الجمعة , نوفمبر 22 2024

جولة فاشلة لبايدن في المنطقة.. هل خسر ورقته الأخيرة بمواجهة روسيا؟

جولة فاشلة لبايدن في المنطقة.. هل خسر ورقته الأخيرة بمواجهة روسيا؟

شارل أبي نادر

من يتابع، وبتفصيل دقيق، الوضع الدولي الناشئ على خلفية الحرب الروسية – الغربية في أوكرانيا، لا يمكنه إلا أن يلاحظ أن الروس يسيطرون على هذه المواجهة من النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية.

في المقابل، لا يمكن إلا ملاحظة خيبة الدول الغربية (دول الاتحاد الأوروبي والناتو)، بعد أن فقدت، كما يبدو، أي قدرة على التحكّم في هذه المواجهة التي اختارتها أصلاً واستدرجت موسكو إليها، عندما تنكَّر جميعهم للحقوق التاريخية في حماية أبناء الدونباس ذوي الأصول والثقافة الروسية، وتجاهلوا عمداً الضمانات الأمنية والعسكرية والاستراتيجية التي طلبتها موسكو، بعد أن ضيقوا الخناق عليها إلى أبعد الحدود، من البحر الأسود، ومن بحر آزوف، ومن كامل شرق أوكرانيا وشمال شرقها.

في الواقع، تعذّر على الغرب مواجهة رد الفعل الروسي أو هذه العملية العسكرية الخاصة بطريقة عسكرية، على المستوى الأخطر (أي النووي)، إذ كان الدمار الشامل سيغدو سيد الموقف، أو على مستوى عمل عسكري تقليدي واسع، إذ مَنع عدمُ انخراط أوكرانيا في الناتو التدخل الغربي العسكري المباشر، لعدم إمكانية تفعيل المادة الخامسة من قانون الحلف.

وفيما كان سلاح العقوبات والضغوط الاقتصادية على موسكو هو السلاح الوحيد الذي عوّل عليه الغرب لمحاولة عرقلة العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، فقد انقلب اليوم سلاحاً مضاداً، وخصوصاً على الأوروبيين، الذين فقدوا، كما يبدو، أي أمل بإيجاد بديل مناسب وكافٍ للطاقة الروسية، وخصوصاً الغاز، في وقت تنهار عملتهم المميزة “اليورو”، التي كانت الأقوى غربياً، أمام أعينهم، تماماً كما خطَّط الأميركيون منذ فترة بعيدة.

استناداً إلى المعادلة الأخيرة أعلاه (كما خطّط الأميركيون منذ فترة بعيدة لانهيار اليورو)، ننطلق في مقاربة أهداف زيارة بايدن الأخيرة إلى منطقة الشرق الأوسط، ونطرح أكثر من تساؤل عن نتائجها وإذا ما تحقّقت هذه الأهداف أو إذا كانت حقيقةً هي الأهداف التي يريدها الأميركيون، أو أن أهدافهم الحقيقية، وكالعادة، تكون مخفية وغير ظاهرة؟ وخصوصاً أنه لا يمكن استبعاد الاستراتيجية الأميركية القديمة الجديدة التي تقوم فعلياً على كسر روسيا لإخراجها من معادلة التنافس الدولي على قطبيتها الأحادية للعالم، بالتزامن مع إضعاف الاقتصاد الأوروبي واليورو، لإبقاء القارة العجوز تحت سلطة الولايات المتحدة، فتتحكّم فيها كما تريد، من دون استقلالية أي قرار على الصعيد الدولي.

عندما قال بايدن إن حقوق الإنسان ستتصدر جدول أعماله في السعودية، ناقض هذا الأمر مباشرة مع تجاوزه موضوع مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وتبنيه الرواية السعودية، وخضوعه لكلام ولي العهد محمد بن سلمان بأن “الحادثة حصلت عن طريق الخطأ، وكل الدول تخطئ، ومنها الولايات المتحدة الأميركية”.

كلّ ذلك حصل مع بايدن في السعودية، على الرغم من أن حملته الانتخابية قامت بنسبة كبيرة على الوعود بفضح هذه الجريمة ومعاقبة الفاعلين، ليتبيّن مباشرة أنه يركِّز أو يسعى لتحقيق الأهداف الآتية:

– طلب مساعدة السعودية من أجل زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار عالمياً.

– البحث في تكامل الدفاعات الجوية مع دول الشرق الأوسط، للتعامل مع ما يسمونه “التهديد الإيراني المتزايد”.

– العمل على التطبيع بين “إسرائيل” والعالم العربي.

في البند الأول، المتعلق بزيادة السعودية إنتاجها النفطي، كانت الأخيرة واضحة بتحديد سقف الإنتاج بـ13 مليون برميل يومياً لا يمكنها تجاوزه تقنياً، وليس سياسياً. وقد تركت هذا القرار لما بعد التداول مع المسؤولين في منظمة “أوبك+” والاتفاق فيما بينهم، وكأن الرياض هنا تركت لموسكو، وهي العضو الأقوى في المنظمة المذكورة، المشاركة الكبرى في قرار يتعلق بطلب الرئيس بايدن المساعدة في إعادة التوازن إلى سوق النفط الأميركي. هذا الأمر طبعاً لا يمكن تأكيد حصوله (موافقة موسكو على زيادة الإنتاج)، مع ترجيح عرقلته.

