بايدن في الشرق الأوسط.. كلمة السرّ
يزور الرئيس الأميركي جو بايدن منطقة الشرق الأوسط في أول زيارة له منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. في مقالة نشرتها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية قبل أيام، استعرض بايدن أهداف جولته في الشرق الأوسط.
وفي السياق نفسه، نشر البيت الأبيض بياناً أفصح فيه عن أهداف الزيارة، التي قال إنها تتمثل بتعزيز التزام الولايات المتحدة أمن “إسرائيل” وازدهارها أولاً، وعزم الرئيس بايدن على عقد اجتماع مع 10 قادة إقليميين، بينهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لمناقشة التعاون الأمني الإقليمي وبحث التهديدات الإيرانية للمنطقة، وفق تعبير البيان.
تفسير الأهداف المعلنة للزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي بايدن يتمحور حول مسألتين أساسيتين، تتمثلان بدمج “إسرائيل” في تحالف أمني بهدف طمأنة الدول المتخوفة من توجهات إيران لامتلاك السلاح النووي، وتعزيز التعاون الأمني الأميركي الإسرائيلي العربي من خلال منظومة الاتفاقيات التطبيعية، لكن الأهداف الخفية من هذه الزيارة أبعد مما هو معلن بكثير، فلأميركا أهدافها الخاصة التي تسعى لتحقيقها بشكل خاص، باعتبارها كلمة السر في هذه الزيارة.
تكمن أهمية الزيارة، من وجهة نظر أميركية، في تحقيق عدة أهداف أساسية كأولوية متقدمة على ملفات يدور الحديث عنها في العلن، في وقت تشهد العلاقات الأميركية الصينية توتراً واضحاً، في مقابل دول تتمتع بعلاقات متطورة مع الصين، مثل السعودية والإمارات، إذ يحتل حرص إدارة بايدن على ضمان زيادة الصادرات من النفط وتعويض النقص الحاد الذي نشأ بعد الحرب الأميركية على روسيا أولوية قصوى في هذه الزيارة.
يكمن الهدف الثاني للزيارة في الضغط على السعودية من أجل خفض أسعار الصادرات، بسبب الانعكاسات السلبية لزيادة الأسعار وحالة التضخم وتعويض الطاقة الروسية، وهو ما انعكس وأثر بشكل مباشر على مستوى رفاهية المواطن الأميركي في أميركا. هذا التأثير بدأ تدريجياً، وأدى إلى تراجع شعبية الحزب الديمقراطي، كما أثر في شعبية بايدن وإدارته عشية الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي.
تسعى إدارة بايدن لتحقيق هدف ثالث ومهم بالنسبة إليها، يتمثل بلملمة حلفائها نتيجة حال الانكفاء عن المنطقة والتفكك الذي نشأ بعد الحرب الأميركية التي تخوضها أوكرانيا بالنيابة على روسيا.
يتمثل ذلك بإرسال رسائل طمأنة إلى دول عربية وخليجية بأن أميركا لم تغادر المنطقة بعد، في ظل الشعور الكبير لحلفائها بالخذلان خلال الفترة الماضية، وبأنهم أصبحوا خارج مظلة الحماية الأميركية الكاملة إزاء أي خطر أو تهديد محتمل، وخصوصاً بعد الفراغ الكبير الذي تركته بعد ذهابها تجاه المحيطين الهادئ والهندي وروسيا والصين معاً. وقد تعزز هذا الشعور أكثر بعد اعتقاد هذه الدول بأن أميركا خذلت أوكرانيا في حربها مع روسيا، وبالتالي يمكن أن تخذلهم في المستقبل.
تسعى إدارة بايدن لدفع عجلة التطبيع العربي مع “إسرائيل”، واستكمال عملية دمجها في المنطقة، من خلال التوصل إلى صيغة اتفاقيات أمنية أو عسكرية مع دول عربية جديدة، إذ يجري الترويج والتحضير والتهيئة لتكون السعودية هي الدولة المطبعة قريباً مع “إسرائيل”.
لا تحمل زيارة بايدن للمنطقة في جوهرها أي بعد سياسي، وخصوصاً أنها لم تتبنَّ رسمياً عزمها على إطلاق أي مشروع ذي أفق سياسي يتعلق بإيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي خلال الزيارة، أمام ما يُشاع عن أنها تدعم ما يسمى حل الدولتين.
وبناء عليه، سينصبّ ثقل الزيارة على الترتيبات الأمنية في الدرجة الأولى، وسيعمل الرئيس بايدن على تحقيق الهدف الرابع لزيارته بمحاولة إقناع “إسرائيل” والحلفاء العرب بضرورة وجود حلف دفاعي جديد تكون “إسرائيل” جزءاً لا يتجزأ منه كقوة موازية أمام إيران، وهو ما عرف بالحلف الشرق أوسطي بمشاركة 9 دول عربية، على رأسها دول مجلس التعاون الخليجي.
ستنخرط الدول العربية في هذه الترتيبات الأمنية بدرجات متفاوتة، وستركز على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وستكون على قاعدة ما تطلق عليه أميركا و”إسرائيل” وحلفاؤهما مواجهة الخطر الوجودي المشترك، بما يضمن أمن “إسرائيل” في المنطقة، وهذا أكثر ما يعني الإدارة الأميركية، ليس هدفاً لإدارة بايدن وحدها، وإنما كهدف رئيسي لكل الإدارات الأميركية، بصرف النظر عن لونها، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، وهذا يتلخص في نظرة أميركا تجاه زيارة بايدن، من خلال الإعلان عن الدعم المالي الأميركي لـ”إسرائيل”، إذ اعترف بأن إدارته مررت أكبر حزمة دعم إلى “إسرائيل” في التاريخ تقدر بأكثر من 4 مليارات دولار.
ثمة مخطط أميركي إسرائيلي واضح، يتجسد في الحراك الدبلوماسي الجاري خلال هذه المرحلة لاستبدال حالة العداء العربي والإسلامي القائمة في المنطقة تجاه “إسرائيل”، باختراع عدو جديد متمثل بإيران، وهو ما بات واضحاً من خلال استمرار تأليب الدول العربية وتحريضها على استعداء إيران وإقناعها بأن مصلحتها تصب في التحالف مع “إسرائيل” ضد العدو الجديد.
ترتكز زيارة بايدن في جوهرها على هدف رئيسي يكمن في وقف تراجع شعبية إدارته وأهداف أخرى متفرعة، لكن الأهم فيما سجلت من أهداف أن تحقيق مخططات بايدن من هذه الزيارة يواجه عقبات كثيرة ليست سهلة، سواء على صعيد ملف النفط أو حتى في مسار التطبيع الذي ترفضه دول مثل العراق والكويت، أو تجاه تشكيل حلف عربي تكون “إسرائيل” جزءًا منه.
وقد كتبت في مقالة سابقة قبل أسابيع من لحظة الترويج لتشكيل هذا الحلف، وقلت إن فكرته هي مجرد طموح يصعب تحقيقه واقعاً عملياً، وهي مهمة ليست سهلة أمام بايدن، ويعترضها الكثير من العقبات، إذ إن المنطقة غير ناضجة بعد لإعلان تشكيل مثل هذا الحلف، في ظل وجود دول غير جاهزة للانضمام إلى حلف عسكري أمني كامل مع “إسرائيل”.
الميادين- شرحبيل الغريب
اقرأ ايضاً:أنباء عن توقيف شيخ عشيرة سوري في السعودية بعد لقائه مسؤولين سوريين