“لهيب الأسعار” يستنزف جيوب الأوروبيين.. تبعات كارثية للتضخم
تعد منطقة اليورو من أكثر المناطق تضررا حول العالم من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها الإقتصادية السلبية المتمثلة في شح الموارد والسلع وارتفاع أسعارها مع تقطع سبل الإمداد والتوريد وتعطلها، وسط مخاوف من تبعات التضخم على الاقتصادات الأوروبية واستقرارها.
ويقول كبير الخبراء الاقتصاديين بالبنك المركزي الأوروبي فيليب لين، إن تضخما قياسيا مرتفعا في منطقة اليورو يثير مخاطر بتغذية “سيكولوجية التضخم”، في إشارة إلى ظاهرة يعدل فيها المستهلكون والشركات عاداتهم الإستهلاكية مع توقعهم ارتفاع الأسعار وزيادتها بشكل متواصل.
وعندما تترسخ سيكولوجية التضخم، فإن المستهلكين يسارعون إلى الإنفاق للتغلب على الزيادة في الأسعار، بينما تبدأ الشركات برفع الأسعار متوقعة ارتفاع التكاليف.
وذكر لين خلال إجتماع لخبراء اقتصاديين في لندن: “لدينا معدلات تضخم مرتفعة جدا الآن، ومن الواضح أننا قد نكون في عالم بدأت فيه سيكولوجية التضخم بالترسخ”.
وفي شرحه لظاهرة سيكولوجيا التضخم وتأثيراتها السلبية على قدرات الناس الشرائية ومدخراتهم، يقول المستشار والخبير الإقتصادي عامر الشوبكي، في حوار مع “سكاي نيوز عربية”، “هذه السيكولوجيا التي تجتاح الآن أوروبا هي في واقعها حالة ذهنية طبيعية، حيث أن المستهلك الأوروبي تقوده هذه الحالة نحو الإنفاق بصورة أكبر مما كان بالسابق، وذلك بسبب الإعتقاد بإن الأسعار سترتفع أكثر فأكثر، والمستهلكون لذلك سينفقون معظم أموالهم على منتج ما إذا ما كانوا يعتقدون أن سعره سيرتفع بشكل جنوني قريبا، وهو تصور ينطوي على بعض المنطق والوجاهة كونهم يعتقدون أنهم بشرائه الآن وليس لاحقا، سيتمكنون من توفير وإدخار بعض المال عبر هذا الشراء والاقتناء الاستباقي”.
ويضيف الخبير الاقتصادي شارحا هذه الظاهرة “سيكولوجيا التضخم هي ذاتية التحقيق، حيث كلما أنفق المستهلكون أكثر فهم يدخرون أقل، وهو ما يسهم في زيادة حدة معدلات التضخم وبالتالي يساهم في تعزيز سيكولوجية التضخم، فعلى سبيل المثال تقطع سلاسل الإمداد والتوريد لبعض المنتجات كالمركبات، ربما يدفع من كان يفكر بتأجيل شراء سيارة بالاستعجال في شرائها، على خلفية أن سعرها سيرتفع بعد أشهر قليلة، وبالتالي فهذا يعزز الطلب والتضخم تاليا وهذا ما ينطبق على سلع ومنتجات عديدة أخرى خاصة السلع المعمرة في البيوت والمنازل، وربما يمتد ليطال مختلف السلع الإستهلاكية الغذائية وغيرها”.
على المدى القريب، يتابع الشوبكي :”هذا سيرفع معدلات التضخم في أوروبا رغم محاولات البنوك المركزية، حيث من المتوقع في شهر يوليو المقبل أن يرفع البنك المركزي الأوروبي من سعر الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية، في محاولة للتخفيف من معدلات التضخم، لكن هذا كله لن يردع المستهلكين الأوروبيين الذين تترسخ لديهم سيكولوجيا التضخم والشراء بنهم، حيث تتملكهم قناعة شبه مطلقة أن هذا أفضل وقت للشراء، كون الأسعار عامة تتجه نحو الارتفاع على وقع استمرار الحرب الأوكرانية، ولكون سلاسل الإمداد والتوريد تعاني من اختلالات وإضطرابات بنيوية”.
ويسترسل بالقول “من الأمثلة على البواعث وراء بروز ظاهرة سيكولوجيا التضخم في القارة العجوز، ارتفاع أسعار الغاز بفعل انخفاض توريدات الغاز الروسي لأوروبا، ما تسبب برفع الأسعار بنسبة 40 بالمئة خلال 5 أيام فقط، وهذا مثال حي على دوافع تفشي سيكولوجية التضخم هذه وسط المستهلكين الأوروبيين وحول العالم، خاصة وأن أوروبا مقبلة على كارثة الشتاء القادم بفعل تدني توريدات الغاز من روسيا، ولا ننسى هنا أن هذا الفصل بات تقربيا على الأبواب هناك”.