وساطة إيرانية بين تركيا و«قسد»: لا حلّ إلّا بتطبيق «أضنة»
مع عودة تركيا إلى التلويح بشنّ عملية عسكرية في الشمال السوري، وتراجُع حظوظ تفاهمها مع روسيا بهذا الخصوص في أعقاب دعمها انضمام فنلندا والسويد إلى حلف «الناتو»، تدْخل إيران على خطّ إيجاد تسوية بين أنقرة و«قسد»، تقوم على تهدئة مخاوف الأولى، ودرْء هجوم وشيك عن الأخيرة.
وعلى رغم تفسير البعض التصريحات الإيرانية الأخيرة حول ذلك بأنها دعم للعملية المفترَضة، إلّا أن الإيضاحات اللاحقة الصادرة عن طهران، إلى جانب المعلومات المؤكَّدة، تفيد بأن إيران تدعم خياراً وحيداً، هو انتشار الجيش السوري في المدن الحدودية، أو في ريف حلب على الأقلّ، حيث التهديد التركي الأكبر
بعد نحو عشرة أيام على غياب التصريحات التركية حول شنّ عملية عسكرية جديدة على الحدود مع سوريا، عاد الحديث التركي مجدّداً عن إطلاق وشيك لهذه العملية، من دون بروز معطيات ميدانية داعمة، باستثناء حضور عسكري تركي إضافي في المنطقة المقابلة لمدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي. وكرّرت أنقرة، في تصريحاتها الأخيرة، إصرارها على شنّ الهجوم على رغم المعارضة الروسية والأميركية، مُعلِنةً على لسان المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالين، أن «تركيا نفّذت عمليات في السابق في شمال سوريا، وحينها كانت هناك ضغوط علينا.
لكنّنا انطلقنا من مصالحنا الوطنية فقط. وقال رئيسنا بوضوح شديد، يمكن أن تبدأ العملية في أيّ لحظة. ونحن مستعدّون لها». والظاهر أن الأتراك يعيدون تكرار سيناريو عمليتَي «نبع السلام» و«غصن الزيتون»، من خلال منْح مهلة لكلّ من موسكو وواشنطن لتنفيذ وعودهما بإبعاد «قسد» عن الحدود، تحت طائلة إطلاق العملية العسكرية فعلياً. وتُرفق أنقرة رسائلها تلك، بخطوات تستهدف إثبات جدّيتها، مِن مِثل تنفيذ عدّة تدريبات بالذخيرة الحيّة مع الفصائل المسلّحة، بالقرب من خطوط التماس مع «قسد» والجيش السوري، إضافة إلى الدفع بتعزيزات عسكرية إلى ريف حلب.
وفي ظلّ التشديد الأميركي على ضرورة ألّا تطال أيّ عملية محتملة مناطق تواجد الجنود الأميركيين في الحسكة ودير الزور، ألقت «قسد» بالمسؤولية عن أيّ هجوم تركي على الجانب الروسي، لكون بقية المناطق تقع ضمن دائرة نفوذ الأخير. وفي المقابل، تُواصل روسيا تنفيذ طلعاتها الجوّية اليومية، على امتداد الشريط الحدودي من المالكية في ريف الحسكة الشمالي، وحتى منبج وتل رفعت في الأطراف الشمالية الشرقية لمحافظة حلب، توازياً مع تنفيذ دوريات مشتركة مع القوات التركية في مدينة عين العرب.
وفي هذا السياق، تفيد مصادر مطّلعة على مسار اللقاءات الروسية مع المسؤولين الأكراد، «الأخبار»، بأن «الروس أبلغوا قيادة قسد بأنهم غير قادرين على حماية المنطقة، إلّا في حال كانت تحت سيادة الدولة السورية، لأنهم هنا بدعوة رسمية من القيادة السورية»، مضيفة أن «الروس جدّدوا دعوتهم قسد إلى تسليم المنطقة إلى الدولة السورية، والعمل تحت سيادتها، لضمان عدم شنّ تركيا أيّ عمل عسكري جديد في الشمال».
وتنفي المصادر الأنباء التي تحدّثت عن وجود مفاوضات مثمرة بين الحكومة السورية و«قسد»، مؤكدةً أن «لا وجود للقاءات مباشرة بين الطرفين، بل هناك لقاءات روسية متكرّرة مع قيادة قسد، من دون تحقيق أيّ تقدّم لافت إلى الآن»، مبيّنة أن «قيادة قسد أعادت طرح فكرة زيادة عدد جنود الجيش السوري على الحدود وخطوط التماس، من دون القبول بفكرة تسليم المدن والبلدات عسكرياً وإدارياً للدولة السورية».
وإذ تَعتبر أن «هذه الخطوة لن تُغيّر في الواقع الحالي، في ظلّ الوجود العسكري المحدود للجيش على امتداد مدن وبلدات الشريط الحدودي»، فهي ترى أن «القيادات الكردية تساهم في منح الذرائع لتركيا لشنّ عدوان جديد، من خلال الإصرار على رفع صور عبد الله أوجلان ورايات حزب العمّال، حتى في التظاهرات المندّدة باحتمالية حصول الهجوم الجديد»، منبّهةً إلى أن «عدم قبول قسد بتغيير الواقع الميداني والإداري في مناطق الشريط الحدودي، سيجعل من التهديدات التركية أمراً واقعاً في أيّ لحظة».
في خضمّ ذلك، بدا، خلال الأسبوع الأخير خصوصاً، أن الإيرانيين دخلوا على خطّ دعم الجهود الروسية في منع حصول العملية العسكرية التركية، من خلال تشديد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي في أنقرة، على وجوب «تبديد المخاوف الأمنية لتركيا في سوريا، في أسرع وقت، وبشكل دائم».
وإذ تباينت تفسيرات وسائل الإعلام للموقف الإيراني، وسط تأويله من قِبَل البعض على أنه موافقة صريحة على شنّ تركيا عمليتها العسكرية، فإن التوضيح جاء على لسان كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني، على أصغر خاجي، الذي دعا «إلى بذل جهود أكبر من أجل تمكين الجيش السوري من الانتشار على حدود تركيا لمعالجة المخاوف الأمنية لدى القيادة التركية، في إطار اتفاقية أضنة المبرمة بين البلدَين». وجاءت هذه التصريحات في ظلّ ورود معلومات مؤكّدة عن دخول طهران على خطّ إقناع قيادة «قسد» بتسليم مدن الشريط الحدودي للجيش السوري، على الأقلّ في ريف حلب، وتحديداً في تل رفعت ومنبج، اللتين أعلن الأتراك نيّتهم مهاجمتهما.
وعليه، فقد بات من الواضح أن كلّاً من موسكو وطهران تتبنّيان فكرة تسليم الشريط الحدودي بالكامل إلى الجيش السوري، للحؤول دون الهجوم العسكري التركي، وهو أمر لا يزال يصطدم بعدم موافقة «قسد» عليه، ما يُبقي المنطقة تحت الخطر.
الاخبار
اقرأ ايضاً:أردوغان: تركيا ستجري عملية عسكرية جديدة شمالي سوريا