الخميس , ديسمبر 26 2024
شام تايمز
رفضوا إطاعة الأوامر

أحدهم منع حربًا نووية.. هؤلاء رفضوا إطاعة الأوامر فغيروا التاريخ

شام تايمز

الامتثال لأوامر القادة السياسيين أمر بديهي بالنسبة لسير العمل التنفيذي، وبشكل أشد في العمليات العسكرية، إذ يعد إطاعة الأوامر أمرًا ضروريًّا للغاية لضمان عدم تفكك الجهاز العسكري ولنجاح الخطط الموضوعة بإحكام من أجل النصر وتجنب أكبر قدر من الخسائر في أوقات الحرب.

شام تايمز

لكن هذا لا يمنع أن رفض الامتثال للأوامر قد يصبح واجبًا، كما حدث مع هؤلاء الذين رفضوا إطاعة الأوامر العسكرية في لحظات حرجة ومواقف فاصلة، ولولا رفضهم هذا لعاش البشر أحداثًا كارثية، وفي السطور التالية نتعرف إلى عدد من هؤلاء الذين كانوا سببًا في تغيير التاريخ وتعريض أنفسهم للمساءلة والمحاكمة.

شام تايمز

1– فاسيلي أرخيبوف.. منع حربًا نووية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي

في بداية الستينيات من القرن الماضي، وخلال ذروة أحداث الحرب الباردة، نشرت الولايات المتحدة صواريخها ذات الرؤوس النووية في بريطانيا وإيطاليا وتركيا لتكون لديها القدرة على توجيه ضربات عسكرية ضد الاتحاد السوفيتي، ولم تقف حكومة الاتحاد السوفيتي عاجزة، بل اتخذت خطوة مضادة، واتجهت في أغسطس (آب) 1962 لبناء قواعد سرية لعدد من الصواريخ النووية في كوبا، لتكتسب هي الأخرى القدرة على ضرب الولايات المتحدة.

وبدأت الأزمة الحقيقية في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 1962، حينما كشفت طائرات تجسس أمريكية عن وجود قواعد صواريخ سوفيتية تحت الإنشاء في كوبا، وبعد تشاورات مع مستشاريه، أمر الرئيس الأمريكي كينيدي بتفعيل حصار بحري على كوبا، كما بعث إلى الاتحاد السوفيتي يطالبهم بتفكيك قواعد الصواريخ.

وانتهت الأزمة رسميًّا في 28 أكتوبر (تشرين الأول) بعد توصل الطرفين إلى إزالة الصواريخ من كوبا، وتعهد الولايات المتحدة بعدم غزوها للاتحاد السوفيتي، والبدء في إزالة الصواريخ الأمريكية من قواعدها الأوروبية، واستمر الحصار البحري حتى وافق السوفيت على إزالة قاذفاتهم من كوبا، وفي 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1962، أنهت الولايات المتحدة الحصار البحري، كما أزالت صواريخ «جوبيتر» الأمريكية من تركيا في أبريل (نيسان) 1963.

خلال ذروة الأزمة، كانت هناك أربعة غواصات سوفيتية في منطقة البحر الكاريبي، وكان الأمريكان يفرضون حظرًا بحريًّا، ويسقطون قنابلهم في كل أرجاء المكان لإجبار الغواصات السوفيتية على الصعود إلى السطح، ومع كل انفجار تهتز الغواصات، وعلى متنها طوربيدات نووية جاهزة للإطلاق.

في ظل غياب التواصل مع القيادات السوفيتية، قرر قائد الغواصات فالنتين سافيتسكي إطلاق الطوربيدات تجاه حاملة الطائرات الأمريكية العملاقة، وصدق على قراره الرجل الثاني في القيادة، وكانا على استعداد للإطلاق في أي وقت، وزاد عزمهما حينما اهتزت الغواصات بشدة كبيرة بعد سماع دوي انفجار هائل ظن الجميع أنه شيء أقوى من القنابل اليدوية، واعتقد القبطان أن الحرب قد اندلعت بين الطرفين.

رفضوا إطاعة الأوامر
فاسيلي أرخيبوف. مصدر الصورة: ويكيبيديا

رغم علمه أن نهايته ومن معه على الغواصات ستكون الموت الحتمي، فإن القبطان أصر على الإطلاق في سبيل تحطيم وإغراق سفن البحرية الأمريكية، ولكن كان لا بد أن يحصل على موافقة «فاسيلي أرخيبوف» أيضًا قبل الإطلاق ليكون القرار صادرًا بموافقة ثلاثة من كبار ضباط الغواصات، وكان أرخيبوف آخر الضباط الثلاثة الكبار وبدون موافقته، لا يمكن إطلاق الطوربيدات، وحينما كان هناك صوتان موافقان على الإطلاق، جاء صوت أرخيبوف معارضًا.

