تكلفة الإقامة في دار السعادة للمسنين 800 ألف شهرياً.. والسويت يفوق المليون!
منذ أكثر من عشرين عاماً تقيم أول طبيبة تخدير بسورية في دار السعادة للمسنين، ورغم بلوغها التسعين من عمرها، لا تزال تتمتّع بكامل صحتها الجسدية، والطبيبة والأستاذة الجامعية التي كانت تدفع لقاء إقامتها في الدار 10 آلاف ليرة شهرياً في بداية عام 2000 أي عند نزولها لأول مرة في الدار، باتت اليوم تدفع 250 ألف ليرة شهرياً، علماً أن الإقامة في الدار ارتفعت مؤخراً إلى 800 ألف ليرة شهرياً، هذا بالنسبة للغرف العادية، لتتجاوز المليون ليرة للسويت، وفق ما أوضحته مديرة دار السعادة ميساء الشعباني الأتاسي حول تأثير الحرب على كبار السن من وحي تجربتها، خاصة وأنها عاصرت الفترة الذهبية للدار، ولا تزال موجودة فيها حتى الآن.
أكدت الأتاسي أن نزلاء الدار القدامى لا تشملهم الأسعار الجديدة، وإدارة الدار تحاول جاهدةً أن تراعي وضعهم، كما هي حال طبيبة التخدير، إضافة إلى سيدة أخرى وهي ابنة إحدى الشخصيات المؤثرة جداً في سورية، لأنهما تعتبران من أقدم النزلاء في الدار، وفق ما صرّحت، مؤكدةً أن ارتفاع تكلفة الإقامة لم يكن عشوائياً، وإنما كان بشكل تدريجي، وكان هناك حرص من قبل مجلس الإدارة على إجراء دراسة متأنية، مراعاة منهم للظروف الصعبة، لافتةً إلى أن الدار رغم كلّ تلك الزيادات تعتبر خاسرة، على حدّ قولها، لانعكاس الوضع الحالي على الجميع، خاصةً وأنهم يؤمّنون كامل مستلزمات النزلاء بشكل كليّ من طعام وطبابة وثياب وأدوية وغسيل ومونة.. إلخ، إضافة إلى ذلك مصاريف أخرى كالأعطال المتراكمة.
تقول الأتاسي: عند إحضار مولدة الكهرباء على سبيل المثال لم يكن في حسباننا أن تعمل 16 ساعة من أصل 24، غير أن الوضع الحالي فرض علينا تشغيلها كلّ هذه المدة الزمنية الطويلة، خاصة وأن النزلاء معظمهم من كبار السن ولا طاقة لهم على تحمّل الحر أو البرد الشديدين، وبيّنت أن الدعم الحكومي الذي كانت الدار تتلقاه تحديداً في مادة المازوت، انخفض كثيراً، ما زاد العبء عليهم بشكل كبير، آملةً من الجهات المعنية مساعدتهم وتخفيف ساعات قطع الكهرباء، لأنهم من دون مساعدة الحكومة ضعفاء، على حدّ وصفها، مبرّرة طلبها بأن وضع كبار السن يختلف عن غيره من الفئات، كونهم معرضين لحوادث معينة، كتلك التي قد تحدث عند ذهابهم ليلاً إلى الحمام على سبيل المثال، ما قد يعرّضهم لحالات كسر أصابت بعضهم، مشددةً على مراعاة وتقدير مجلس الإدارة للوضع الحالي وللضغوط الكبيرة ولصعوبة تحقيق طلبهم، شأنهم شأن الجميع، وأشارت في الوقت نفسه إلى أنهم وبسبب عدم كفاية مخصّصات المازوت لديهم في الشتاء الفائت اضطروا في شهر من الأشهر لدفع 35 مليوناً فقط لتأمين الحدّ الأدنى من المازوت، ما يعني صعوبة الاستمرار في وضع كهذا.
وتضيف الأتاسي: رغم بذل مجلس إدارة الدار لكلّ الجهود الممكنة، إلا أننا لم نسلم من انتقادات بعض نزلاء الدار على حساباتهم الشخصية على الفيسبوك لعدم رضاهم عن الوضع الحالي، وطبعاً الطرفان محقان، والمعادلة صعبة جداً، خاصةً وأن نزلاء الدار سابقاً كانوا مرفهين جداً، فالدار في جزء منها كجمعية خيرية “جمعية الإسعاف العام” والتي تأسّست -قبل الدار التي تأسّست مع بداية التسعينات- كانت غنية وقامت على تبرعات المحسنين، والقائد الخالد حافظ الأسد دعمهم ومنحهم الأرض لإقامة البناء عليها، ليتغيّر ويختلف الوضع اليوم بشكلٍّ كلي، خاصةً وأن التبرعات تقريباً انتهت.
