الغرب مُحبَط.. ما العوامل التي تجعل زخم المعركة في أوكرانيا يتحول لصالح روسيا؟
يبدو أنَّ الحرب في أوكرانيا، التي بدأت بكارثة للروس، عندما فشلت محاولاتهم في الاستيلاء على العاصمة كييف، آخذة في التحول لصالح موسكو، مع اختيار روسيا الآن أهدافاً إقليمية، وافتقار أوكرانيا إلى الأسلحة التي تحتاجها، وتلاشي الدعم الغربي للجهود الحربية في وجه ارتفاع أسعار الغاز والتضخم المتسارع.
عبء كبير وطويل على الغرب
بدأت تتلاشى الأيام الأولى من الحرب، عندما أوقف الأوكرانيون مهاجماً شرساً، حيث وحد قصف بوتين لأوكرانيا الغرب في حالة من الغضب، وتحلُّ بدلاً منها الآن حرب تتطور إلى ما يقول المزيد والمزيد من المحللين إنها ستمثل عبئاً طويلاً يضع ضغطاً متزايداً على حكومات واقتصادات الدول الغربية وغيرها في جميع أنحاء العالم.
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إنه لا يوجد مكان يتجلى فيه هذا العبء أوضح من منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا. على الرغم من المناشدات العاجلة للغرب للحصول على مزيد من الأسلحة الثقيلة، يبدو أنَّ القوات الأوكرانية تفتقر إلى ما يلزم لمواجهة استخدام روسيا للمدفعية في قصف المدن والقرى، تطبيقاً لاستراتيجية الأرض المحروقة.
وبينما تحبط أوكرانيا روسيا في مدينة سيفيرودونيتسك الإقليمية الرئيسية، فإنها تتكبد خسائر فادحة، تتمثل فيما لا يقل عن 100 حالة وفاة يومياً، على الرغم من عدم معرفة مداها الكامل بعد، وتحتاج بشدة إلى المزيد من الأسلحة والذخيرة.
تقدم روسي على الأرض
يبدو أيضاً أنَّ روسيا تحرز تقدماً في بسط السيطرة على البلدات التي استولت عليها، بما في ذلك ميناء ماريوبول على البحر الأسود، الذي دمره الروس. وشرعت روسيا في إقناع وإكراه السكان الباقين على أنَّ مستقبلهم يكمن فيما يعتبره بوتين “إمبراطوريته المُستعَادة. ويواجه المواطنون هناك، وفي مدن مثل خيرسون وميليتوبول، خياراً كئيباً؛ فإذا كانوا يريدون العمل، يجب عليهم أولاً الحصول على جواز سفر روسي، وهي محاولة تملق عُرِضَت لتأمين ما يشبه الولاء لموسكو، كما تقول “نيويورك تايمز”.
وتصدح الدعاية التي تقارن بوتين بأول إمبراطور لروسيا، بطرس الأكبر، من السيارات في ماريوبول فيما أطلق عليه بيترو أندريوشينكو، مستشار عمدة المدينة، هجوماً “تاريخياً زائفاً”. وأصر الرئيس الروسي مراراً على أنَّ أوكرانيا ليست أمة حقيقية، وأنَّ هويتها الحقيقية هي الروسية. غير أنَّ حربه عززت الهوية الوطنية الأوكرانية وحفزتها بطرق لم يكن من الممكن تصورها من قبل.
إضافة إلى ذلك، تواجه روسيا صعوباتها الخاصة، لا سيما في جنوب أوكرانيا، حيث لا تزال العاصمة الإقليمية خيرسون التي استولت عليها في وقت سابق من الحرب محل نزاع. وتصاعدت هجمات جنود ومدنيين أوكرانيين سابقين في الأسابيع الأخيرة. ولم تُعرَف بعد الخسائر الروسية في الحرب، لكنها قد تكون وصلت إلى الآلاف، وهو مصدر محتمل للغضب تجاه بوتين، الذي تزداد قبضته على روسيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
ورغم المرونة التي أظهرها الاقتصاد الروسي، فقد تضرر من العقوبات الغربية، التي تمثل استنزافاً سيقوض النمو لسنوات عديدة. ومن المستبعد أن يتغير وضع بوتين “المنبوذ” في الغرب.
الغرب ليس كل العالم
مع ذلك، في أماكن أخرى، في إفريقيا وآسيا، تظهر الفوارق الدقيقة بين دعم الغرب وأوكرانيا؛ إذ لا ترى العديد من الدول اختلافاً كبيراً بين حرب بوتين على أوكرانيا وغزو الولايات المتحدة للعراق واحتلاله في عام 2003، ويبدو أنه من غير المحتمل إقناع هذه الدول بخلاف ذلك.
وبشكل عام، هناك استياء في كثير من دول العالم النامي مما يُنظر إليه على أنه هيمنة أمريكية. وفي هذا السياق، لا يُنظَر إلى الشراكة القوية بين الصين وروسيا بالعداء والقلق اللذين تثيرهما في الغرب، بل على أنها تحدٍ مفيد لنظام عالمي يهيمن عليه الغرب.
ومع ارتفاع التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ 4 عقود في الولايات المتحدة وبريطانيا، وانهيار الأسواق المالية، وارتفاع أسعار الفائدة، وأزمة نقص غذاء تلوح في الأفق، فإنَّ مثل هذا الانجراف في التركيز بعيداً عن حرب طويلة نحو مخاوف محلية أكثر إلحاحاً قد يكون أمراً لا مفر منه. الحرب ليست مسؤولة عن كل هذه التطورات، لكنها تؤدي إلى تفاقم معظمها، وليست هناك نهاية وشيكة.
إن مزيجاً من التضخم المرتفع والركود الذي اعتبره العديد من الاقتصاديين أمراً معقولاً، سيذكرنا بفترة السبعينيات، عندما دمرت الصدمة النفطية الأولى الاقتصاد العالمي.
ومع ذلك، فإنَّ المقومات اللازمة لاندلاع حرب طويلة، واضحة بما فيه الكفاية؛ إذ ليس هناك ما يشير إلى استعداد روسي لتسوية إقليمية. وفي الوقت نفسه، لا تزال المقاومة الأوكرانية قوية لجعل أي تنازل رسمي عن الأراضي أمراً لا يمكن تصوره تقريباً. والنتيجة هي أزمة طاحنة، بعيدة كل البعد عن الاقتناع الأولي الواضح لبوتين بأنَّ القوات الروسية سوف تتوغل في كييف، عاصمة أوكرانيا، حيث ستجد استقبالاً حاراً، بحسب وصف “نيويورك تايمز”.
وتكمن بعض جذور الحرب في القرار الاستراتيجي لأوكرانيا بالتقرب من الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة والابتعاد عن موسكو. لم يستطع بوتين قبول هذا التحول، الذي عززته الآن مواجهة شديدة مع الأساليب العسكرية الروسية في أوكرانيا.
اقرأ ايضاً:رئيس لوغانسك: مستعدون لتزويد سوريا بالحبوب