الهواجس والمخاطر الأمنية والاقتصادية ليست وحدها ما بات يدفع نحو ضرورة تعاون سوريا والأردن في مسألة ضبط الحدود المشتركة بين البلدين.
شكّلت الحدود مع الأردن واحدة من أصعب التهديدات الأمنية التي واجهتها سوريا طيلة سنوات حربها المستمرة منذ عام 2011، وربما لم يكن يضاهي تلك الحدود في خطورتها على “النظام” في سوريا سوى الحدود مع تركيا.
وإلى جانب غرفة “الموك” التي تولت قيادة الأحداث المناوئة لدمشق في محافظات الجنوب الثلاث (درعا والقنيطرة والسويداء) ودعم الفصائل المسلحة فيها، تحولت الحدود، في نظر دمشق، إلى معبر للسلاح والمسلحين والعمل ضدها، وهو ما تبلور في دعم المجموعات المسلحة التي تولت السيطرة على معبر نصيب الحدودي عام 2015، وفي حجم ونوعية التسهيلات اللوجستية التي كانت، ولا تزال، تحصل عليها القوات الأميركية في تحركها نحو قاعدتها في منطقة التنف السورية.
ومع دخول الجيش السوري إلى محافظة درعا وتحرير معبر نصيب الحدودي عام 2018، ساد اعتقاد سياسي وشعبي بأن مرحلة القلق الحدودي قد تتلاشى تدريجياً، ولا سيما أن أولوية المصالح الاقتصادية للبلدين بدت طاغية في ظل حجم الخسائر الكبيرة التي منيت بها القطاعات الاقتصادية الوطنية في كل من سوريا والأردن.
لهذا، كان هناك تعويل مشترك على إعادة تشغيل معبر نصيب الحدودي بكامل طاقته، قبل أن يتدخل الجانب الأميركي مع بدايات العام 2019، ويضغط على عمّان لمنع تشغيل المعبر، وتالياً الحيلولة دون فك الحصار البري عن دمشق، بدليل أن ساعات العمل في المعبر لا تتجاوز حالياً، بعد 4 سنوات من عودة المعبر إلى سلطة الحكومة السورية، 12 ساعة يومياً فقط، فضلاً عن القيود الأردنية الكثيرة المفروضة على حركة التبادل التجاري للمعبر، في مقابل انفتاح سوري على الذهاب إلى أبعد ما يمكن في منح التسهيلات والمزايا لرفع طاقة العمل في المعبر.
وجاء في العام الماضي مشروع إحياء العمل بخط الغاز العربي والربط الكهربائي، بغية نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، ليؤكد أن فرص تحويل الحدود من عامل تهديد أمني إلى رابط اقتصادي مشترك تعود نتائجه بالفائدة على البلدين لا تزال متاحة وقريبة جداً من النجاح.
سمة كل الحدود
إلى جانب الاعتقاد السوري المتمثل بأن عمّان لم تمسك بعد حدودها بما يحفظ سلامة الأراضي السورية، بدليل الغارة الإسرائيلية التي استهدفت أحد المطارات العسكرية في محافظة حمص، والتي قيل آنذاك إن الطائرات الإسرائيلية استخدمت الأجواء الأردنية للدخول إلى منطقة التنف وإطلاق صواريخها باتجاه المطار المذكور، فإن ما يؤرق البلدين اليوم هو ظاهرة التهريب عبر حدودهما المشتركة.
الجانب السوري على قناعة بأن طرق تهريب السلاح عبر الحدود الأردنية، وإن كانت قد تراجعت مقارنة بالسنوات التي مثلت ذروة الحرب، لا تزال نشطة وتستهدف تأمين بعض قطع السلاح والذخائر لمجموعات مسلحة لا تزال موجودة بدعم أميركي في الأرض السورية، وتحديداً في مناطق البادية، أو تستهدف خلايا مسلحة في منطقة الجنوب، فضلاً عن تهريب بعض السلع والثروات الاقتصادية، فالتقديرات غير الرسمية تتحدث هنا مثلاً عن تهريب أكثر من نصف مليون رأس من الأغنام سنوياً من سوريا إلى الأردن، إذ يصار إلى تصديرها بشكل نظامي كمنتج أردني إلى دول الخليج العربي أو تُهرب إلى الجوار الأردني.
في المقابل، تشتكي عمّان منذ عدة أشهر مما تعتبره تزايداً في محاولات تهريب الحبوب المخدرة من الأراضي السورية باتجاه الداخل الأردني، إلى درجة أن أوساطاً أردنية تصف ما يجري على الحدود مع سوريا بأنَّ البلاد تخوض حرباً حقيقية مع عصابات تهريب المخدرات.
وقد دعمت ذلك بحملة إعلامية داخلية وخارجية، كان محركها الأساس صحفاً وتلفزيونات غربية كانت تتهم في تقاريرها وموادها الصحافية المنشورة، وبشكل مباشر، الحكومة السورية بالمسؤولية عن نشاط تلك العصابات، متناسية أن هذه الحدود هي نفسها التي كانت تشكل قبل العام 2018 معبراً للسلاح المتدفق إلى مجموعات الجنوب والبادية، وهي نفسها اليوم التي لا تزال تهرب عبرها الثروة الحيوانية السورية إلى الأردن، ومنها إلى العراق ودول الخليج.
