تحذير ألماني من انقسام المعسكر الغربي.. هل نجح بوتين في بث بذور الفرقة بين الأوروبيين؟
حذر الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير من خطر الفرقة الذي بات يهدد أوروبا بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، داعيا الدول الأوروبية إلى إظهار المزيد من الوحدة أمام التحديات التي تواجهها.
التحذيرات الألمانية لم تأت من فراغ، بل هي نتيجة لعدد من المؤشرات التي تظهر أن الاتحاد الأوروبي بات يجد صعوبة في إقرار عقوبات بالإجماع على روسيا، خصوصا تلك المتعلقة بالطاقة.
وينقسم الاتحاد في ملف العقوبات إلى دول متضررة وبشدة من أي نقص في إمدادات الغاز والنفط الروسيين وأخرى لا تعتمد بشكل كبير على الطاقة الروسية.
وزاد من حدة التوتر الأوروبي، خفض شركة “غاز بروم” إمداداتها من الغاز عبر خط “نورد ستريم 1” بنسبة 15%، علما أن الخط كان يشتغل أصلا بحوالي 40% من قدرته الكاملة على الضخ.
وتبرر موسكو هذا الانخفاض بمشاكل تقنية، إلا أنه يبدو بمثابة رد على قرار الاتحاد الأوروبي خفض الواردات من الغاز الروسي بنسبة 15% مع نهاية العام الحالي.
وظهرت المخاوف من الانقسام الأوروبي خلال قمة الدول السبع الأخيرة، حين حذر رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي من أن أي خطأ في التعامل مع ملف الطاقة سيكون بمثابة هدية ذهبية لليمين الشعبوي من جديد، كما حدث في أزمة 2008 التي كانت محطة أساسية في ظهور نجم التيارات الشعبوية.
ويطل شبح الانقسام أو الفرقة على الاتحاد الأوروبي من مدخلين، أولهما مرتبط بالوضع السياسي الداخلي لعدد من الدول، والثاني اقتصادي محض مرتبط باعتماد عدد من الدول الأوروبية على الغاز الروسي.
أزمات سياسية
من خلال الإمعان في الخريطة السياسية لأوروبا يظهر أن الدول الثلاث الكبرى في أوروبا تعاني من ضغوط سياسية داخلية كبيرة، تجعلها غير قادرة على التحرك بكل أريحية في الملف الخارجي المرتبط بالحرب في أوكرانيا.
ففي إيطاليا، التي شهدت انهيار الائتلاف الحاكم، أكد رئيس الوزراء خلال استقالته أن بعض المؤسسات الإيطالية حريصة على استرضاء المطالب الروسية، مع التحذير من أن قدوم أحزاب اليمين الشعبوي خصوصا حزب “إخوة إيطاليا” الذي سيستغل أزمة الطاقة من أجل إبعاد إيطاليا عن مسار التصعيد ضد روسيا، وربما قد يفتح خطوط تواصل معها ويرفض تشديد العقوبات عليها.
وفي فرنسا، يعاني الرئيس الفرنسي مما تسميه الأدبيات السياسية الفرنسية “البطة العرجاء”، وذلك بفقدانه لأغلبيته في البرلمان مع تحقيق اليمين المتطرف لأفضل نتيجة انتخابية له في البرلمان، مما يجعل القرار الفرنسي أيضا مقيدا بعدد من الاعتبارات الداخلية.
أما ألمانيا، الدولة الكبرى داخل الاتحاد التي يبدو أنها تتحمل أعباء هذه الحرب أكثر من غيرها، فإن الخشية من أسوأ شتاء يمر على البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، تهيمن على النقاشات السياسية.
وتواجه الحكومة الألمانية ضغوطا كبيرا من المؤسسات الاقتصادية والصناعية لإيجاد حلول عاجلة لأزمة الطاقة وإلا فإن أكثر من 450 ألف وظيفة سوف تختفي، وقدرت صحيفة “فايننشال تايمز” تأثير هذه الأزمة على الاقتصاد الألماني بتراجعه بنسبة 6% خلال هذه السنة.
سلاح الغاز
وتكرر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كل مناسبة اتهامها لموسكو بأنها حولت الغاز “إلى سلاح”.
وحسب صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية نقلا عن مصادر أوروبية، فإن فرض عقوبات على الطاقة الروسية بات موضوعا “يتجنبه القادة الأوروبيون”، ولعل هذا ما يفسر كيف أن الحزمة الجديدة من العقوبات استهدفت الذهب الروسي دون المس بالغاز والنفط.
ومباشرة بعد الإعلان عن تراجع ضخ الغاز في خط “نورد ستريم 1” بنسبة 15% ارتفعت أسعار الغاز بنسبة 20%، ليصل سعره إلى 210 “ميغاوات في الساعة” وهو ما يعادل 10 أضعاف سعر الغاز خلال الفترة ما بين 2010 و2012.
في المقابل، فإن دراسة لمركز الأبحاث حول الطاقة والهواء النظيف في هلسنكي (Center for Research on Energy and Clean Air)، أظهرت أن خزينة الدولة الروسية استقبلت حوالي 100 مليار دولار من عائدات الطاقة خلال الأيام الـ 100 الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا، وحوالي 60% منها قادمة من الاتحاد الأوروبي.
ويزيد من تعقيد الوضع، معارضة دول في أوروبا الشرقية لأي عقوبات إضافية على النفط أو الغاز الروسي أو حظرهما بالكامل خلال هذه السنة أو السنة المقبلة، ويتعلق الأمر بدول مثل المجر وسلوفاكيا والتشيك وبلغاريا وقبرص ومالطا.
تهديد حقيقي
ويرى الباحث البريطاني في العلاقات الدولية كريس دويل أن تهديد حدوث انقسام أوروبي “هو تهديد حقيقي خصوصا لو طال أمد الحرب، حينها ستظهر إلى العلن خلافات أكبر حول تدبير العقوبات فيم يتعلق بملف الطاقة وهذا بالطبع يخدم مصالح بوتين”.
ويضيف للجزيرة نت أن “الأوروبيين يعلمون أن طول الحرب ليس في مصلحة أحد والجميع بات يقتنع تدريجيا أنه لا أحد سيخرج منتصرا من هذه الحرب، لهذا سنشاهد في الأيام المقبلة حكومات دول أوروبية تتردد في مقاطعة الطاقة الروسية خصوصا مع اقتراب فصل الشتاء”.
وتوقع كريس دويل أن “أوروبا ستدفع الثمن باهظا بسبب هذه الحرب بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة حينها ستندلع أزمات سياسية داخلية كبيرة”.
وتوقع أن تكون إيطاليا الدولة التي ستخرج أولا عن الإجماع الأوروبي بسبب الأزمة السياسية الداخلية.
الجزيرة
اقرأ ايضاً:“أمريكا قدمت عرضاً مهماً لموسكو”.. وتعلن عن أول محادثات معها منذ بدء الحرب