كمال خلف: أسئلة هامة حول الوساطة الإيرانية بين دمشق وانقرة
كمال خلف
بعد احد عشر عاما على الحرب في سورية ، انكشفت اسرار كثيرة عن تلك الحرب ، وتوضحت اكثر أدوار اللاعبين عبر تصريحات مسؤولين ومراجعات ، وكتب ومقالات كان مصدرها غالبا الأطراف التي اشتركت في الحرب سواء عربية او غربية . لكن ما يجب معرفته ان الصندوق الأسود لتلك الحرب رغم كل ما تكشف مازال مغلقا ويطوي حقائق واسرار كثيرة ، ربما سنطلع عليها بعد عدة سنوات إضافية .
الان بعد احد عشر عاما انسحب حشد اللاعبين الذين انخرطوا بادوار متعددة لهدف واحد هو اسقاط النظام في سورية مهما كان الثمن ، بعدما تبين ان هذا المشروع فشل . وبقي من الرهط الدولي لاعبين اثنين ، ثبتا وجودهما في الجغرافيا السورية مع ربط هذا الوجود بمصالح واهداف .
الطرف الأول الولايات المتحدة واعتمادها على الفصائل الكردية لانشاء قواعد شرق الفرات ، وعلى خط الحدود السورية العراقية في قاعد” التنف ” لضمان عدة اهداف أولها تعزير فرص الضغط على دمشق ، وقطع خط التواصل البري بين طهران ودمشق وبيروت عبر العراق . وانشاء كيان كردي مستقل على حساب الجغرافية السورية يكون صديقا لإسرائيل والولايات المتحدة.
والطرف الثاني هو تركية التي تهدف لاقامة شريط مقتطع من الأرض السورية تابع لها مباشرة تقول بانه يؤمن حماية للامن القومي الداخلي ، وقاعدة انطلاق لمواجهة تهديد الأعداء من الفصائل الكردية التي تصنفها انقرة إرهابية ، وجزء من حلول مستقبلية لمشكلة الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين داخل تركية حيث تقول تركية انها ستنقلهم الى داخل هذه المنطقة ، وربط تركية عدم خروجها من هذه المناطق الا وفق حل شامل للازمة السورية يضمن لها حصة وموقع تاثير في هذا الحل المستقبلي.
ادردنا من خلال هذه المقدمة الدخول الى المستجد في هذا الملف المتمثل بتحرك ايران على خط الوساطة بين دمشق وانقرة ، بعد زيارة وزير الخارجية الإيرانية امس “حسين امير عبد اللهيان” الى دمشق ، وما سبقها من زيارة لعبد اللهيان الى انقرة . وبما ان الوزير الإيراني كشف عن لعب بلاده دورا الوساطة بين البلدين فهذا يستدعي طرح جملة تساؤلات ملحة حول هذه الوساطة ، ولعل الإجابة عن هذه التساؤلات تجعل هذا المسار اكثر وضوحا .
اهم تلك الأسئلة هو: هل هذه الوساطة “موضعية” ترتبط بجهد إيراني لاحتواء تصعيد محتمل في الشمال السوري ، ويهدف لوقف العملية العسكرية التركية هناك ؟ ام هي وساطة شاملة تتعلق بمجمل علاقة العداء المستمرة منذ احد عشر عاما ، أي على غرار المصالحات التي انجزتها تركية مع السعودية والامارات ومصر ؟
واذا كانت الوساطة الإيرانية “موضعية “مرتبطة فقط بالنوايا التركية بشن عملية عسكرية ، فلماذا التحرك الإيراني الان بعد ان تراجعت وتيرة التصعيد التركي ، وأعلنت انقرة ارجاء العملية ، مع بروز المعارضة الامريكية والروسية الواضحة لها ؟ ولماذا لم تتم هذه الوساطة عبر اطار” استانه” الذي تشارك فيه تركية وايران وسورية وتركية ؟ وقد انجز هذا الاطار العديد من التفاهمات الميدانية الهامة مثل مناطق خفض التصعيد ، والانسحابات من مناطق محددة ، وتسويات تتعلق بمعتقلين وغيرها ؟ .
من اهم التساؤلات في هذا الاطار أيضا : لماذا الوساطة معلنة ، ولم تنتهج ايران وساطة سرية الى حين نجاحها ؟ واذا كانت اللقاءات على المستوى الأمني بين سورية وتركية قائمة حسبما كشف الطرفان ، فهل الوساطة تهدف الى رفع مستوى اللقاءات الى اجتماعات بين الدبلوماسيين من الطرفين ؟ .
في هذا المضمار الموقف السوري كان رافضا لاي لقاء على هذا المستوى الا بعد الانسحاب التركي من الأرض السورية ، فهل استطاع عبد اللهيان اقناع دمشق بتغيير موقفها ؟
واذا كانت الرئيس” اردوغان” قد اظهر براغماتية مفرطة في السياسية ، بعد ان طوى ملف اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في تركية، واستقبل ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان “، واغفل اتهاماته للامارات بالتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة ضده ، وأعاد وصل العلاقة مع محمد بن زايد ، والاهم انه سار عكس اتجاه سياسته السابقة حيال مصر ، وتخلا عن المعارضة المصرية وحركة الاخوان المصرية وتجاوز حالة العداء معها . حتى إسرائيل تجاوز اردوغان كل التوتر السابق ، وطوى قضية قتل إسرائيل لمواطنين اتراك في سفينة مرمرة ، وأعاد الدفء الى العلاقة مع تل ابيب . فهل هذا سوف ينسحب على سورية ؟ ام ان البعد الشخصي بين اردوغان والأسد يحول دون ذلك ؟ عدا عن موقف الولايات المتحدة المشجع لتركية لوصل ما انقطع مع هذه كل الأطراف التي ذكرناها عدا سورية . فهل معارضة واشنطن هي ما تجعل سورية استثناء في مراجعات الرئيس اردوغان لعلاقاته الخارجية ام هناك اساب اخرى ؟ .
والسؤال البارز الإضافي : ماهو الرابط بين قرار حركة حماس بإصلاح العلاقة مع دمشق وهجوم قطر المباغت في مجلس حقوق الانسان على سورية ، بعد بروز مؤشرات على بوادر تقارب ، والوساطة الإيرانية بين دمشق وانقرة ؟ مع الإشارة ان الأطراف الثلاثة ” قطر تركية حماس ” ينتمون الى ذات المعسكر؟ .
والسؤال الختامي هنا . ماهي الخطوة الإيرانية اللاحقة بين زيارة عبد اللهيان البلدين ؟ ومامدى نجاح هذه الوساطة وماهي تداعيات فشلها ؟
نبقى الان في اطار طرح الأسئلة لان لا إجابات كاملة واكيدة لدينا. ولعلنا نكون قادرين على وضع إجابة لكل سؤال طرحناه في القادم من الأيام بعد اتضاح المشهد.
رأي اليوم