“فاينانشال تايمز”: ما المخطط التركي “الكبير” في سوريا؟
أصدرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، تقريرًا يناقش خطة تركيا في سوريا، بالتزامن مع التهديدات التركية بعملية عسكرية بعمق 30 كيلومترًا على طول الحدود الشمالية لسوريا.
وجاء في التقرير، الصادر الاثنين 25 تموز، عبر مراسلي الصحيفة من على الحدود السورية- التركية، أنه عند نقطة المعبر الحدودي “أونجو بينار” التركي، يظهر موظفو جميع مؤسسات الدولة التركية وهم عائدون من الشمال السوري بعد انتهاء عملهم.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول تركي لم تسمِّه، أن “كل مؤسسة في تركيا هي هناك (الشمال السوري)، حتى موظفي وزارة الرياضة”، ويُقدّر أن حوالي 300 عامل تركي، و200 شاحنة تقطع النقطة الحدودية (أونجو بينار) يوميًا، وهي واحدة من ثماني نقاط على الحدود التي تمتد بطول 900 كيلومتر.
وأوضح التقرير أن الوضع الحالي في شمال غربي سوريا، يعكس دور تركيا في رسم مستقبل المنطقة، بعدما نفذت عمليات عسكرية سابقة لدفع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بعيدًا عن الحدود.
وبحسب الصحيفة، ففي المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، يتعلم السوريون في المدارس اللغة التركية كلغة ثانية، ويعالج المرضى في المستشفيات التي بنتها تركيا، كما أن الكهرباء تأتي عبر تركيا، والليرة التركية هي العملة الأكثر تداولًا، وتستخدم خدمة البريد التركية (PTT) لتحويل الرواتب إلى العمال السوريين، واستضافة الحسابات المصرفية للمجالس المحلية.
ونقل التقرير عن مسؤول تركي لم يسمِّه، نفيه “الشديد” أن بلاده تسعى لتغيير النسيج الاجتماعي لسوريا، مؤكدًا أن العديد من الأصدقاء العرب والغربيين لم يفهموا التوجه التركي.
ما آثار وجود تركيا العسكري
تُدرب تركيا وتدفع رواتب أكثر من 50 ألف مقاتل سوري من مقاتلي المعارضة، ونشرت قواتها الخاصة داخل سوريا، وبنت قواعد عسكرية على الحدود وجدارًا حدوديًا بطول 873 كيلومترًا، بحسب الصحيفة.
وترغب أنقرة من خلال الجبهة العسكرية حسب زعمها بإضعاف “قسد”، التي تعتبرها امتدادًا لحزب “العمال الكردستاني” الإرهابي، وإنشاء “منطقة آمنة” لتشجيع عودة نحو 3.7 مليون لاجئ سوري إلى سوريا، إذ أصبح وجودهم لا يحظى بتأييد داخلي، وفق التقرير.
وقالت الصحيفة، إن “الصراع مجمّد في ظل عدم فاعلية الجهود الدولية من أجل التوصل لحل سياسي للصراع السوري، كما أن الاهتمام الغربي بالوضع السوري تقلّص”.
وأضافت محللة الملف السوري في “مجموعة الأزمات الدولية” دارين خليفة، للصحيفة، “تحفز ديناميكيات ومخاطر الصراع القوى الأجنبية على البقاء في سوريا، وطالما فعلوا ذلك، فمن المرجح أن يستمر المأزق الحالي وهو يشبه تقسيمًا فعليًا للبلاد”.
وتتخوف أنقرة من أن طول فترة سيطرة “قسد” على مناطق معيّنة قد يكون دافعًا لها مستقبلًا لجعل تلك المناطق “موطنا للأكراد”، وفق الصحيفة.
وحذرت روسيا وإيران والولايات المتحدة من توغل عسكري في الأراضي السورية بشكل سيؤدي إلى “نزاع عسكري أوسع”، إلا أن القادة الأتراك في داخل سوريا أبلغوا قادة المعارضة المحلية بضرورة تحضير المقاتلين من “الجيش الوطني”، بحسب مدير المكتب السياسي “للجيش الوطني”، محمود عليطو.
وأوضح أن تركيا نشرت قوات وأسلحة على طول الحدود، وهي جادة بشأن العملية، كما قال إن “(الجيش الوطني) لا يتبع أجندة أنقرة ( بحسب زعمه)، وسيواصل القتال بدعم أو دون دعم”، معترفًا أن الجيوب التي تسيطر عليها المعارضة تعتمد على “رعاتها الأتراك”، مُبررًا بأن تركيا تحولت للفرصة الوحيدة للمعارضة بعدما تخلى المجتمع الدولي عنهم.
ويقدّر المحلل من معهد “Seta”، المقرب من الحكومة التركية، مراد يشلطاش، أن التدخل في سوريا يكلّف الخزينة التركية ملياري دولار سنويًا، ولديها ما بين أربعة آلاف وخمسة آلاف جندي في المناطق التي تسيطر عليها، وحوالي ثمانية آلاف جندي في محافظة إدلب، وفق قوله للصحيفة.
وعن خيارات تركيا الحالية، قال يشلطاش، إن “خيارات تركيا هي حكم مباشر، والذي سيعطي تركيا مساحة لحل المشكلات الأمنية والاقتصادية على الأرض، وسيكون بمنزلة الضم الفعلي أو الخروج ووضع ثقتها بالقوات الموالية لها، وفي الوقت الحالي تحاول تركيا بناء مزيج من الخيارين”.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، جددت تركيا أكثر من مرة الحديث عن نيتها شن عملية في مناطق من سوريا، حددها لاحقًا الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بتل رفعت وعين عيسى، في حين أعلنت “الإدارة الذاتية” المظلة السياسية لـ”قسد”، في 6 من تموز الحالي، حالة الطوارئ في مناطق نفوذها، بسبب “التهديدات” التي تتعرض لها المنطقة من قبل تركيا.
وكالات