أجواء من الترقب الشديد تلفُّ أرض وسماء الأقاليم الشامية، لاسيَّما الساحلية منها التي احتقن بحرها الأبيض المتوسط بأساطيل الدول الأوروبية الكبرى، والتي قفزت على خلافاتها وصراعاتها البينيْة لتتَّحد على هدفٍ واحدٍ في الشرق في صيف عام 1840 الملتهب، وهو طرد قوات محمد علي باشا والي مصر من الشام بعد تسعة أعوامٍ من بدء غزواته لها، وإعادة تلك المناطق الحيوية إلى سيطرة الدولة العثمانية التي كالت لها جيوش الباشا الهزيمة تلوَ الأخرى، من أجل إحياء توازن الضعف القائم في الشرق الذي يخدم، أو على الأقل، لا يضر مصالح القوى الأوروبية جميعها.
والآن نعود إلى الوراء قليلًا لنفهم كيف تطورت الأمور في الشرق إلى هذا المستوى الخطير، وتحديدًا إلى موقعة عام 1839 الفاصلة في منطقة نزيب (نصيبين) جنوبي تركيا الحالية، والتي كان طرفاها جيش محمد علي باشا حاكم مصر، بقيادة ابنه إبراهيم باشا، وجيش الدولة العثمانية بقيادة حافظ باشا، والتي هزَّت نتائجها وتوابعها الصادمة العالم بأسره.
الدولة العثمانية.. تدهورٍ مستمر وتحديث متعثر
في كتابه «تاريخ الدولة العثمانية» يرى الدكتور سيد محمد محمود أنه بتتابع العصور تفاقم عاملان رئيسان أدَّيا بالدولة العثمانية إلى التراجع والانحسار، الأول هو قصور وفساد البُنى، والأنظمة السياسية، والإدارية، والاقتصادية للدولة، والثاني هو تزامن ذلك من التطور المتصاعد للخصوم الأوروبيين على كافة الأصعدة خلال عصر النهضة وما تلاه.
وهكذا بنهاية القرن الثامن عشر الميلادي، ومطلع القرن الذي يليه، كانت الدولة العثمانية تمرُّ بمرحلة خطيرة من الضعف على كافة المستويات، واهتزَّت سيطرتها على مختلف أقاليمها مثل مصر والشام والبلقان… إلخ. كما تحوَّلت الفرق الانكشارية، أبرز وحدات الجيش العثماني المقاتلة على مدار قرونٍ، إلى عبءٍ كبير على الدولة بإثارتها الفوضى والاضطرابات الداخلية من حينٍ لآخر، وبمقاومتها للعديد من محاولات التطوير والتحديث كما حدث في عهد السلطان سليم الثالث، والذي عُزِل عام 1807 بعد تمردٍ عُرف بـ«ثورة قاوقجي» شنَّه الانكشارية وغيرهم من المعترضين على التحديث العسكريين، وبعض علماء الدين الكارهين لأية إصلاحات على النمط الأوروبي.
وفي هذا السياق يصف المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في كتابه «تاريخ الدولة العثمانية»، كيف كانت فترة سلطنة مصطفى الرابع القصيرة 1807-1808 ساحةً للصراع الداخلي الدموي بين القوى القديمة وداعمي النظم الجديدة، والذي انتهى بقتل السلطان المعزول سليم الثالث بعد أن كاد مؤيدوه ينجحون في إعادته للعرش، ثم عُزِل مصطفى الرابع وقُتل، وآلت السلطنة إلى محمود الثاني والذي كان مؤيدًا للإصلاح والتحديث، وإنشاء جيش أوروبي جديد على نمط ما حاول عمه سليم الثالث فعله.
وتعرَّض محمود الثاني لثورة عنيفة من الانكشاريين الرافضين للتجديد في بداية عهده، وتحوَّلت العاصمة اسطنبول إلى ساحة لحربٍ أهلية بين المتمردين وأنصار السلطان، ولم يَحُل دون قتل محمود الثاني في تلك الأحداث سوى أنه آنذاك كان آخر من بقي من السلالة العثمانية فرفض بعض خصومه قتله، إلا أنه تمكن عبر اللجوء للبحرية من قصف ثكنات الإنكشارية وإجبارهم على التفاوض لإنهاء التمرد مقابل بعض المكاسب.