وجاء رفض أرخيبوف بسبب عدم تيقنه من استهداف البحرية الأمريكية لغواصتهم، فقد جاءتهم الأوامر بالاتجاه إلى كوبا، وبعد ذلك أُمروا بالتوقف في البحر الكاريبي، وحينما بدأت البحرية الامريكية في الضرب، اتجهت غواصتهم للأسفل لتفادي رصد الأمريكيين لهم، وهو ما جعلهم غير قادرين على تلقي الأوامر السوفيتية أو معرفة الاخبار إلا من الإعلام الأمريكي، وهو ما لم يكونوا يثقون فيه.

وحينما رفض أرخيبوف التصديق على قرار الإطلاق، صعدوا بالغواصات إلى الأعلى، ولم تجر القوات الأمريكية أي تفتيش لها، واتجهت الغواصات إلى روسيا، ولكن تخيل الآن ما كان سيحدث إذا وافق أرخيبوف على إطلاق الطوربيدات النووية.

في البداية، ستتدمر الغواصة السوفيتية، وسفن البحرية الأمريكية، وبعدها، ستنطلق الرؤوس النووية الأمريكية من القواعد العسكرية تجاه كوبا والاتحاد السوفيتي، وهو ما كان سيشعل حربًا نووية عالمية قادرة على تدمير العالم من حولها، وقد واصل أرخيبوف الخدمة في البحرية وتقاعد في منتصف الثمانينيات بعد أن أصبح أميرالًا، وتوفي في عام 1999 بسبب المضاعفات الصحية الناجمة عن الإشعاع الذي تعرض له خلال مسيرته البحرية.

2- ديتريش فون تشولتيز.. الذي أنقذ باريس من فتك النازية

في يونيو (حزيران) 1940، سقطت باريس في قبضة ألمانيا النازية، وما لبثت أن وقعت هدنة بعد ثمانية أيام لتظل بذلك تحت السيطرة النازية لمدة أربع سنوات واصلت خلالها المقاومة الفرنسية محاولة ردع الحكم النازي حتى تمكنت من تحرير باريس في أغسطس (آب) 1944.

كانت المقاومة الفرنسية تتألف من الفرقة المدرعة الثانية التي تشكلت في لندن عام 1943، واتحدت معها فرقة الجيش الثالث الأمريكي في 18 أغسطس، وعندما اقترب الحلفاء من باريس، أضرب العمال وخرجت عناصر المقاومة الفرنسية من المخابئ، وبدأ الجميع في الهجوم على القوات والتحصينات النازية.

في 23 أغسطس 1943، اتجهت المدرعة الثانية إلى المدينة من الشمال، بينما دخلت الفرقة الرابعة مشاة من الجنوب، وحينما أدرك هتلر أن باريس تتداعى في ظل ضعف المقاومة النازية، وجه أوامره إلى آخر قائد نازي للحامية النازية بالدفاع عن المدينة حتى الرمق الأخير، وحثه على تدمير باريس واتباع سياسة الأرض المحروقة قبل أن تسيطر عليها المقاومة الفرنسية، كان هذا القائد النازي هو ديتريش فون تشولتيز، الذي رفض الانصياع لأوامر هتلر بتدمير المدينة.

Embed from Getty Images

ديتريش فون تشولتيز

ورغم تجهيز كافة المتفجرات ووضعها أسفل جسور باريس والعديد من معالمها، رفض تشولتيز تنفيذ أمر البدء في التفجير، وأخبر قائد عمليات الجبهة الغربية في فيرماخت، الجنرال أوبيرست ألفريد جودل، بأن الاستعدادات لم تكتمل بعد، وكان السبب وراء قرار تشولتيز هو إدراكه أن ما سيفعله يعد عملًا وحشيًّا من أعمال التخريب الجماعي التي سيظل موصومًا بها إلى الأبد.