أما البندان الثاني والثالث، المرتبطان بتكامل الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط للتعامل مع “التهديد الإيراني المتزايد”، والعمل على التطبيع بين “إسرائيل” والعالم العربي، يمكن دمجهما معاً تحت عنوان واحد تقريباً تداوله الأميركيون وسوّقوا له بقوة، وهو تشكيل ناتو عربي.

وهنا أيضاً، ظهر الخداع الأميركي والدعاية الإعلامية الفارغة عن “ناتو عربي”، إذ إنَّ هذه الدول التي تم الإعلان أنها ستكون ضمن هذا الحلف تدور أساساً بالكامل ضمن السياسة الأميركية، وتوجهاتها لا تتجاوز إرادة واشنطن. هذا في السياسة.

أما على الصعيد العسكري، فالأمر متداخل أيضاً مع سياسة أنظمة هذه الدول، إذ إن أسلحتها تقريباً أصبحت في غالبيتها غربية، والقواعد الأميركية منتشرة في أراضيها، وبقدرات ضخمة، وبصلاحيات تدخّل واسعة.

والأهمّ أيضاً أنها محمية تقريباً من الأميركيين، من خلال وجود القواعد الأميركية في أراضيها، ومن خلال الرعاية الأميركية الكاملة لأنظمتها الحالية التي لا يمكن أن تثبت في الحكم أو تستمرّ إلا برضا البيت الأبيض وعطفه.

كلّ هذا عملياً يمكن أن يكون عبارة عن تحالف غير بعيد عن “الناتو” ببنوده أو بطبيعة علاقة الأعضاء فيما بينهم، أو بالتزامهم سياسة واحدة تقريباً.

من ناحية أخرى، إنَّ الهدف الأساسي – غير الظاهر بداية – إذ لم يتم الإعلان عنه، وظهر لاحقاً من خلال كلمة بايدن في “تل أبيب”، يتعلق بمحاولة تخفيف رد فعل “إسرائيل” على عودة قريبة ومحتملة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وذلك بإشارته إلى أهمية العودة إلى الاتفاق، وإلى أن “أمن إسرائيل الفعلي هو في وجود اتفاق كهذا”، وأن الانسحاب منه عام 2018 كان خطأً استراتيجياً.

انطلاقاً من ذلك، يمكن استنتاج الموقف الأميركي الضعيف الذي ظهر في حاجة واشنطن إلى كسب رضا السعودية وإيران في الوقت نفسه، وإن لم تصرح علانيةً بذلك حول إيران، الأمر الذي يعتبر مؤشراً إلى فقدانها المناورة والمبادرة، على عكس ما كان عليه الأمر قبل الحرب في أوكرانيا، إذ تتنازل هذه الإدارة الأميركية اليوم، وتستعطي موقفاً “نفطياً” من السعودية، وقد لا تحصل عليه، بهدف التخفيف من ضغوط أسلحة روسيا الاقتصادية عليها وعلى حلفائها الأوروبيين.

وفي الوقت ذاته، تأتي إلى “تل أبيب”، وهي كإدارة ديمقراطية كانت تاريخياً الحامي أو الراعي الأول لـ”إسرائيل”، وتعمل على إقناع الإسرائيليين بتفهم ما تعمل عليه مع إيران تحت غطاء العودة إلى الاتفاق النووي معها، بهدف فعلي هو ضخ طهران أكبر كمية من النفط والغاز الإيرانيين في الأسواق الغربية، وبسرعة لا تتجاوز شهرين، قبل الشتاء القادم.

هذا على صعيد الموقف من واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. أما على صعيد الموقف الحقيقي منها في أوروبا، حيث يبدو أنَّ القادة الأوربيين بدأوا يبحثون عن مخرج من هذه الورطة الكبيرة التي أدخلتهم فيها واشنطن بمواجهة روسيا وإمكانياتها العسكرية والاقتصادية الضخمة، فيمكن استنتاج هذا الموقف الأوروبي الحقيقي من واشنطن من تصريح نائب البوندستاغ عن حزب اليسار الألماني، سيفيم داغديلين، التي أعلنت “أن العقيدة الاستراتيجية لحلف الناتو تهدف إلى تعزيز الآلة العسكرية العالمية للغرب، بعد أن أثبتت الحروب التي شنها الناتو بقيادة الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، أن الناتو ليس حلفاً دفاعياً، بل هو أكبر آلة عسكرية في العالم”.

وتابعت النائب المذكورة: “خطط ضمّ فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي تدلّ على انتهاك الوعود التي قدمها الغرب لروسيا بعدم توسعه”، مذكرةً بكلام البابا فرنسيس بأنّ “نباح الناتو قرب البوابة الروسية أدى دوره في تصعيد النزاع في أوكرانيا”.

وإذا كانت واشنطن فقدت موقعها المؤثر والقيادي، ولو جزئياً، في الشرق الأوسط، وكانت على الطريق لتواجَه بموقف أوروبي حاسم لفرض تسوية في أوكرانيا، فإنها عملياً تكون غير بعيدة عن الأهداف الروسية، فكيف لها أن تتابع استراتيجيتها بمواجهة موسكو القوية من دون أسلحتها الدولية، وهي مواقف الدول الحليفة لها؟

والأهم من ذلك كله، كيف لها أن تثبت على هذا المستوى المرتفع من الاشتباك الحساس الذي خلقته بمواجهة الصين في بحر الصين الجنوبي ومضيق تايوان وشمال شرق المحيط الهادي؟

الميادين