وعلى مدار 18 عامًا تالية استمرَّ التوازن الدقيق بين السلطان محمود وخصومه الإنكشاريين، لكنه بدأ بذكاءٍ يسحب الطاولة من تحت أرجلهم تدريجيًا، ويكسب المزيد من القطاعات الشعبية لتأييد إصلاحاته، وزرع في مفاصل الدولة والجيش المؤثرة رجالاته المخلصين لاسيَّما من المعارضين للإنكشارية، والداعمين للإصلاح، ثم اتّخذ الخليفة العثماني محمود الثاني قرارًا خطيرًا بالقضاء المُبرم على الفرق الإنكشارية.
في يوم التاسع من ذي القعدة 1240هـ، الموافق 25 يونيو (حزيران) 1826م، سيحدث ما عُرف تاريخيًا بـ«الواقعة الخيرية» إذ تجمهر المتمردون الانكشارية في أحد أكبر ميادين اسطنبول، فأمر محمود الثاني وحدات المدفعية الموالية له بالتمركز في الأماكن الحيوية بالعاصمة، خاصة حول الميدان، وعلى المرتفعات المحيطة.
فلما لم يمتثلوا للطاعة، سحقتهم نيران المدفعية، وحاول الناجون الاحتماء بثكناتهم، فتحولت إلى مقابر جماعية لهم بعد أن دكَّتها مدافع السلطان، واقتحمها الجنود الموالون له، ومعهم الآلاف من سكان إسطنبول الذي ضاقوا ذرعًا بتجاوزات الإنكشارية على مدار عقود.
وبعد هذه الواقعة، صدرت المراسيم السلطانية بإبطال الفرق الانكشارية، وهكذا نالوا نهاية لا تتناسب بتاتًا مع قوة البدايات، بعد أن قُتلَ منهم أكثر من ستة آلاف ونُفيَ واعتُقل 20 ألفًا آخرين كما يذكر أوزتونا في كتابه.
وفي السنوات التالية للواقعة الخيرية، بذل محمود الثاني جهودًا كبيرة في سبيل تحديث الكيان القديم المتداعي للدولة العثمانية، لاسيَّما بناء الجيش على الطراز العسكري الحديث، لكن يذكر المؤرخ خالد فهمي في كتابه «كل رجال الباشا» أن تلك المحاولات التحديثية كانت تمر بعقباتٍ عديدة، وانتكاساتٍ متكررة، لاسيَّما وأن الفرق الإنكشارية ومؤيديها الرجعيين كانوا متغلغلين في كيان الدولة والمجتمع، فكانت مقاومتهم لإتمام الإصلاحات غير هينة.
وفي المقابل ظهر للسلطان العثماني من حيث لم يحتسبْ، خصمٌ لدود، يحتقن بالطموح، ويمتلك أطماعًا سياسية هائلة، وإلى جانب ذلك، كان أسبق بخطوة أو خطوتيْن في مسار الإصلاح العسكري والاقتصادي. كان هذا الخصم هو والي مصر محمد علي باشا.
والي مصر الطموح وشبح إمبراطورية ذاهبة
وصل محمد علي باشا إلى عرش مصر عام 1805 واليًا تحت السيادة العثمانية، وما كان ليصل إلى هذا المنصب لولا حالة الخلخلة التي أحدثتها الحملة الفرنسية على مصر 1798 – 1801، وما تبع هزيمة الحملة وانسحابها من فوضى واضطرابات استغلَّها محمد علي لانتزاع حكم مصر بموافقة السلطان العثماني سليم الثالث.
وما لبث الباشا خلال السنوات الست التالية أن مكَّن لانفراده بالسلطة في مصر إثرَ نجاحه في هزيمة الحملة الإنجليزية على مدينة رشيد المصرية (حملة فريزر عام 1807) وتخلصه من الزعامات المحلية التي أسهمت في اعتلائه عرش مصر مثل نقيب الأشراف السيد عمر مكرم، ثم مذبحة القلعة الشهيرة التي تخلص فيها عام 1811 من نفوذ المماليك في مصر إلى الأبد.
