسكرية والقانونية الخاصة بحلف الناتو، وعلى حسب مدى مساهمة الدولة في الأمن في منطقة شمال الأطلسي. وفي حالة السويد وفنلندا، من المتوقع أن يكون مسار طلب العضوية دون عوائق قانونية أو عسكرية، وتظل المشكلة في الشق السياسي بسبب اعتراض تركيا.
وفي حالة إعطاء مجلس شمال الأطلسي الضوء الأخضر تبدأ محادثات قبول العضوية، ومن المتوقع في حالة السويد وفنلندا ألا تستغرق تلك الجلسات الإجرائية أكثر من يوم، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.
وتقدم الدولة المرشحة للعضوية التزاماً مكتوباً بالمادة 5 من النظام الأساسي لحلف الناتو والتي تنص على أن الاعتداء على عضو من الحلف يعني الاعتداء على جميع الأعضاء وهو المبدأ الذي يشار إليه بجملة “الواحد من أجل الكل والكل من أجل الواحد”. كما تقدم الدولة المرشحة التزاماً مكتوباً أيضاً بتخصيص الموارد المالية الخاصة بميزانية الحلف العسكري والتي تصل إلى نحو 2.5 مليار دولار سنوياً.
كما يتم إطلاع الدولة المرشحة على التزاماتها نحو الحلف، سواء عسكرية أو قانونية أو أمنية تتعلق بالحفاظ على أي معلومات سرية تخص الحلف. وبعد أن تنتهي تلك المحادثات، يقدم فريق عمل الناتو للدول الأعضاء تقارير مكتوبة حول نتائج تلك المحادثات والاجتماعات مع ممثلي الدولة المرشحة، وتشمل التقارير أي مسائل أو قضايا عالقة قد ممثلي الناتو أثاروها مع الدولة المرشحة والالتزامات التي قدمتها الدولة في هذا الشأن.
وبعد أن تكتمل عملية التقييم يتم تقديم طلب العضوية مرة أخرى إلى مجلس الناتو من أجل اتخاذ القرار النهائي. وقد يعقد المجلس هذا الاجتماع على مستوى السفراء أو المستوى الوزاري أو مستوى الزعماء، ويتم خلاله اتخاذ قرار التوقيع على بروتوكول القبول مع الدولة المرشحة. وفي حالة الموافقة، يتم عمل احتفالية صغيرة ثم يرسل البروتوكول إلى عواصم الدول الأعضاء في الحلف كي تبدأ عملية التصديق على انضمام الدولة المرشحة، وبعض الدول تتطلب موافقة البرلمان. وبعد أن يوافق الأعضاء الثلاثون، تقدم الدولة المرشحة البروتوكول بعد التصديق عليه من جانب برلمانها، إلى واشنطن لتصبح الدولة المرشحة عضواً في الناتو بشكل رسمي، ويتم رفع علمها بجوار أعلام الأعضاء.
اقرأ ايضاً:قوات أمريكية تدخل مناطق نفوذ تركيا شمالي حلب