وبعد سيطرة المقاومة على باريس، ألقت القوات الفرنسية القبض على تشولتيز، ووقع على وثيقة رسمية بتسليم المدينة لحكومة شارل ديجول المؤقتة، وعلى الجانب الآخر، في ألمانيا النازية، انعقدت محكمة عسكرية لمحاكة تشولتيز غيابيًّا بتهمة الخيانة، إلا أن أصدقاءه في الجيش تمكنوا من تأخير المحاكمة بحيث انتهت الحرب قبل إصدار الحكم عليه وعلى أسرته.

3- ألبرت سبير.. وزير التسليح الذي أنقذ ألمانيا من التدمير

حينما أوشكت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء، كان الحلفاء قد استولوا على الجسر الأخير على نهر الراين في مارس (آذار) 1945، هنالك أصدر هتلر «مرسوم نيرو» المعني بتدمير ألمانيا وبنيتها التحتية وأي منشآت صناعية أو معدات عسكرية قد تكون لها قيمة إذا سقطت ألمانيا في أيدي الحلفاء.

عهد هتلر إلى عدد من القادة العسكريين والمسؤولين الإداريين في الحزب النازي بمهمة تنفيذ المرسوم، إلا أن ألبرت سبير تدخل وأقنع هتلر بأن تكون له السلطة منفردًا في تنفيذ المرسوم، وكان سبير صديقًا شخصيًّا لهتلر ووزير التسليح والإنتاج الحربي خلال الحرب العالمية الثانية، ولم ينفذ سبير أوامر هتلر فيما يتعلق بخطة الأرض المحروقة، وقيل إنه رفض الانصياع للأمر لأنه قد نقل ولاءه من هتلر، الذي اعتقد أنه أصبح غير مستقر عقليًّا، إلى الشعب الألماني ومستقبله.

ألبرت سبير مع أدولف هتلر. مصدر الصورة: ذا نيويوركر

بعد سقوط النازية، حوكم سبير مع نازيين آخرين بتهم ارتكاب جرائم حرب، وحُكم عليه بالسجن 20 عامًا قضاها في سجن «سبانداو» في برلين، وأُطلق سراحه عام 1966، وتوفي في إحدى مستشفيات لندن عام 1981.

4- رفض الجنود إطاعة الأوامر فأشعلوا الثورة الهندية

في مايو (أيار) عام 1857، بدأ تمرد لعدد من جنود سيبوي (جنود المشاة الهنود) التابعين لشركة الهند الشرقية البريطانية، بعدما طرأ تغير جديد على الأسلحة التي تستخدمها الشركة، إذ استحدثت الشركة إصدارًا جديدًا لبندقية «إنفليد» طراز 1853، والتي تستخدم خراطيش مشحمة، وكان على الجنود تمزيق ورق تغليف الخراطيش بأسنانهم.

وانتشرت الأقاويل آنذاك بأن الشحوم الموجودة على أغلفة الخراطيش مصنوعة من دهون الخنازير والأبقار، وهو ما رآه الجنود المسلمون والهندوس إساءة كبيرة؛ فالخنازير محرمة على المسلمين، والأبقار مقدسة عند الهندوس، وجُرد الجنود المتمردون من أزيائهم العسكرية، واقتيدوا إلى السجن مع الأشغال الشاقة، وكانت جريمتهم هي عصيان الأوامر ورفض تحميل البنادق.

في اليوم التالي، خرج القرويون الغاضبون والكثير من جنود السيبوي، وانطلقت الشرارة الأولى للثورة، وامتدت بعد ذلك إلى فرق الجيش والبلدات الأخرى، وأراد البريطانيون احتواء الموقف، فغيروا الخراطيش، ولكن هذه الخطوة جاءت بنتائج عكسية، فقد رسخ هذا الفعل في أذهان الهنود أن الشحوم كانت بالفعل شحوم خنازير وأبقار.

واكتسبت الثورة الهندية الكثير من المؤيدين، وانضم إليها أطياف أخرى من الشعب لأسباب إضافية من قبيل مصادرة الأراضي، وزيادة الضرائب، ومنع شركة الهند الشرقية بعض الممارسات الدينية، واستمرت الهجمات على منازل الضباط البريطانيين، وانتشرت الحرائق في المواقع العسكرية، واستمرت الثورة الهندية حتى يونيو (حزيران) 1858، وهنا اتخذت بريطانيا قرارًا تاريخيًّا بحل شركة الهند الشرقية البريطانية، وفرض سيطرتها مباشرة على الهند، والتي استمرت حتى عام 1947.

ساسة بوست

اقرأ أيضا: القوى الكردية تطالب بتدخل الجيش السوري ضد التهديدات التركية

شام تايمز
شام تايمز