ثم أخذ محمد علي، على مدار سنواتٍ عديدة في بناءٍ جيشٍ قويٍّ له في مصر، على الطراز الحديث، واستعان في ذلك بالعديد من أصحاب الخبرة العسكرية الأجانب، وجنّّد على نطاقٍ واسع للمرة الأولى في تاريخ مصر عشرات الآلاف من أبناء مصر من الفلاحين ليكونوا أساس هذا الجيش الحديث.
وزاد نفوذ محمد علي كثيرًا بعد أن لجأ له السلطان العثماني أكثر من مرة لدعمه ضد الوهابييين في الجزيرة العربية، ثم ضد الثورة اليونانية عام 1824، وحققت جيوش محمد علي بقيادة ابنه الكفء إبراهيم باشا انتصاراتٍ عسكرية كبيرة.
ويذكر المؤرخ التركي يلماز أوزتونا في كتابه «تاريخ الدولة العثمانية» أنه بفضل كفاءة وشراسة جيش إبراهيم باشا، كانت الثورة اليونانية قد قُضيَ عليها بشكلٍ شبه تام بحلول عام 1827، ولم ينقذها من الاندثار سوى تدخل أساطيل القوى الأوروبية الكبرى وتدميرها الأسطوليْن المصري والعثماني في موقعة «نافارين» عام 1827، فأجبروا السلطان العثماني على التفاوض وتقديم التنازلات.
وكانت تلك الواقعة فاصلة في تاريخ العلاقة بين محمد علي باشا والباب العالي، فقد توترت الأمور بينَ الجانبيْن، لاسيَّما مع شعور محمد علي باشا بالمزيد من الأحقيَّة مقابل خدماته الجليلة للدولة، وأن ضم الشام بأكمله إلى ولايته هو الحد الأدنى.
ولمَّا لم يستجب السلطان العثماني لطلبات محمد علي العديدة، المباشرة وغير المباشرة، لضم الشام، قرر الوالي الطموح إرسال ورقته العسكرية الرابحة، إبراهيم باشا، ليحقق حلم أبيه بحكم إمبراطورية كبرى في الشرق.
وخلال عام 1831 و1832، احتلَّ إبراهيم باشا بالجيش فلسطين، ثم اتَّجه شمالا ليوقع بالعثمانيين هزيمة ثقيلة في موقعة حمص عام 1831، ثم يكمل السيطرة على الشام، وبعدها ينفذ إلى قلب الأناضول، ليهزم العثمانيين تارة أخرى في موقعة قونية أواخر ديسمبر (كانون الأول) عام 1832م، ويصبح غير بعيد من العاصمة العثمانية اسطنبول، لتتدخل القوى الأوروبية الكبرى، وتفرض المفاوضات بين الطرفين والتي تنتهي إلى معاهدة كوتاهية عام 1833 والتي اعترفت بولاية محمد علي، على الشام وجزءٍ صغير جنوبي شرق تركيا مقابل اعترافه الاسمي بالولاء للدولة العثمانية، وانتهى بذلك الفصل الأول من حرب الباشا والسلطان.
معركة نزيب.. دفاع يبدأ بالهجوم
تقع تلك البقعة (التي حملت الموقعة اسمَها) في جنوبي تركيا الحالية، وإلى الشمال من الشام، وكانت تلك المنطقة في العموم دائمًا على طريق الجيوش الغازية ذهابًا وإيابًا، وهي المفتاح الجنوبي للنفاذ إلى قلب الأناضول؛ ففي القرن الثالث الميلادي على سبيل المثال، شهدت نزيب صدامًا عسكريًا كبيرًا بين الفرس والرومان انتهى بانتصار الفرس بقيادة ملكهم أرتبانس الرابع.