وبحسب بعض الأوساط السياسية، فإن رقعة الانتشار الجغرافي الواسعة لوحدات الجيش السوري، ولا سيما تمركزها في مناطق الشمال والشرق، حيث لا يزال تهديد المجموعات المسلحة قائماً، هو ما يعوق حالياً تمركز وحدات الجيش على الحدود مع الأردن بشكل أكبر، والذي يعد مصلحة سورية أيضاً، وخصوصاً في ضوء الأوضاع الأمنية الخاصة التي تعيشها المنطقة الجنوبية والتعديات المستمرة على الممتلكات العامة لقطاعات معينة، كقطاع الكهرباء مثلاً، وهذا هو حال جزء ليس قليلاً من المناطق الحدودية مع لبنان. ومع ذلك، يتم بين الفينة والأخرى الإعلان رسمياً عن ضبط شحنات مهربة من المواد المخدرة المتجهة من سوريا إلى الأردن.
العواصف الغبارية
يبدو أن الهواجس والمخاطر الأمنية والاقتصادية ليست وحدها ما بات يدفع نحو ضرورة تعاون البلدين في مسألة ضبط الحدود المشتركة وإداراتها بما ينعكس إيجاباً عليهما، إذ إن عمليات مراقبة ومتابعة العواصف الغبارية التي شهدتها سوريا هذا العام قادت المسؤولين في المديرية العامة للأرصاد الجوية إلى التحذير من التطورات الجديدة، المتمثلة بالمنشأ المحلي لبعض العواصف الغبارية.
وقد كانت الحدود السورية الأردنية من بين المناطق التي تحولت إلى واحدة من مسببات العواصف الغبارية ذات الأضرار القطرية والإقليمية المتزايدة، وذلك بفعل التعديات على الغطاء النباتي على طرفي الحدود والطبيعة الصحراوية لمناطق أخرى.
بناء عليه، هناك ضرورة لتعاون سوري أردني بغية مواجهة تغيرات المناخ، والحد من تحول المناطق الحدودية إلى مسببات لعواصف غبارية تلحق الضرر بمئات التجمعات السكنية على طرفي الحدود، وربما أبعد من ذلك أيضاً.
وهناك من يدعو، في إطار مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والبيئية، إلى دراسة البلدين إمكانية تحويل الحدود إلى مناطق تنموية تنعكس آثارها الاقتصادية الإيجابية على سكان التجمعات السكانية الحدودية، سواء عبر زيادة عدد المعابر الحدودية المعتمدة رسمياً بين البلدين في المبادلات التجارية، أو العمل على زيادة الغطاء النباتي في المنطقة، واستثمار بعض إمكانيات المناطق لإطلاق مشروعات مشتركة، مشابهة لتلك المؤسسة منذ أكثر من عقدين، كالشركة السورية الأردنية للمناطق الحرة والنقل وغيرها.
والحل؟
والسؤال هنا: ما المطلوب لوقف خطر التدهور الحاصل على الحدود السورية الأردنية؟
بديهياً، من مصلحة الدولتين الوصول إلى حال من الاستقرار الأمني والاقتصادي على امتداد الحدود المشتركة البالغ طولها نحو 360 كم، لكن هذا الأمر يتطلب ما يلي:
– وجود قرار سياسي واضح يمنع استخدام الحدود المشتركة بين الدولتين للإضرار بالوضع الداخلي للدولة الأخرى والنيل منها، كما حصل خلال السنوات الثماني من عمر الحرب السورية، ونتائج ذلك لن تمحى بسهولة.
– خروج الولايات المتحدة الأميركية من معادلة تأزيم العلاقات السورية الأردنية، وهو خروج من شأنه أن يكفل إبعاد تلك الحدود عن الأعمال والعمليات العسكرية التي باتت تهدد وحدة الأراضي السورية وسلامة منشآتها العسكرية والمدنية، فضلاً عن الدور السلبي الَّذي لا تزال واشنطن تؤديه في عرقلة عملية نقل الكهرباء الأردنية والغاز المصري إلى لبنان، إذ إن نجاح العملية كان يمكن أن يسهم في تعزيز الثقة أكثر بين دمشق وعمان والتأسيس لخطوات تعاون أخرى.
– إطلاق مشروعات حدودية مشتركة بين دمشق وعمان للتعاون في إطار مواجهة التغيرات المناخية، والاستفادة من الدعم الذي توفره بعض المنظمات والهيئات الدولية في هذا المجال. وربما تكون هذه البداية هي المدخل الأفضل حالياً لإنجاح جهود التعاون والتنسيق لضبط الحدود.
– تشكيل لجنة مشتركة من خبراء المؤسسات السورية والأردنية ومسؤوليها، لمناقشة واقع تلك الحدود، وطبيعة أشكال التهريب والسلع والبضائع التي تهرب بين البلدين، والمنافذ غير المشروعة التي تثمر في ذلك، والأهمّ سبل استثمارها وتنميتها، فوقف عمليات التهريب المتبادلة لن يتحقق بقوة السلاح فقط، إنما بتأمين بيئة اقتصادية موفرة لمصادر الدخل والاستقرار الاقتصادي.
زياد غصن
صحفي سوري متخصص في الشؤون الاقتصادية
الميادين نت
اقرأ أيضا: رتل عسكري أمريكي يضم 50 صهريجا محملا بالنفط يتوجه من سوريا إلى العراق