أما عن تأثير الحرب في ازدياد أعداد النزلاء، فقد أكدت الأتاسي أن الضغط على الدار في أول الحرب كان كبيراً جداً، بسبب خسارة الكثيرين لمنازلهم، واضطرار البعض للسفر خارج البلاد، ووضع ذويهم في الدار، لترتفع الأعداد بشكل أكبر في السنوات الأخيرة، مؤكدة أن هناك كثيرين اليوم على قائمة الانتظار، وحالياً لا يوجد شاغر إلا غرفتين سيتمّ تسليمهما لمن هم على القائمة.
وأشارت إلى نقطة جوهرية، تتعلق بالأفكار المغلوطة التي تزامنت مع تأسيس دور المسنين بشكل عام، والتصوّر المسبق عن وضع غير لائق لمن يقيم فيها، ليذهب البعض إلى أكثر من ذلك ويعتقد أن من يقيم فيها “ولادو شالحينو” على حدّ تعبيرها، إضافةً إلى الاستهجان المجتمعي الذي لا يمكن تجاهله، إلا أن الوضع على أرض الواقع مختلف.
وأشارت الأتاسي إلى أن البعض حجز دوراً له من الآن بعد اطلاعه على ما تمّ تقديمه، لأن مفهوم دور المسنين اختلف ولم يعد كما كان، مؤكدةً أن نسبة 70% من النزلاء يأتون للتسجيل بأنفسهم، كأن تكون سيدة متقاعدة ليس لديها من يهتمّ بها على سبيل المثال، ولا يمكنها في الظروف الحالية والأزمات المتتالية استئجار منزل وتأمين مستلزمات الكهرباء والمازوت وخلافها من أمور كثيرة، ترى في الدار مكاناً مناسباً، فضلاً عن الحياة الاجتماعية الموجودة في الدار، ووجود ممرضات وعناية كاملة، وخاصةً لمن ليس لديهم أي أحد يستفقدهم، ولا شك أن معظمنا قد سمع كثيراً عن حالات لأشخاص كبار في السن وافتهم المنية في منازلها دون أن يعلم بهم أحد، وبالتالي فإن فكرة وجود دور المسنين تعتبر حماية لكبار السن، مؤكدةً أن الدار وفي حال حدثت وفيات لنزلاء ليس لديهم من يقوم بواجب دفنهم، تتكفل هي بكل ما يلزم من ترتيبات، ويتمّ الدفن في مقبرة نجها، ومنح رقم خاص في حال رغب أحد أقاربهم بزيارتهم لاحقاً.
أما عن الشقّ المجاني في الدار فتشير الأتاسي إلى وجود نزلاء ليس لديهم القدرة على تحمّل التكاليف، تُراعَى ظروفهم، ونعتبرهم في حساباتنا ضمن القسم المجاني، لأنه يتوجب علينا كجمعية خيرية أن نرعى نسبة معينة بشكل مجاني، لافتةً إلى أن الدار كانت تستقبل النزلاء بدءاً من عمر 60 إلا أن هذه الفئة العمرية، لم تتمكّن من الاندماج مع كبار السن، خاصةً وأن قسماً كبيراً منهم لا زال يتمتّع بحيوية ونشاط كبيرين، ليتمّ رفع سن استقبال النزلاء لـ65 سنة، لافتةً إلى أن عدد النزلاء اليوم وصل إلى 140 نزيلاً.
بالمحصلة.. لا بدّ من التأكيد على ضرورة توفير مراكز حكومية وخاصة للاهتمام بكبار السن، لأن الاهتمام بهذه الفئة ليس ترفاً لها وإنما حماية وحاجة ملحة لحمايتها من العوز والمرض والحاجة، وصوناً لكرامتهم، وخاصة في هذه الظروف الصعبة، التي بتنا نرى فيها وبشكل يومي رجالاً ونساءً في مراحل عمرية متقدمة يفترشون الأرض في الأماكن العامة، ونحن هنا لا نطلب وضعهم في سويتات أو أماكن مرفهة، وإنما أضعف الإيمان تأمين مكان يحقق الحدّ الأدنى من احتياجاتهم.
البعث