ولم يكن مستغرَبًا أن تتجدَّد الحرب الشرسة بين الجيش العثماني وجيش محمد علي، فقد مثلَّت معاهدة كوتاهية عام 1833 التي أنهت الجزء الأول من حرب الشام بين محمد علي والدولة العثمانية سلامًا ما بعدَهُ سلام، إذ لم يكن لنتائجها أن تكون تسويةً نهائية، فالسلطان العثماني المهزوم لا يُمكن أن يرضى بالإذلال الذي تمثَّل في الهزائم المتلاحقة في الميدان، ثم إجباره على التنازل عن كامل الشام، ومنطقة أضنة (جنوبي شرق تركيا) إلى محمد علي، وكانت أطماع هذا الأخير أكبر كثيرًا مما منحته إياه كوتاهية.
ففي «كل رجال الباشا» يذكر المؤرخ خالد فهمي أنه ما إن بلغت السلطان العثماني – المتحرَّق إلى الانتقام من محمد علي واستعادة الشام – الأنباء عن حالةٍ من التململ الشعبي في الشام ضد حكم محمد علي، وإن لم تخلُ تلك الأنباء من مبالغاتٍ خاطئة عن قرب اندلاع انتفاضة شامية كبرى، حتى أمر بحشد ما استطاع من قواتٍ نظامية، ومن القبائل التركية والكردية جنوبي الأناضول، لتنفذ مباشرةً إلى الشام، ما إن تتخلخل قبضة محمد علي الأمنية المُحكَمة عليه.
ولم تكد أنباء الحشد العثماني تصل إلى مسامع الباشا في مصر، حتى أمر ابنه إبراهيم على التحرك الفوري والاصطدام بالجيش العثماني قبل أن يطأ الأراضي الشامية، وبالفعل لم يتأخر إبراهيم في تنفيذ الأوامر، وانطلق مسرعًا إلى أقصى شمالي الشام.
بعد ذلك يذكر فهمي أن قائد الجيش العثماني حافظ باشا لم يحسن استغلال الفرصة ليباغتَ إبراهيم باشا قبل أن يتموقع جيشه بشكلٍ جيد في ساحة المعركة، ويكمل ضبطَ خطوط إمداداته، ثم اتخذ حافظ باشا قرارًا غيرَ مدروس، بترك الاحتماء بمواقعه الحصينة، والتحرك لمواجهة جيش إبراهيم في الأرض المفتوحة قرب نصيبين، فاستفاد من ذلك جيش إبراهيم الأكثر حيوية والأشد تنظيمًا لطوابيره وصفوفه، كذلك أُخذَ على حافظ باشا عدمَ الاستماع لنصائح مستشاره الألماني فون مولتكه، فأدار قيادة المعركة بعشوائية شديدة كان لها بالغُ الأثر في حسم نتيجة المعركة.
ولم يصمد الجيش العثماني مرتبك القيادة أمام قوات إبراهيم باشا إلا جزءًا من النهار، وانهارت معنويات مقاتليه بمختلف مشاربهم المتباينة، وأخذوا في الانسحاب بعشوائية، بعد أن ألقى الكثيرون منهم أسلحتهم، وتمكَّن المنتصرون من أسر أكثر من 10 آلاف مقاتلٍ عثماني، وغنموا كافة المدافع العثمانية التي كانت قبل قرونٍ قليلة القوة النيرانية الأضخم في العالم أجمع. وأصبح الطريق من جديدٍ مفتوحًا أمام إبراهيم باشا للتوجه صوب اسطنبول، حيث كرسيّ الإمبراطورية العثمانية الذاهبة.
كيف نجح الباشا في زلزلة إمبراطورية السلطان؟
لكن كيفَ نجح جيشُ محمد علي في تحقيق تلك الانتصارات الساحقة المتتالية على جيش واحدة من أضخم الإمبراطوريات في العالم؟ يرى خالد فهمي أن محمد علي كان أنجح من العثمانيين في تطبيق الأنظمة العسكرية الجديدة الواردة من الغرب؛ مما جعل جيوشه أكثر فاعلية من الجيوش العثمانية، كما أن نوعية الضباط كانت أحد المزايا الكبرى في جيش محمد علي، والتي منحته التفوق على العثمانيين؛ إذ نجح محمد علي في استقطاب المئات من الضباط الخبراء من العثمانيين والأجانب، ومنحهم وأسرهم العديد من الامتيازات المادية والمعنوية المُغرية، والتي ضمنت له ولاءهم وكفايتهم.
