“تحرير الشام” و”الجبهة الشامية”… صراع على هامش تهديدات أردوغان
استغلّ زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني ضجيج التهديدات التي أدلى بها، أخيراً، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا من أجل تصعيد تحركاته الرامية إلى تحقيق مسعاه القديم الجديد المتمثل في إيجاد موطئ قدم له في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”. ومرةً أخرى، فُرض على حركة “أحرار الشام الإسلامية” أن تدفع ثمن طموحات الجولاني وألاعيبه، وهو ما تمثل في حالة الانقسام التي ضربت صفوف القطاع الشرقي من الحركة بعد ما قرر الخروج من عباءة “الجبهة الشامية” التي حضنته منذ عام 2017.
ورغم أن الفصائل السورية المسلحة العاملة في منطقتي “درع الفرات” و”غضن الزيتون”، سارعت إلى إعلان استعدادها لخوض غمار أي مغامرة عسكرية يقررها أردوغان في سوريا، غير أن واقع هذه الفصائل لم يكن يشي بقدرتها على مسايرة الأطماع التوسعية لتركيا، لا سيما لجهة انقسامها بين أجنحة وتيارات متصارعة مع احتفاظ بعضها بارتباطات مع جهات إقليمية ودولية لا تخفي رغبتها في عرقلة مشاريع الرئيس التركي نتيجة تضاربها مع مصالحها وأجنداتها.
ويصعب التصديق أنه في لحظة بالغة الحساسية لوّح فيها أردوغان بتوسيع عملياته العسكرية في سوريا بهدف إنشاء منطقة آمنة لإيواء مليون لاجئ من المفترض أن يعودوا من تركيا، تتفجر أزمة كبيرة ضمن صفوف أكبر التشكيلات العسكرية في منطقة درع الفرات وهي “الجبهة الشامية” التي تعمل حالياً تحت مسمى الفيلق الثالث، وكادت الأزمة وسط الاستعدادات المفترضة للقيام بعمل عسكري جديد تؤدي إلى حرب ضروس بين “الجيش الوطني” (الفيلق الثالث) و”هيئة تحرير الشام”.
وتعود جذور هذه الأزمة إلى سنوات خلت وتحديداً إلى عام 2017 عندما هيمن الجولاني على منطقة إدلب مطيحاً أبرز خصومه وعلى رأسهم حركة “أحرار الشام” التي فقدت السيطرة على معبر باب الهوى ذي الأهمية الاستراتيجية عسكرياً وإنسانياً. آنذاك بحثت فروع وقطاعات الحركة عن ملاذ يؤويها من بطش الجولاني ورغبته في القضاء عليها، فاحتمى القطاع الشمالي من الحركة بـ”الجبهة الشامية” منتسباً إليها للاحتماء بمظلتها من تغول الجولاني.
وقد استمر التعايش بين القطاع الشرقي للحركة و”الجبهة الشامية” طوال السنوات الماضية بفعل حاجة الحركة إلى ظهير تستند إليه، ولحاجة “الجبهة الشامية” إلى تكثير عديدها في مواجهة خصومها من الفصائل المسلحة الأخرى التي تعمل أيضاً تحت لواء “الجيش الوطني” الممول من تركيا.
غير أن الأمور بدأت تتغير منذ تعرض قيادة حركة “أحرار الشام”، عام 2020، لانقلاب قاده قائدها العام الأسبق حسن صوفان بدعم مباشر من الجولاني وأسفر عن تعيين عامر الشيخ على رأس الحركة كحل وسط لإنهاء الانقلاب، غير أن الشيخ سرعان ما أخذ يظهر ميله إلى الجناح الإنقلابي محاولاً إطاحة ما تبقى من صلاحيات الجناح الآخر المناهض له وهو ما تبدى بشكل واضح من خلال إلغاء مجلس الشورى الذي وقف ضد الانقلاب والاستعاضة عنه بـ “مجلس القيادة” الذي ضم في صفوفه أعضاء معروفة بولائها للثنائي صوفان – الجولاني.
وقد حاول الجولاني أن يخترق صفوف “الجبهة الشامية” على غرار ما فعل مع قيادة “أحرار الشام” غير أن محاولاته باءت بالفشل، أو على الأقل، لم تعطِ النتائج المرجوة منها. واعتبر الجولاني أن قبول “الجبهة الشامية” بالاندماج مع “جيش الإسلام” في خريف العام الماضي بمثابة صفعة قوية وجهت لجهود الاختراق التي كان يقودها، بل تعدت ذلك إلى تهديد مساعيه الرامية لإيجاد موطئ قدم له في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون نظراً الى العداوة القديمة والراسخة بينه وبين قيادة “جيش الإسلام”.
ولم تكن قيادة “الجبهة الشامية” غائبة عن علاقة الجولاني بقيادات القطاع الشمالي لحركة “أحرار الشام” المنتسب الى صفوفها، لا سيما مع أبو حيدر مسكنة وأبو عدي بوغاز، وكانت تتوقع أن تتسبب هذه العلاقة بإحداث بعض الخلل البنيوي في صفوفها، لذلك من الصعب معرفة من بدأ بتفجير الأزمة الأخيرة وما هي الأسباب التي دفعته إلى ذلك. هل وجد الجولاني في التهديد التركي بشن عملية عسكرية جديدة في سوريا فرصة مواتية لتنفيذ مخططه في شق صفوف “الجبهة الشامية”؟ أم أن الأخيرة استبقت جهود الجولاني وقررت عزل القياديين أبو حيدر وأبو عدي من قيادة القطاع الشرقي الذي يعمل حالياً تحت مسمى الفرقة 32، محاولة ضرب عصفورين بحجر واحد: الأول هو إجهاض مساعي الجولاني لاختراقها، والثاني عرقلة العملية العسكرية التركية عبر إيجاد حالة من الفوضى في صفوف “الجيش الوطني”، لأن “الجبهة الشامية” تتخوف من أن تؤدي هذه العملية إلى رفع حظوظ خصومها في “هيئة ثائرون” نظراً الى العلاقة المميزة التي تربط أنقرة ببعض فصائل هذه الهيئة.
لم تلتزم قيادة القطاع الشرقي بقرار العزل، وسارعت إلى اتخاذ قرار بالانضمام إلى صفوف “هيئة ثائرون” الأمر الذي دفع الفيلق الثالث وعلى رأسه “الجبهة الشامية” إلى الاستنفار والتهديد بمنع الانضمام ولو عبر السبل العسكرية. وتدخل وسطاء ولجان لحل الأزمة وصدرت قرارات بخصوص ذلك ولكنها لم تجد طريقها إلى التنفيذ وسط تعنت الطرفين.
ورغم أن أحد قرارات الحل حاول أن يقسم مقار القطاع الشرقي ومستودعاته بينه وبين قيادة “الجبهة الشامية”، غير أنه لم يكن كافياً لتلبية شروط الطرفين، فما كان من قيادة القطاع إلا أن اصدرت بياناً تعلن فيه عودتها إلى صفوف حركة “أحرار الشام” الإسلامية متخلية عن غطاء “الجبهة الشامية” الذي تدثرت به طوال سنوات خمس، وقد وافقت قيادة “أحرار الشام” الموالية للجولاني وصوفان على قرار العودة الأمر الذي وضع قيادة “الجبهة الشامية “وجهاً لوجه مع قيادة “أحرار الشام” بانتظار تطور فصول هذه الأزمة.
النهار-عبدالله سليمان علي
اقرأ ايضاً:أردوغان نحن بصدد الانتقال الى مرحلة جديدة شمال سوريا