“مركبات النار” تحاول الهرب من مصيدة الجنوب السوري
كمال خلف
ثمة تغيرات لافتة بدأت تظهر مؤشرات لها في الجغرافية السورية، وبات من المؤكد ان القوات الروسية التي انتشرت في مناطق حيوية في سورية منذ العام ٢٠١٥ بدات بخفض عديدها، لصالح التركيز على الحرب الأهم لروسيا في أوكرانيا ولمواجهة التصعيد الغربي في شرق أوروبا، ليس هذا السبب الوحيد، انما في ضوء توتر العلاقة بين روسيا وإسرائيل على خلفية الموقف الإسرائيلي من الحرب الروسية في أوكرانيا، فان موسكو باتت تتحلل من التزاماتها تجاه التفاهمات التي ابرمتها مع إسرائيل في الأجواء السورية.
وفق هذه الخلفية جاءت تصريحات ملك الأردن حول احتمال التصعيد جنوب سورية على الحدود مع الأردن وفلسطين المحتلة، معتبرا ان الفراغ الذي ستتركه روسيا في سوريا “ستملؤه إيران ووكلاؤها” حسب تعبير الملك الأردني، وأن “الوجود الروسي في جنوب سوريا كان مصدراً للتهدئة”.
كلام عاهل الأردن يثبت دقة التقارير التي تحدثت عن تنسيق سوري إيراني لقلب المعادلة في سورية، ووقف العدوان الإسرائيلي المتكرر على سورية منذ سنوات. ويبدو ان الحليفين وجدا الوقت و الظروف باتت مواتية لفرض قواعد اشتباك جديدة مع العدو الإسرائيلي، ووضع نهاية للعربدة الإسرائيلية في السماء السورية. ثمة نقاش دار بين عواصم تحالف المقاومة حول هذا الوضع القائم في السنوات الماضية، وكان ثمة تقدير يقول ” ان الغارات الإسرائيلية طالما انها لا تحقق أهدافها ولا توقف المسار القائم، ولا تعيق العمل العسكري لاطراف المحور، فلا داعي للتصعيد والمواجهة عبر الرد الفوري على العدوان، انما الاكتفاء بصده وافشاله. لكن الان نعتقد ان هذا التقدير يتجه نحو التعديل، بناء على تقديرات مرتبطة بوضع إسرائيل الراهن، والبيئة الإقليمية والدولية.
ومن المؤكد ان المستجدات المحلية والإقليمية سواء على صعيد تخفيض التواجد الروسي في سورية، او التصعيد داخل فلسطين المحتلة حيث يبدو الاحتلال الإسرائيلي بوضع مربك ومحرج للغاية، شجعت سورية وايران على الانطلاق نحو الاستراتيجية الجديدة. وفي صلب هذا ربما جاءت زيارة الرئيس السوري” بشار الأسد ” الى طهران. فالتحرك المشترك يحتاج الى تنسيق عالي المستوى كما يحتاج الى قرار سياسي وعسكري من رأس الهرم.
من المؤكد كذلك ان ملك الأردن عبد الله الثاني لم يكن يقصد في تصريحاته اعتراض الأردن على هوية القوى العسكرية التي تقف على الطرف الاخر من الحدود التي تقع تحت السيادة السورية بالكامل، انما كانت الإشارة واضحة ودقيقة نحو قلق الأردن من التطورات المقبلة على الحدود بناء على هذا التموضع الجديد، مع علم الملك بان أي قوات حليفة لدمشق لا يمكن لها ان تتمركز على الحدود مع الجيش السوري دون موافقة وتنسيق مع القيادة السورية، وربما موافقة ضمنية روسية.
ووفق هذا المشهد يمكن تصور ان قواعد الاشتباك الجديدة بين سورية وإسرائيل قد لا تكون بصورة الرد المباشر على الغارات الإسرائيلية في السماء السورية بواسطة منظومات الدفاع الروسية المتطورة، انما من خلال بناء التهديد الاستراتيجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي عبر الحدود برا.
ويمكن في ضوء هذا المشهد فهم الجزء الأهم من المناورات العسكرية الإسرائيلية الضخمة ” مركبات االنار “. حيث تجد إسرائيل نفسها بوضع صعب للغاية في الداخل، سواء على صعيد الحكومة المترنحة الآيلة للسقوط في أي لحظة، او على صعيد المؤسسات العسكرية والأمنية التي ظهرت عليها اعراض عدم الانضباط والانصياع للقرار السياسي والعسكري المركزي، والاهم تنامي التحديات الأمنية في مدن فلسطين المحتلة عام ٤٨، وشبح انتفاضة الضفة الغربية، والتصعيد القادم من قطاع غزة. لتأتي المناورات كاستعراض قوة ضخمت وفقه تل ابيب اهداف المناورات باتجاه وضع هدف كبير غير واقعي وهو توجيه ضربة عسكرية لإيران وهو هدف يعلم كل قادة إسرائيل انه غير متاح وغير ممكن لاسباب كثيرة معروفة ولكن إسرائيل كبرت حجرها وضخمت أهدافها لردع “القوى المعادية” في الخارج، ووقف التهديدات الخارجية ومن ضمنها التحركات السورية الإيرانية لفرض معادلة وقواعد اشتباك تماثل تلك القائمة مع حزب الله في جنوب لبنان.
باختصار إسرائيل تهول، وتثير الضجيج، وتقرع طبول الحرب، لهدف واحد هو إخفاء حالة الضعف والترهل التي وصلت اليها. ولمنع استغلال تحالف المقاومة لهذا الضعف، وترجمته معادلات جديدة تضطر إسرائيل الى ابتلاعها. ولا خيار لها سوى ابتلاعها.
رأي اليوم