وكان منهم بعض الأسماء اللامعة في العلوم العسكرية في العالم، مثل الكولونيل سليمان باشا الفرنساوي الذي كان في دائرة القيادة الأقرب لإبراهيم باشا قائد الجيش، وكذلك الكولونيل سيجورا رئيس مدرسة المدفعية، وكلوت بك رئيس السلاح الطبي العسكري، والمهندس سيريزي الذي أنشأ ترسانة الإسكندرية… إلخ.
ويشيد فهمي في نفس السياق بعبقرية إبراهيم باشا بن محمد علي في قيادة الجيش، وخططه الفعَّاله في الميدان، وكذلك امتدح فهمي التنسيق الجيد وتوزيع الأدوار بينَه وبين أبيه؛ إذ تفرَّغ محمد علي بالأساس للأمور السياسية والاقتصادية، مطمئنًا إلى استقرار الشؤون العسكرية في قبضة ابنه الاستثنائي.
في المقابل يذكر فهمي كيفَ كان تحديث الجيوش العثمانية يمر بصعوباتٍ جمَّة، لاسيَّما مع غياب قياداتٍ متميزة توازي براعة إبراهيم باشا بن محمد علي، والعجز عن استقطاب مدربين أوروبيين على درجة عالية من الكفاءة توازي نظرائهم في مؤسسات محمد علي العسكرية.
ما بعد نزيب.. الانتصار طريقا للهزيمة
أحيانًا ما يكون الانتصار الكامل بداية الهزيمة، تنطبق تلك الحكمة السابقة على ما حدث لوالي مصر محمد علي، وطموحه الجامح عاميْ 1839 و1840 بعد انتصاره الساحق في معركة نزيب، والذي جعله على مقربةٍ من الابتلاع التام للدولة العثمانية وما بقيَ من مواردها ومقدَّراتها، فقد استنفرت القوى الكبرى لمنع ما رأوه خرقًا إستراتيجيًا لكافة موازين القوى في الشرق، لاسيما بعد استسلام الأسطول العثماني طواعيةً وتوجهه إلى الإسكندرية بعد أسبوعٍ واحد فحسب من معركة نزيب.
وتدخَّل اللاعبون الرئيسيون على المسرح العالمي، وفي مقدمتهم إنجلترا، وروسيا، والنمسا، وبروسيا (جميع القوى الكبرى المؤثرة باستثناء فرنسا الأقرب إلى محمد علي) وحشدوا أساطيلهم قرب السواحل الشامية، وحرضوا الزعامات المحلية في الشام على التمرد ضد حكم محمد علي باشا، ثم فرضت تلك الدول معاهدة لندن عام 1840، والتي تُلزم محمد علي بالانسحاب من الشام، مقابل الاحتفاظ بحكم مصر وتوارثها لأبنائه من بعده.
وخلال النصف الثاني من عام 1840 قطعَ الأسطوليْن الإنجليزي والنمساوي الإمدادات البحرية عن قوات إبراهيم باشا في الشام، فضعف موقفه العسكري كثيرًا، لاسيَّما مع تصاعد الاضطرابات والثورات في المدن الرئيسة في الشام ضد القمع العسكري الذي فرضه إبراهيم لسنوات، ثم نجحت الأساطيل الأجنبية في اجتياح مينائيْ بيروت اللبناني، وعكا في الساحل الفلسطيني، وهما أبرز موانيء جنوب الشام آنذاك، فمثَّل ذلك ضربة موجعة لمحمد علي باشا وابنه إبراهيم.
اضطر جيش محمد علي للانسحاب من الشام أواخر عام 1840 ومطلع 1841، وانطوى مشروعه التوسعي إلى الأبد، ثم توفى وقد غزتْه الشيخوخة عام 1848، وإن استمرت دولة أبنائه وأحفاده في مصر أكثر من قرنٍ بعد وفاته، حتى جاء عام 1952 عندما اندلع انقلاب الجيش ضد الملك فاروق آخر السلالة في 23 يوليو (تموز) من ذلك العام، فأزالها من جذورها.
ساسة بوست
اقرأ أيضا: نجم نيوكاسل أصبح بائع خضار.. أغرب مهن اللاعبين بعد الاعتزال